الانزلاق الطائفيّ ما بين البكاء والتباكي والانتقائيّة الاستنسابيّة وسوريا

وقفات على المفارق
الوقفة الاعتراضيّة… مع اليسار الدرزي الـ “مأزوم!”
طالعنا أحد المثقّفين بأطروحة منظرّا أنّ “اليسار الدرزي” مأزوم منذ أن وُجد هذا اليسار وعلى حدّ قوله منذ قيام الدولة. يعني إذا أخذنا بنظريّته فالوطنيّان المرحومان الشيخان فرهود فرهود وقفطان الحلبيّ (بغضّ النظر إن كانا أصلًا ضليعين في اليساريّة) واللذان خاضا مع ثلّة كبيرة معارك في مواجهة السياسة التي اتبعتها المؤسّسة مع الدروز وفي أوجها؛ التجنيد الإجباري، كان مأزومين. ويعني فإنّ طيّبي الذكر؛ سميح القاسم ومحمّد نفّاع وعاصم الخطيب وهايل عساقلة وسلمان ناطور ورفاقهم؛ الأموات منهم والأحياء، مأزومون. وكلّ ذلك لماذا؟! لأنّ حسب نظريّته؛ “سقطت العروبة في الدفاع عن إخواننا في السويداء، وهبّت إسرائيل للدّفاع عنهم!”.
فأنا اليساري الـ “مأزوم!”، سأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم مكتفيّا بأجر واحد تيمّنا بالحديث الشريف: “من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد”!
الوقفة الأولى… مع البكاء والتباكي
طبيعيّ أن تتفاوت شدّة الألم على قريب أو بعيد، وطبيعيّ أن يستدرّ الألم البكاء؛ صمتًا أو نحيبًا، والحالان سيّان إن كان الألم إنسانيّا. تستطيع أن تبكي قريبًا وتنتحب عبر كتابة المنشورات ونقل الأفلام بصحيحها ومدبلجها وعبر كيل السباب على صمت الدنيا، وكم بالحري إذا كان هذا القريب طفلًا ذُبِح أو فتاة اغتُصبت أو امرأة اختُطفت وكذا إن طارت أجسادهم أشلاء أو قضوا جياعًا مجوّعين، تستطيع وأكثر حين لا يكون لك حول ولا قوّة إلّا “فشّة الغلّ” ولن تضيرك لومة لائم. ولكنّ حين تفعل ذلك فقط عندما تكون الضحيّة قريبك فهذه مسألة فيها نظر!
من لم يبكِ الإيزيديّات البابليّات وأطفالهنّ، والأشوريّات المسيحيّات وأطفالهنّ، والعلويّات الإشتبرقيّات (بلدة اشتبرق) وأطفالهنّ، والحلبيّات السًنيّات وأطفالهنّ، والمسيحيّات التوميّات (باب توما) وأطفالهنّ، والغزاويّات الرمليّات وأطفالهنّ، والسويدائيّات الموحّدات وأطفالهنّ، وكذا أمّ وطفليّ عائلة بيباس الحمر اليهود، من لم يبكهم حينها بِـ”منشور” من بضع كلمات على صفحاته “البرّاقة”، فهو في أضعف الإيمان متباكٍ كان المُبكَي عليه قريبًا منه أو بعيدًا، لم يعرف في حياته هذه القيمة الإنسانيّة العليا؛ البكاء، نحيبًا كان أو صمتًا والمستدرّ من الألم، لا يعرفه إلّا إذا طال ذاته وعلى الغالب نحيبًا تشنّجي!
وأمّا عن بعض هؤلاء “المعذّبات” ففي وقفة لاحقة؛ قديمة جديدة!
الوقفة الثانية… مع الانزلاق وصكوك الطلاق وبغضّ النظر عن الأسماء!
الكونتاكتس – المتواصلون (الأصدقاء الافتراضيّون في العالم الديجيتالي) على صفحتي كثُر، وفيهم التعدّدية الفكريّة والسياسيّة، ولكن جلّهم الأعظم إن لم يكن كلّهم وطنيّون، عروبيّون قوميوّن، وتقدّميّون- لاحقًا وللاختصار؛ “اليساريّون”. أتابع حسب امكانيّاتي ما يكتب هؤلاء فأتّفق معهم أحيانًا وأختلف في أخرى ويبقى اختلافنا حضاريّا، “على أشدّه” أحياناً. بعضهم من العرب الدروز وبعضُ هذا البعض مع الجلّ، ولكنّ هنالك من لا تنطبق عليهم المواصفات أعلاه كلّها، ولكنّهم على الأقل غير عنصرييّن ولا شتّامين.
