غزة.. بين الركام والجوع تنبت الإرادة…!.. بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس

غزة ليست جغرافيا ضيقة على شاطئ البحر، بل هي مرآة العالم المكسورة.
في كل زاوية من أزقتها يتنفس الموت، وفي كل بيت يعلو الركام، وفي كل عين تلمع شرارة الجوع.
كأنها تختصر حكاية الإنسانية حين تتخلى عن ذاتها.

أكثر من سبعين ألف شهيد غيّبهم العدوان ، واكثر من مئة وسبعين الف جريح ، نصفهم أطفال لم يكبروا بعد ليحملوا حقائب المدرسة.
شوارع بأكملها تحوّلت إلى أطلال، ومدينة عريقة كغزة أُعيد رسمها بالرماد.
أما من بقي حيًّا، فيُساق قسرًا إلى الجنوب، يحمل بقايا بيت وبقايا ذاكرة، وكأن الوطن حقيبة صغيرة يمكن طيّها في طريق المنفى.
الجوع هنا ليس مجرد فراغ في البطون، بل حصار صامت ينهش الأرواح ، نصف مليون إنسان في قلب المجاعة، يفتشون عن لقمة تُبقيهم على قيد الحياة. وعند نقاط المساعدات يتحوّل الخبز إلى موت آخر؛ رصاص يتساقط على أجساد المنتظرين، فيموت الجائع قبل أن يمد يده إلى كيس الطحين.

الطبابة صارت مشهدًا من العجز: مستشفيات بلا دواء، أطباء يجرون العمليات بلا تخدير، أطفال يموتون اختناقًا لغياب الأوكسجين. هنا لا يُفرَّق بين الجرحى والقتلى، فالزمن يذوب بين نزيف وآخر، والمكان كله يتحوّل إلى غرفة طوارئ بلا نهاية.

والعالم ….؟ يراقب من بعيد. بيانات باردة تتحدث عن “القلق”، وأساطيل إغاثة تُهدَّد قبل أن تصل، فيما الحصار يُحكم قبضته أكثر. غزة، كما وصفها أحد مسؤولي الأمم المتحدة، أصبحت “مقبرة القانون الدولي الإنساني”. لكنها أيضًا، في عيون أبنائها، حقلًا للمقاومة والإرادة.
فكلما حاول الموت أن يفرض كلمته الأخيرة، ينهض الغزيون بألف حيلة ليقولوا:
ما زلنا هنا. تحت الركام يولد صوت جديد، وفي قلب الجوع تشتعل نار الصبر، وعلى دروب التهجير تنغرس الجذور أعمق في التراب.
غزة اليوم ليست مجرد مأساة محلية، إنها امتحان للعالم: هل يبقى القانون الدولي ورقًا في أدراج الأمم، أم يتحوّل إلى درع يحمي الإنسان من بطش الإنسان؟
إنها صرخة تتجاوز حدود البحر، تقول: لسنا مجرد أرقام في نشرات الأخبار، نحن حياة تُباد أمامكم ، وكل صمت يطيل عذاباتنا، وكل تواطؤ يكتب فصلًا جديدًا من الجريمة ، ومع ذلك، تبقى غزة عصيّة على الانكسار، تُثبت أن تحت الرماد دومًا جمرة، وتحت الركام دومًا فجر قادم.

خاتاما اقول :

يا غزّة…
من رمادكِ ينهض الفجر،
ومن جوعكِ تنبت سنابل الحريّة،
ومن دمكِ تُرسم خريطة الوطن…
يا مدينةً تُحاصرها النار،
لكنها تُطلُّ على البحر كنجمةٍ عصيّة،
تقول للعالم:
هنا لا يموت الإنسان…
هنا يولد المعنى من تحت الركام… !
د.عبدالرحيم جاموس
الرياض/ الإثنين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com