الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. بين الأكل، ودونه، والعادات الوطنية المشتركة، والمتنبي.. معمر حبار

أوّلا: الطرق العديدة، والمتنوّعة للاحتفال بالمولد الشريف:

طرق الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. كثيرة عديدة. وليست محصورة في كيفية واحدة.

أبدعت الأمّة، وما زالت تبدع في طرق الاحتفال. مع احترام، وتوقير مقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبأخلاق عالية سامية تليق بمكانته، ومولده صلى الله عليه وسلّم.

للأمّة أن تختار الكيفية التي تناسب ظروفها، وعلمها، وزهدها، وفقرها، وغناها، ومذهبها، وعقيدتها، وتاريخها، ولغتها، وموقعها، وعلاقاتها، وجيرانها.

تظلّ قائمة كيفيات الاحتفال مفتوحة، ومتنوّعة. ما دام حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قائما، وحيّا في القلوب والسّلوكات اليومية الدّائمة الفاعلة.

احتفل بالأكل، ودون الأكل:

نحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. بالأكل، ودون الأكل.

أنزل الله تعالى سورة طويلة اسمها “المائدة”. وفرح الحواريون، وسيّدنا عيسى عليه السّلام بنزولها. وما زلنا نفرح لفرحهم. لأنّ المائدة زادتهم ثباتا، وتقرّبا إلى الله تعالى. ونحن نفرح بكلّ نعمة تؤدّي إلى نعمة.

من عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. أن وضع دعاءً لكلّ طعام، وشراب. أي لكلّ أكل. وما زال المؤمن يقتدي بنبيّه صلى الله عليه وسلّم. في ذكر الأدعية أمام كلّ طعام، وشراب.

نحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. سواء بالأكل، أو بغير الأكل. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. نعمة، بل أعظم النعم. والنّعمة تقابل بالنّعم. وهي كثيرة عديدة. ومنها نعمة الأكل والشرب. والبخيل لا يأخذ منه في دين، ولا دنيا.

لك ألا تحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لكن لا تحارب الكرم. فإنّ ذلك لم تفعله عرب الجاهلية.

لا تفرض على الأمّة بخلك. فإنّه سوء أدب، وقلّة أدب تجاه أكرم خلق الله صلى الله عليه وسلّم.

ثانيا: كلّ مجتمع يحتفل بما يناسبه:

قرأت في شبابي. ومنذ عقود للأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”. حين قال -وبألفاظي-:

بقيت لدى الهنود المسلمين لمسة الهندوس وهم يمارسون شعائرهم الإسلامية. وقدّم مثالا -وفيما أتذكّر- عن اللّباس المشترك بين الهنود المسلمين، والهندوس. لكنّه لم يعاتبهم على ذلك. واعتبر ذلك ظاهرة صحية لا يلامون عليها. باعتبارهم تربوا في مجتمع غير مسلم منذ قرون. وستزول تلك الظواهر مع الزّمن.

أضيف: العربي، والمسلم في البلاد الغربية. له أن يحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبما يناسب حرمة، ومقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لكن في المقابل، فهو مطالب أن يحترم عادات المجتمع الغربي الذي يعيش ضمنه. ويعمل في مؤسّساته التي تطعمه، وتسقيه، وتعلّم أبناءه، وترعاهم.

ثالثا: الاحتفال عبر العادات الوطنية المشتركة:

رأيت البارحة عبر مقطع لمسيحي مصري. يوزّع “حلوى المولد”. كما يسمونها في مصر. على المصريين المسلمين. احتفالا بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

كان للجزائريين بعض العادات الوطنية المشتركة فيما بينهم، وبين يهود الجزائر أيّام الاستدمار الفرنسي. وقد قرأت ذلك مرارا، وعرضته عبر مقالاتي، وصفحتي.

ما زال المغترب الجزائري -كمثال- تربطه بالفرنسي، والمجتمعات الأوروبية عادات وطنية مشتركة. ودون أن تؤثّر على عقيدته. فهو يصوم رمضان، ويزكي، ويحج، ويضحي بأضحية عيد الأضحى، ويحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ودون أن يمسّ أمن، وسلامة المجتمع الفرنسي، والأوروبي. وفي ظلّ العادات الوطنية المشتركة. التي تجمع بينهم. وبين أبنائهم، وأحفادهم.

حفظ الله الأمّة، ووفّقها للاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبالطّريقة التي تحفظ أمن، وسلامة الجميع.

ثالثا: المتنبي الذي حرم مدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

لا يضيف المرء جديدا إذا قال: الشاعر أبي الطيب المتنبي رحمة الله عليه. آية في الشعر، واللّغة العربية، والفصاحة. مذ عرفه الكبار والملوك، وإلى يومنا هذا، وغدا، وبعد غد.

لكن ما يجب ذكره في هذا المقام أنّ المتنبي حُرِمَ مدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ولقي ربّه وهو لم يمتدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وهو الذي مدح الأسود، والأبيض. ومدح نفسه بما فيها، وما ليس فيها. ومدح الملوك بما فيهم، وليس فيهم.

عدم مدحه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ليس نابعا عن عجز، ولا ضعف. وقد رزق اللّسان، وسحر البيان.

لا يحقّ التّدخل فيما بين المتنبي، والله سبحانه وتعالى. فتلك أسرار يملكها ربّ الصدور، والأفئدة.

لا تستهن بحرف تكتبه، ولا سطر تخطّه في مدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومدح مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والحثّ على حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلّم.

من حارب الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. واتّهم المحبّين له صلى الله عليه وسلّم. بما ليس فيهم، ولا منهم. وبما لا يليق بمقام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الكريم، ومنزلته الرّفيعة. عوقب بعدم مدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ولو كان متنبي زمانه.

من كان له دعاء فليدّخره في مدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وفي الثّناء، والحثّ على الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأن لا يُحرم بما حُرم به المتنبي.

الجمعة 12 ربيع الأوّل 1447هـ، الموافق ل 5 سبتمبر 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com