الملفت على ضوء مقتلة السويداء، كان “صكوك الطلاق” التي نثرها بعض من “اليساريّين” طلاقًا بائنًا بينونة كبرى مع كلّ ما هو عربيّ عروبيّ أو إسلاميّ، لأنّ الأمّة العربيّة والإسلاميّة من أقصاها إلى أقصاها، رغم همومها القاتلة، لم توقف عجلة حياتها تضامنًا مع مقتلة السويداء، رغم “آلاف آلاف” المنشورات التي صدرت من سُنّة تدين المذابح، من هنا ومن كلّ أرجاء الوطن العربيّ. نثروا صكوكهم منزلقين نحو الطائفيّة حبّا جارفًا للطائفة والإنسانيّة، ومن الحبّ ما قتل!
الوقفة الثانية أ … مع الاعتزال القوميّ والوطني والسياسي!
“كنت أصرّح في كلّ مناسبة بأنّي أعتز بعروبتي وأفخر بفلسطينيّتي… وتوحيدي… على المستوى الشخصي قوبلت بالعقوق.. وهذا تجلّى… واضحًا على المستوى الجماعيّ في “سويداء الروح” فلم يشفع لها دفاعها عن العروبة والإسلام… أرجو أن يخرج الصادقون… علّنا نوقف معًا “الفتنة”… ومن هنا أعتذر لانتمائي وأعلن اعتزالي لأيّ عمل قوميّ، وطنيّ أو سياسي…” – هذا عُروبي!
_ كيف سيحارب الصادقون معًا الفتنة وقد اعتزلنا؟!
الوقفة الثانية ب … مع أنا اليوم درزي وفقط ومشكلتي مع السُّنّة!
“أوّلا، مشكلتي مع الذي وقف يتفرج ولم يرف له جفن من كل مكونات الشعب السوري أوّلا، وثانيا من العرب بشكل عام ومن أهل السُّنة بملايينهم ودولهم بعد كل الذي حصل لأشرف فئة في سوريا أهل جبل الدروز… كنت أعرف نفسي من قبل أنّي عربيّ القومية مسلم الديانة على مذهب التوحيد فأنا اليوم درزي فقط أنتمي لطائفتي التوحيدية المسالمة الشجاعة الكريمة ولا يشرفني الانتماء لأمّة كهذه…”- هذا جبهاويّ!
_ هكذا… نحن أشرف فئة في سوريا؟!
_ وكلّ أهل السُّنّة؟!
الوقفة الثانية ت … مع الشيخ حكمت الهجري والدولة العلمانيّة ويد الإنقاذ الإسرائيليّة!!!
“ما يقلقهم بالشيخ حكمت الهجري أنّه يريدها سوريا وطنية علمانية وديمقراطية، وهم يريدونها دولة شريعة اسلامية… السكوت عن مجازر السويداء ينبع من حقد طائفي دفين. كل محاولة للتبرير، كانت مهما كانت، مرفوضة وانا شخصياً سأذكرها مستقبلاً… الحقد الطائفي الأعمى، يجعل العديد العديد من بيننا، يصمتون لما يحدث في السويداء من إبادة على اساس هوياتي… عندما كانت تغرق مدّ لها الإسرائيلي يده، هل متوقّع من الذي يغرق أن ينظر بلحظة الغرق على وجه صاحب اليد الممدودة، أم التمسّك بها لينجى؟” (هكذا في الأصل بدل ينجو) – هذا شيوعي!
_ فعلًا الشيخ حكمت الهجري يريد دولة علمانيّة؟!
_ إسرائيل مدّت اليد للغريق؟!
ربّما بعد أن أغرقته وكي تحمي أهل “جبّاثة الخشب” و”بيت جِن الشام” من آلاف الشباب الدروز الذين قطعوا الحدود، بعد أن بُحّ صوت جماعتها وكانت “رايحة عليها نومة”!
