التحول الكبير: ترامب يعترف بتراجع النفوذ الإسرائيلي في واشنطن.. المحامي علي ابوحبله

في تصريحاتٍ مذهلة تكسر الصورة التقليدية للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتراجع نفوذ اللوبي الإسرائيلي في أروقة الكونغرس، مشيراً إلى أن استمرار الحرب على غزة يضر بصورة إسرائيل عالمياً على الرغم من تقدمها عسكرياً. هذه التصريحات التي جاءت خلال مقابلة حصرية مع موقع “ذا ديلي كولر” ، تعكس تحولاً جوهرياً في المشهد السياسي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، وتكشف عن تغير عميق في الرأي العام الأمريكي خاصة بين الشباب الجمهوريين.

ترامب واللوبي الإسرائيلي: صدمة الاعتراف

 في مقاربته الجديدة، أشار ترامب إلى مفارقة تاريخية:

“قبل 20 عاماً، كانت إسرائيل تتمتع بأقوى لوبي رأيته في حياتي. كان لديهم سيطرة كاملة على الكونغرس، أما اليوم فلم يعد الأمر كذلك. إنه لأمر مدهش” .

هذا الاعتراف لم يأتِ من ناقد تقليدي لإسرائيل، بل من رئيس أمريكي يعتبر نفسه الأكثر دعمًا لإسرائيل، إذ قال: “لم يفعل أحد من أجل إسرائيل أكثر مما فعلت” . ترامب الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري التقليدي المؤيد تاريخياً لإسرائيل، يسلط الضوء هنا على حقيقة مفادها أن التحول في الموقف الأمريكي ليس فقط بين الديمقراطيين التقدميين، بل أيضاً بين الجمهوريين الشباب.

البيانات والإحصاءات: انخفاض الدعم بين الأمريكيين

كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن تحول كبير في الرأي العام الأمريكي، حيث أظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث في مارس الماضي أن:

الفئة المستهدفة النسبة ذات النظرة السلبية لإسرائيل (2022) النسبة ذات النظرة السلبية لإسرائيل (2025) التغير

الجمهوريون تحت سن 50 35% 50% +15%

إجمالي البالغين الأمريكيين 42% 53% +11%

المصدر: مركز بيو للأبحاث، مارس 2025

هذه الأرقام تعكس تغيراً جوهرياً في نظرة الأمريكيين، خاصة الشباب منهم، للكيان الإسرائيلي، وهو ما علق عليه ترامب بالقول: “إسرائيل قد تربح الحرب، لكنها تخسر معركة الرأي العام” .

الحرب على غزة: النصر العسكري والخسارة الأدبية

أكد ترامب أن استمرار الحرب على غزة ينعكس سلباً على صورة إسرائيل، قائلاً: “عليهم إنهاء الحرب. إنها تُلحق الضرر بإسرائيل، لا شك في ذلك. قد يكونون منتصرين في الحرب، لكنهم لا ينتصرون في حرب العلاقات العامة عالمياً، وهذا يُلحق بهم الضرر” . هذا الرأي يتزامن مع تقارير عن قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدراسة تقصير مدة الحرب خشية فقدان الدعم الأمريكي، حيث أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن نتنياهو يدرك أن دعم ترامب “ليس بلا حدود” .

تحول في الكونغرس: من السيطرة الكاملة إلى تراجع النفوذ

لم يعد بمقدور اللوبي الإسرائيلي فرض أجندته كما في السابق، حيث برزت أصوات ناقدة داخل الكونغرس من كلا الحزبين. من أبرز مظاهر هذا التحول:

  • تصريحات النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين التي اتهمت إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، مما جعلها أول جمهورية في مجلس النواب تتخذ هذا الموقف .
  • انتقادات النائبات الديمقراطيات مثل ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز وإلهان عمر وجاسمين كروكيت، اللواتي وصفهن ترامب بأنهن “غير مؤهلات” و”يشكون دائماً من الولايات المتحدة” .
  • تصريحات ستيفن بانون، المؤيد البارز لترامب، الذي قال إن إسرائيل ليست حليفاً حقيقياً للولايات المتحدة ووصف معسكر نتنياهو بأنه “لا يمكن الوثوق به” .

السياق التاريخي: من القدس إلى غزة

يأتي هذا التحول في أعقاب سياسات ترامب نفسه خلال ولايته الأولى التي اعتبرت الأكثر انحيازاً لإسرائيل، مثل:

  • نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل .
  • الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة .
  • التوسط في اتفاقيات إبراهيم لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية .

لكن يبدو أن الحرب على غزة وتداعياتها الإنسانية المروعة قد غيرت المعادلة، حيث قال ترامب: “الناس نسوا 7 أكتوبر. كان يوماً سيئاً حقاً” , في إشارة إلى الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 2023، لكنه يعترف في الوقت نفسه بأن استمرار الحرب يجعل العالم يتجاهل هذه الحادثة.

التداعيات المستقبلية: ما بعد الترامبية

هذا التحول في الموقف الأمريكي قد يكون له تداعيات كبيرة على:

  1. المشهد السياسي الإسرائيلي: حيث يضغط ترامب لإنهاء الحرب، مما قد يحد من حريةmaneuverنتنياهو العسكرية.
  2. العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: فتراجع نفوذ اللوبي الإسرائيلي يعني أن الدعم الأمريكي قد يصبح أكثر اشتراطاً وربما أقل سخاء.
  3. القضية الفلسطينية: حيث قد تفتح هذه التطورات الباب أمام ضغوط دولية أكبر على إسرائيل للعودة إلى مفاوضات جادة.

الخاتمة: تحول تاريخي في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

اعتراف ترامب بتراجع النفوذ الإسرائيلي في الكونغرس ليس مجرد تصريح عابر، بل هو مؤشر على تحول عميق في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. لقد أصبحت التكاليف السياسية للدعم غير المشروط لإسرائيل أعلى من أي وقت مضى، ولم يعد بمقدور أي سياسي american أن يتجاهل الرأي العام المتغير، خاصة بين الشباب. كما أن تداعيات الحرب على غزة والإبادة الجماعية التي تخلفها – والتي خلفت أكثر من 63 ألف شهيد فلسطيني  – لم تعد قابلة للإخفاء أو التبرير بسهولة.

ربما تكون إسرائيل تنتصر عسكرياً في غزة، لكنها كما قال ترامب، تخسر معركة العلاقات العامة، والأهم من ذلك، أنها تخسر شرعيتها الأخلاقية في أعين العالم. هذا التحول قد يكون بداية لفصل جديد في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فصلٌ لن يكون فيه الدعم الأمريكي مطلقاً، بل مشروطاً بمراعاة الحقوق الفلسطينية والقانون الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com