نبض الحياة.. رجل الإبادة والمواقف الانقلابية.. عمر حلمي الغول

رجل أميركي افنجليكاني ابيض مغرق في العنصرية، مولع بامتياز في الوسشال ميديا، واحتلال عناوين الحدث اليومي في المنابر الإعلامية الأميركية والعالمية بمواقفه المتواترة والانقلابية، فيقول الشيء ونقيضه في بحر ساعة زمن، مسكون بالخطاب الشعبوي المتهافت، يتعامل مع السياسة كما لو انها تجارة عقارات، يبيع ويشتري فيها وفق حساباته الشخصية النرجسية، ومزاجه المتقلب بين لحظة وأخرى دون إحساس بالمسؤولية تجاه الشعب الأميركي والحزب الجمهوري والحلفاء والعالم، لا يميز بين الغث والسمين غالبا، مع انه رفع شعار “أميركا أولا”، باعتبار أن الولايات المتحدة بالنسبة له حساباته الخاصة ومكانته وارباحه هو لا الشعب والمصالح العليا الأميركية، لا معايير ناظمة لسلوكه وممارساته، يتأرجح بين اليمين والشمال دون ضوابط، مغامر حتى النخاع، متخندق في الاساطير اللاهوتية وارباحه المالية، أسير الولاء للصهيونية ودولة إسرائيل اللقيطة والنازية استنادا لمصالحه، وارتباطا بتعفن وعيه الخزعبلاتي الميثولوجي، مفرط في تبني سحق وابادة الآخر خصما او شعبا، لا يأبه بالديمقراطية ولا حرية الرأي ولا بحق تقرير المصير للشعوب، ينظر للأمم والدول من زاوية الربح والخسارة، ولا يعير الهويات الوطنية والقومية أي اهتمام، ويتصرف تجاههم كأرقام دون اعتبار لمصالحهم القومية، منفلت من عقال القانون القومي والاممي، موغل في الفساد والتدمير والتخريب، يفترض في نفسه “ولي” الله على الأرض، وصاحب الكلمة العليا في اميركا والعالم، وعلى الجميع الولاء والطاعة لمشيئته.
هذا الرجل هو دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية المتحكم بالقرار الأميركي السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والثقافي والديني، يتحرك كبندول الساعة، لكن عقارب ساعته لا تتقدم للأمام، بل تعود بالبلاد والحلفاء والعالم للخلف، ضاربا عرض الحائط بالمنظومة الأميركية والعالمية، مستبيحا الهيئات والمؤسسات والمحاكم الدولية، غير عابئ بأخطار سياساته وسلوكياته غير المتزنة والموتورة والعبثية، التي يدفع ثمنها الشعب الأميركي ومصالحه الحيوية.
وإذا حصرنا النقاش بمواقفه من الإبادة الجماعية التي يقودها مع بنيامين نتنياهو على الشعب العربي الفلسطيني، نرى بشكل واضح تقلبه بين المواقف المتناقضة والمهددة لمستقبل شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله وعودته لمدنه وقراه التي طرد منها في عام النكبة الأولى 1948 ونتاج هزيمة حزيران / يونيو 1967. وآخر ما أعلنه في لقاء مع صحيفة “ديلي كولر” الأميركية أول أمس الاثنين مطلع أيلول / سبتمبر، إن استمرار الحرب في غزة يضر بصورة إسرائيل، لافتا النظر الى أنها قد تنتصر في الحرب، لكنها ستخسر علاقاتها دوليا، وتابع أن إسرائيل تخسر نفوذها خاصة في الكونغرس الأميركي. وأضاف “إن جماعة الضغط الإسرائيلية تضررت كثيرا.” وأعرب عن دهشته من التغييرات التي طرأت على مكانة إسرائيل داخل السياسة الأميركية، مشيرا الى ان نفوذ اللوبي الإسرائيلي لم يعد كما كان في الماضي، وأن الدعم الشعبي، خصوصا بين الجمهوريين يشهد تراجعا واضحا.