الوقفة الثانية ث … مع العروبة وخنجر الغدر!
“دروز جبل العرب الذين حصّلوا استقلال سورية بدمائهم … كيف حصل أن تكافئهم الدولة التي حرّروها بمحاولة إبادتهم؟ كيف تحوّلت العروبة التي أسهموا في إعلاء شأنها إلى خنجر غدر؟ … وهم الأكثر إخلاصًا ونقاء؟ … ليس هناك عودة من النقطة التي وصلنا إليها ـ يحقّ لدروز الجبل أن يفكّروا بأنفسهم بعد أن خيّبتهم الجهات الأربع وأخلفت وعودها كل أشكال العروبة.” – هذا ليبرالي!
_ فقط الدروز من حصّل استقلال سوريا؟!
فأين صالح العلي العلوي وعبد الرحمن الشهبندر السنّي وعُقْلة القْطامي المسيحيّ؟!
_ العروبة من غرس الخنجر؟!
_ فمتى كان الجولاني – الشرع عروبيّا؟!
الوقفة الثانية ج … الرهان على العروبة وإسرائيل المنقذ!
“… حيث أنّ العروبة التي راهنّا عليها ذبحت إخواننا، وإسرائيل التي قلنا على مرّ السنوات أنّها تستغلّنا لمصالحها وأنّه يجب ألّا نراهن عليها… هبّت لمساعدة إخواننا هناك… ألقى نفسي أحاول أن ألملم إنسانيّتي… ” – هذا ليبرالي!
_ هبّت (!) إسرائيل لمساعدتهم؟!
الوقفة الثالثة… مع الثبات وفصل المقال واليساري؛ الشاعر أسامة حلبي و”لطش” المنشور!
وما دامت العروبة والقوميّة والثقافة الإسلاميّة سقطت عند هؤلاء في السويداء واستعيض عنها بالإنسانيّة؛ هذه الآنية الفضفاضة، فلماذا لم تسقط يوم سنجار والساحل وباب توما؟!
ربّما في منشور أسامة القول الفصل وها أنا “الطُشه” دون استئذان!
“في هذه الأيّام التي يتمايل فيها مثقّفون ومفكّرون تحت وطأة رياح عاتية خلّفتها عاصفة الكراهيّة والحقد والطائفيّة في جنوب سوريا (ولا نسيان لما يحصل في غزّة).
أقول: ربّي زدني ثبّاتًا على مبادئي وأفكاري وإنسانيّتي التي تطوّرت وتبلورت منذ انطلاقي من سلالة ما بعد الشمبانزي (الهومو- أريكتوس) ولا تُعدني إلى أبينا مهما اشتدّ الظلم واشتدّت حلكة الظروف.”
الوقفة الرابعة… مع بعض من المثقّفين
يتّهم البعض المثقّفين أنّهم لا يقرؤون إلّا أنفسهم وما يُكتب عن أنفسهم وما يفيد أنفسهم، حقيقة أنا أتحفّظ من هذه التُّهمة. ولكن بعض النظر وفي سياقنا؛
المثقّف الذي لم يقرأ تفاهمات أيّار 2025 بين النظام الجديد في سوريا (أحبّه أو كرهه) وقيادات الغالبيّة في الجبل!
ومن لم يقرأ تفاهمات باكو1 وباريس وباكو2 بوقائعها الميدانيّة وعلى الغالب بيان ترحاب الشيخ الهجري بالجيش عشيّتها وبيانه عن أنّه: “كان أجبر على البيان الأوّل” غداتها!
ومن لم يقرأ كيف سمحت المنقذة؛ إسرائيل للجحافل المجوقلة أن تدخل شريطها العازل وتصل إلى الجبل!
ومن لم يقرأ إحاطة بيدرسون لمجلس الأمن يوم 30 تمّوز 2025، والبيان الرئاسي في أعقابه باسم 15 دولة من يوم 10 آب 2025!
ومن لم يقرأ كيف ولماذا غُزيت وأحرقت وانتهكت أعراض أهل 36 قرية و%40 من مساحة الجبل وعاصمته، ويكتفي سببًا؛ خيانة البلعوس وعبد الباقي، خصوصًا إذا كان ممّن ألّهوهما قبلاً!
