حماية لاستقلاليتها وكينونتها يجب على “الأمم المتحدة” نقل اجتماعها السنوي الى جنيف.. د. هاني العقاد

كان صادما قرار إلغاء وزارة الخارجية الامريكية تأشيرات عدد من المسؤولين الفلسطينيين بمن فيهم الرئيس محمود عباس لمنعهم من حضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة لشرح معاناة شعبهم للعالم الحر ,وهذا الاجتماع السنوي هو عبارة عن تظاهرة قانونية دبلوماسية دولية سنوية ضد الدول والجماعات التي تنتهك حقوق الاخرين من شعوب وجماعات وتصر على قتل البشر وتدمير بنيتهم المدنية وتنته ببربرية كافة حقوقهم الإنسانية ,وهي مظاهرة دبلوماسية تجسد اهم مبادئ ولوائح وبنود القانون الدولي والأمم المتحدة ,وفي خطوة هي الاولي من نوعها على مسرح حركة تاريخ الأمم المتحدة قرر وزير الخارجية (مارك روبيو) عدم منح الرئيس محمود عباس والدبلوماسيين الفلسطينيين تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة والقاء كلمة باسم الشعب الفلسطيني واسماع صوتهم للعالم من على اعلى منصة دولية وهي الأمم المتحدة ,القبة التي تجتمع تحتها كل دول العالم لينادوا بصوت واحد لتحقيق العدالة والحرية والمساواة للشعوب وحماية حقوقهم الأساسية من الانتهاك ,وحماية أرواح بني البشر على اختلاف دياناتهم ولغاتهم وقوماتهم واصولهم العرقية ,وهي المنصة التي يصطف فيها زعماء العالم لينادوا بضرورة انهاء الصراعات ووقف الحروب وحماية الانسانية ,ينادوا بالسلام العادل والشامل الذي هو حق الهي لكل البشر ,فقد ضمنت لهم الديانات السماوية الثلاث الحياة والسلام وحرمت الاعتداء على ارواحهم وممتلكاتهم ,وهي المنصة التي ترتفع من فوقها أصوات المحرومين والمعزبين من الشعوب ,من انتهكت حقوقهم واستوطنت ارضهم وسرقت ثرواتهم وابيد أبنائهم وجوع أطفالهم ,انها المنصة الشرعية للمطالبة بالحق والحرية والعدالة لكل شعوب الارض المغلوبة على امرها واولها الشعب الفلسطيني الذي مازال ونحن في القرن الحادي والعشرين يباد أبنائه وتستوطن أراضيه وتدمر مدنه وتقصف مدارس اطفاله بالصواريخ الثقيلة وتردم الابار التي يشرب منها أبنائه وتحرق محاصيله وتسرق ماشيته امام العالم من قبل احتلال إسرائيلي لا يحترم ولا يكترث لقوانين ومعاهدات الأمم المتحدة ولا القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف ولا يحترم حتي المبادئ والتعاليم السماوية لكافة الديانات .
في أبشع اجراء امريكي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة وينتهك كافة القوانيين والاتفاقيات والمعاهدات وينتهك العهود الخاصة بالجمعية العامة للأمم المتحدة ,أقدمت وزارة الخارجية الامريكية على عمل فاضح للدبلوماسية المزيفة وكاشف لمزاعم حماية البشرية والدفاع عنها بمنع ممثلي الشعب الفلسطيني من الدخول للولايات المتحدة لإسماع صوتهم وصوت الشعب الفلسطيني للعالم بحجة ان هذا الصوت يزعجهم ويقلق دبلوماسيتهم ويؤثر على العلاقة بين أمريكا وحليفتها إسرائيل بسبب نضال الفلسطينيين دبلوماسيا وسعيهم للحصول على اعترافات دولية وأوربية بدولتهم المشروعة وبحقهم في تقرير المصير الذي اعترفت به الأمم المتحدة ذاتها في اكثر من قرار3234 للعام 1974 والذي يؤكد الحق غير القابل للتصريف في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية للشعب الفلسطيني وكذلك عدد من القرارات اللاحقة مثل قرار 67\19 لعام 2012 الذي منح فلسطين صفة دولة مراقب بالأمم المتحدة وقرار 2017 الذي اكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة بنفسه وقرار 174 لعام 2024 الذي اقر ان فلسطين أصبحت مؤهلة للحصول على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة .
برر وزير الخارجة الأمريكي(روبيو) قراره بانه جاء وقفا للقانون الأمريكي ومن حق الوزير الغاء تأشيرة أي عضو في منظمة او سلطة او دولة ويذلك اعتبر ان (م ت ف) لم تعد تفي بالتزاماتها وتعمل باستمرار على تقويض السلام، واتهم وزير الخارجية القيادة الفلسطينية بانها لم تنبذ الإرهاب وتواصل التحريض على العنف وتشن حملات قانونية دولية ضد إسرائيل عبر المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. في بيان منفصل على منصة اكس الامريكية كتب (تومي بيغوت) نائب متحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية ” قبل ان نأخذهم على محمل الجد كشركاء في السلام يجب على السلطة الفلسطينية و(م ت ف) رفض الإرهاب رفضا قاطعا والتوقف عن السعي غير المثمر للاعتراف الأحادي الجانب بدولة افتراضية “. هذا يوضح مدي الصلف الامريكي والانحياز المفضوح لدولة الاحتلال دون حياء او خجل من العالم الذي يعرف ان الفلسطينيين وعلى لسان الرئيس أبو مازن ومن على منصة الأمم المتحدة ادان في معظم كلماته على مدار سنوات طويلة الإرهاب بكل أشكاله بما فيه الإرهاب الإسرائيلي المنظم الذي يستهدف الفلسطينيين وارضهم وابنائهم وتاريخهم واماكنهم المقدسة وعلى راسها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في القدس والحرم الابراهيمي في الخليل. كما ان السيد (رياض منصور) ممثل دولة فلسطين في الأمم المتحدة كان يؤكد في كل مناسبة وكل اجتماع ادانة دولة فلسطين ورفضها القاطع للإرهاب بجميع اشكاله ومظاهره بما في ذلك الحالات التي تكون فيها الدول متورطة سواء بشكل مباشر او غير مباشر. وكان دائما يركز في كلماته خصوصا أمام اللجنة القانونية للأمم المتحدة بالأخص خلال مناقشة البند المعنون “التدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي”، عن ترحيب دولة فلسطين بإجراء الاستعراض السابع للاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب.
المعروف ان 15 دولة اطلقت نداء جماعي في تموز الماضي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال لم تتوقف الحرب على الفلسطينيين وأكدت كل من أستراليا و نيوزلندا و البرتغال واسبانيا و فرنسا و الدنمارك وسلوفينيا انهم سيعترفون بفلسطين دولة في اجتماع الأمم المتحدة أكتوبر القادم من هذا العام وهذا بالطبع ازعج إسرائيل التي تريد ان تقتل وتدمر وتبيد الفلسطينيين دون ان يسمع لهم صوت ودون حتي ان يدافعوا عن انفسهم دبلوماسيا او بالطرق السلمية وهذا غاية في الجبروت والإرهاب السياسي والدبلوماسي . لم تكتفي إسرائيل باستدعاء بعض سفراء الدول وتوبيخهم بل انها لجأت الى إدارة ترمب لمنع الرئيس محمود عباس من دخول الولايات المتحدة برفقة أعضاء القيادة الفلسطينية والتوجه لمقر الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك التي يعقد فيها اجتماع الجمعية العامة سنويا . إذا كان هذا هو السلوك الأمريكي المهيمن على الشرعية الدولية وخاصة قرارات ومواثيق الأمم المتحدة فاعتقد انه من باب السخافة السياسية والاستهانة بكرامة العالم وكرامة شعوب الأرض التي تسعي للعدالة والحق والحرية والسلام ان تستمر الأمم المتحدة في عقد اجتماعاتها بمقرها في نيويورك ,ولكي تدافع الأمم المتحدة عن ذاتها واستقلاليتها يجب ان تنقل اجتماعها السنوي لمقرها في (جنيف) بسويسرا بمقرها هناك وهذا اقل رد على وزارة الخارجية الامريكية لكي تلغي الفيتو على وصول القادة الفلسطينية للجمعية العامة للأمم المتحدة وبالتالي تتوقف واشنطن عن هيمنها على العالم وفرض وصايتها على الأمم المتحدة لتقرر بمن تعترف ومن تنكر ,من يحضر ومن لا يحضر الاجتماع السنوي , من يسمع صوته للعالم ومن يغلق فمه , انها ابشع الجرائم التي تقترفها واشنطن بعد جريمة فرض العقوبات على قضاة الجنائية الدولية وتهديد محكمة العدل الدولية ودعم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني الأعزل وتسعي الي ارتكاب جريمة تهجير جماعي هي الأخطر في التاريخ الحديث ,ان لم يتدخل العالم ويوقف إسرائيل عند حدها وتلتزم واشنطن كغيرها من أعضاء الأمم المتحدة بميثاق الأمم المتحدة وتعهداتها واتفاقياتها كأعلى هيئة دولية مستقلة تعمل على انهاء الصراعات ووقف الحروب وحماية حقوق الانسان فإن هيبة الأمم المتحدة واستقلاليتها ستصبح في مهب الريح متي ارادت واشنطن الدوس على كينونتها تفعل ذلك دون رادع.