وجاءت مواقفه الأخيرة تعليقا على استطلاعات الرأي، ومنها استطلاع أجراه مركز “بيو” للأبحاث في اذار / مارس الماضي، كشف أن 53% من الاميركيين لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل، مقارنة ب 42% في عام 2022، كما أظهر الاستطلاع أن نصف الجمهوريين تحت سن الخمسين يتبنون موقفا غير إيجابي نحو إسرائيل، وهو ارتفاع لافت عن 35% فقط قبل ثلاث سنوات. وبالضرورة استند الى 3 استطلاعات رأي جرت في شهر آب / أغسطس الماضي، دون ان يوردها، والتي اشارت الى انزياح أكبر وأوسع في أوساط الشعب الأميركي ضد إسرائيل، ورفضا للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وهذه النتائج تعكس تنامي تيار داخل الحركة الشعبوية الجمهورية (MAGA) يتبنى مواقف أكثر تشككا حيال الدعم الأميركي التقليدي لتل ابيب. وهذا يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة في الحفاظ على مكانتها كحليف استراتيجي لا خلاف عليه داخل الولايات المتحدة.
وربط ترمب هذا التراجع بظهور أصوات سياسية تقدمية في الكونغرس، مثل الكساندرا أوكاسنو – كورتيز، ومجموعة “AOC” (بلس ثري)، قائلا إنهم “غيروا قواعد اللعبة”، وأصبح من الممكن انتقاد إسرائيل علنا في أروقة السياسة الأميركية، وهو ما كان مستحيلا في السابق. واعترف الرئيس الأميركي، بأن نفوذ إسرائيل تغير كثيرا وقال: “قبل عشرين عاما، كان لإسرائيل اللوبي الأقوى في الكونغرس، أقوى من أي دولة أو مؤسسة أو شركة، أما اليوم فلم يعد بهذا المستوى. إنه أمر مذهل بالنسبة لي أن أرى ذلك.”

وطبعا افرد مساحة في المقابلة لدعمه المفرط لإسرائيل، وتجاهل صانع القرار الأميركي أنه هو من دفع نتنياهو وائتلافه النازي الصعود الى أعلى الشجرة، عندما أعلن في 4 شباط / فبراير 2024 عن موقفه العنصري البشع واللاأخلاقي عندما دعا الى التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة لبناء “ريفيرا الشرق” على شواطئه، ونهب الغاز والنفط الفلسطيني. كما انه هو من يملك القرار بوقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ومع ذلك مازال يماطل ويعبث بمصير أبناء الشعب الفلسطيني، استمراءً لطموحه بالسيطرة على القطاع، وخطته الأخيرة التي ناقشها الأربعاء 27 آب / أغسطس الماضي مع توني بلير البريطاني وصهره كوشنير وروبيو وستيف ويتكوف وغيرهم من مسؤولي الإدارة، والهادفة لتحقيق مآربه في فرض السيطرة على القطاع، وهو وادارته من رفض منح تأشيرات الدخول للوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس عباس للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة ال 80، وهو ذاته وأركان ادارته من يلاحق المصالح والحقوق الفلسطينية العليا، ويرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل يرفض اعتراف الدول الأخرى بها، ولا يسمح للقيادة الفلسطينية ان تدافع عن حقوق شعبها في المحاكم الدولية، ويعتبر وزير خارجيته ذلك “إرهابا”، وغيرها من المواقف المعادية للمصالح الفلسطينية، ويدعم حكومة إسرائيل الابادوية بشكل مطلق. وبالتالي اعترافه الصريح بتراجع مكانة إسرائيل يعكس عمق التناقض الذي يعيشه، لأن الحقائق الدامغة في أوساط الشعب الأميركي ارغمته على الاعتراف بهذه الحقيقة، وهي ذات التحول الذي تراهن عليه القيادة والشعب الفلسطيني.
وإذا كان سيد البيت الأبيض معنيا بإسرائيل ومكانتها داخل الساحة السياسية الأميركية والدولية، فليراجع سياسته الخطيرة، ويعيد النظر في قيادته الإبادة الجماعية، والكف عن أحلامه التجارية العقارية في فلسطين عموما وقطاع غزة خصوصا. لكنه بحكم تقوقعه في دوامة الاساطير والخزعبلات اللاهوتية وحساباته الضيقة والنرجسية لن يتراجع قيد انملة، وهو بسياساته يغرق دولة التطهير العرقي النازية الإسرائيلية أكثر فأكثر في العزلة داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي واوساط الشباب من اتباع الديانة اليهودية. النتيجة من سياساته ومواقفه الانقلابية فإنه سيخسر الشعب الأميركي خصوصا والعالم عموما.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com