ومن لم يقرأ ويسأل أين كان “المجلس العسكري” إبّان الهجوم!
ومن لم يقرأ أنّ “زكزكة” قوّات الشرع والبدو على يد الطيران الإسرائيلي جاءت بعد أن فعلت الحيوانات ذوات الحافرين فعلها، وفقط بعد أن اجتاز الحدود آلاف الشباب، والخوف أن يهجموا على جبّاثة الزيت وبيت جِن الشام اللّي تحت حماية إسرائيل!
ومن لم يقرأ رفع الأعلام الإسرائيليّة الأصلانيّة (!) والمُبندقة في السويداء ويبرّر!
من لم يقرأ رفع العلم الإسرائيليّ على مقام عين الزمان (ع)!
من لم يقرأ ويسأل لماذا يوم أوقف إطلاق النار في باريس لم يُرفع معه الحصار!
وبالمًجمل؛ من لا يقوى أو لا يريد أو يخاف مناطحة الثور (عرّابي المذابح في الجبل في باكو- أذربيجان)، ويستعيض عن ذلك بمناطحة العجل (الشرع) حتّى لو كانت أمّه شيشانيّة وأبوه إيجوري، فلينطحه كما شاء وهو حرّ، وليتنازل عن عروبته ووطنيّه وقوميّته وإسلاميّته وهو حرّ، وليسبّح بحمد إسرائيل؛ المنقذ وهو حرّ، ولكن “يِحكِي عن حالًهْ بلا ما يخلط معه غيره ويؤزّمه!”
الوقفة الخامسة… أبو بكر الصدّيق والبكاء الاستنسابيّ على السوريّات؟!
الإيزيديّون عبدة شيطان حسب الدواعش(!) وهذا كان كافيا لهم أن يبيدوا الذكور منهم، لكن عبادتهم للشيطان لم تمنع الدواعش من الإبقاء على بناتهم العذارى وبعضهنّ لم يتجاوزن ال-11 سنة رغم أنهن من نسل الشياطين، للترفيه عن أنفسهم بعد معارك الجهاد في سبيل رفعة كلمة الله (!). وحسب التقارير الميدانيّة لبعض القنوات فإن فقراء العراق من الذين لم يتبق لهم من قوت إلا ما تبقى من السمك في الفرات، كانوا يجدون أجسادهنّ المنتفخة كل صباح طافية بعد أن قدمنها قربانا لأسماك الفرات هربا بعد أن تمزّقت أسافل بطونهنّ، ليدفنها فقراء العراق على سنّة الله ورسوله.
كتبت هذا في أيّار 2015 وتاللّه ما حصّلت 10 Like!!!
وكتبت كذلك: اشْتًبرق قرية سوريّة في ريف إدلب وقدر سكانها وجرمهم أنهم اختاروا طريقة تخصّهم في التقرّب من الله، وفتحها جيش الفتح “الإسلاميّ” منصورا بإذن الله وبإذن خليفته العثمانيّ الجديد أردوان و”بابه” (وليسمح لي الأخوة الشيعة)، وصدره الأعظم “دود أغلو”، هكذا ينطق اسميهما بعض الصحفيين من أبناء عمومتنا، طبعا بعد أن أعادا على مسامع جحافل الفتح وكرّرا وصية أبى بكر الصديق لجنود الإسلام قبل فتح بلاد الشام (12 هجرية)
“قال: يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر واحفظوها عنّى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها…”
ولكن ألوية الفتح المنطلقة اليوم (معذورة طبعا) بسبب عدم إلمام مجاهديها باللغة العربيّة، ولأن المترجم العثماني (معذور طبعا) إذ لم يستطع أن يترجم الوصيّة بدقّة لكل اللغات المشاركة في الفتح، ويبدو أن “لا” أبي بكر الصدّيق سقطت سهوا في الترجمة، فدفعت اشْتَبرَق ثمن سقوط ال”لا”!
يعني هذه كانت أفضل فحصّلت عليها 11 Like!!!
سعيد نفّاع
22 و 29 آب 2025
للتواصل: 7208450-050
Sa.naffaa@gmail.com