بين غزة والفضائيات خطاب التضليل وصناعة المأساة.. عائد زقوت

في ظل مرحلة التيه التي غرق فيها شعبنا، ما زالت بعض الأصوات المظلمة المتجهمة تُصرّ على خلط المفاهيم عمدًا أو جهلًا، لتزيد تشويه الوعي الجمعي. فمن الاستدعاء المبتور للإسقاطات التاريخية، إلى الحديث عن انتصارات وهمية ثم الانكفاء على الشكوى من ويلات الحرب، مرورًا بادعاء المعرفة والبحث في محاولة للتنصل من المسؤولية الأدبية والأخلاقية والسياسية والقانونية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلى الاستخفاف بكرامة الإنسان في غزة، عبر مشاهد إعلامية بائسة، وصولًا إلى تصوير الشعب كأنه مجرد ورقة تفاوضية رابحة بيد فصيل بعينه. والأخطر من ذلك كله احتكار حق التفكير، وادعاء أن الأفراد غير مؤهلين لممارسة هذه المهمة، وهو ما يتعارض صراحةً مع مبدأ إعمال العقل الذي به اهتدى الإنسان لمعرفة الخالق سبحانه، كما يناقض طبيعة التكوين النفسي والاجتماعي. فوفقًا لعلم الاجتماع، ليست الجماعات – مهما كان طابعها رياضيًا أو سياسيًا أو أيديولوجيًا – كيانًا مُفكرًا؛ إذ تُقاد آلياتها بالترغيب والترهيب، وبمخاطبة الانفعال الجمعي، لا بالعقل والتأمل، مما يجعل التفكير الحُر والسؤال المستقل ليس سائرًا فيها ولا متداولًا وخارج سياقها بطبيعته.
وعليه، فإن أولئك الذين يُرهقون أسماعنا بتنميق الألفاظ وتزييف المفاهيم عليهم أن يدركوا أن التاريخ علّمنا: الكلمات حين تُسخَّر لخدمة رواية حزبية أو فئوية ضيقة، تجعل أصحابها شركاء مباشرين في صناعة المأساة واستمرارها.