“ريفيرا غزة ” ليست أكثر من خطة مجنونة لمواجهة الخطة المصرية…!.. د. هاني العقاد

كشفت خطة “ريفيرا غزة ” المسربة من خلال وثيقة أمريكية نشرتها صحيفة واشنطن بوست ومن ثم اعادت نشرها صحيفة الغارديان البريطانية  مدي الاستهتار الأمريكي في التعامل مع قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ,وكشفت في ذات الوقت مدي الجهل السياسي الأمريكي لعمق هذا الصراع ومدي تأثر العالم باسره  وكل شعوب الأرض والمنطقة العربية  بهذه الحرب المجرمة التي تشنها إسرائيل منذ ما يقارب العامين ومازالت مستمرة حتي الان على كامل الشعب الفلسطيني بغزة والضفة والقدس على السواء , لم تكشف هذه الوثيقة مدي الانحياز الامريكي لدولة الاحتلال فقط وانما كشفت عن الدور القذر الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذه الحرب المجنونة وكشفت مدي تبني إدارة ترمب للمشروع الصهيوني التوسعي في فلسطين ومدي تغاضي واشنطن عن انتهاك إسرائيل  الصارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية .كما ان تسريب بعض بنود الخطة كشف مدي الوهم الذي يسيطر على أعضاء الإدارة الامريكية وكونغرس الجمهوريين ومدي الاستهتار الذي يتعاموا به مع كافة قضايا الصراع وأوضحت بالضبط انهم يتعاملوا مع هذا الصراع وكأنه قضية استثمار او مكان لتوظيف أموالهم او صفقة تجارية وسياحية دون الاخذ بالاعتبار ان هناك أكثر من 2 مليون و400 ألف فلسطيني يسكنوا هذه البقعة الجغرافية من الأرض منذ فجر التاريخ يزرعوها ويأكلوا من خيراتها والتي مثلت ممراً تجارياً على مدار عصور سالفة حتي وقت قريب وبتجاهل غبي لتاريخ غزة العريق وقدم مدنها التي تعتبر من اقدم مدن التاريخ حتي ان  كافة شواهد التاريخ اكدت ان غزة اقدم من واشنطن عاصمة امريكا وهي اقدم من باريس ولندن وفرانكفورت وسدني والعديد من العواصم العالمية, ومنذ القدم والعرب يطلقون عليها اسم غزة وفي العصر الإسلامي اطلق عليها اسم “غزة هاشم” إشارة الى جد الرسول ” هاشم بن عب مناف” والذي توفي ودفن فيها وهي التي ولد فيها ” الامام الشافعي ” مؤسس المذهب الإسلامي الشهير, كما ويؤكد المؤرخ الفلسطيني (عارف العارف) في كتابه “تاريخ غزة” إن الكنعانيين كانوا يطلقون عليها اسم “هزاتي”، أما المصريون القدماء فكانوا يسمونها “غازاتو” أو “غاداتو”.

 لذا فان غزة مدينة فلسطينية إسلامية كنعانية أقدم من العديد من مدن العالم يصعب تحويلها الي “ريفيرا للبغاء ” او للسياحة والاستثمار الفاضح ويستحيل ان يشتت سكانها في بقاع الأرض حتى لو اجتمعت كل قوي الشر في العالم فلن ينجحوا في الغاء فلسطينيتها والنيل من تاريخها ولن ينجحوا في تغير أسماء مدنها التي هي الان تحت رحمة الدبابات والطائرات القنابل الامريكية الإسرائيلية. ان خطة ” ريفيرا غزة ”  ليست أكثر من خطة مجنونة ومستحيلة التطبيق وخطة خيالية لا تمت للمنطق بصلة ولا ترتبط بالواقع من خلال أي رابط لأنها تقفز عن طموح الشعب الفلسطيني وتتعامل مع الغزيين وكأنهم حجارة شطرنج يمكن نقلهم من تلك الزاوية الي ابعاد مختلفة من طاولة الشطرنج بعيدا عن حقل المنافسة، وتتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم لم يكونوا يوما من الأيام من سلالة فلسطينية امتدت عبر العصور المختلفة حتى وصلنا الي الجيل الحالي الذي تريد هذه الخطة تشريده ونزع ارضة وتجريده من ممتلكاته وعقاراته مقابل مستندات رقمية لا تساوي أوراق تواليت في زمن الانتماء للوطن والأرض والتاريخ والقضية. لقد بني فريق كوشنر بلير خطته على أساس التهجير ونقل اكثر من نصف سكان قطاع غزة الي الخارج تحت تهديد الحرب والابادة الجماعية والحرق والتدمير وتغير الجغرافيا وسحق المدن وبالتالي تحويل غزة الي مدن زكية ومناطق سياحية واستجمام وانشاء مصانع للتكنولوجيا الرقمية والسيارات الكهربائية وشرائح الطاقة البديلة وكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي ,ولم يبنوا خطتهم على أساس انهاء الحرب ووقف الإبادة وإنقاذ السكان الفلسطينيين واشتمال حل الصراع على أساس ان القطاع جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية.

صحيح لم يبقي للفلسطينيين شيء في غزة , فقد فقدوا كل شيء لكنهم لم يفقدوا الانتماء للأرض والتاريخ صحيح ان مئات العائلات مسحت من السجلات المدنية، صحيح ان الالاف قتلوا والالاف الاخرين في عداد المفقودين، صحيح ان إسرائيل عمدت الى تغير كل معالم الشوارع والحارات والأراضي والاحياء وتاهت حدود أراضيهم بعد ان مسحتها بلدوزرات الاحتلال الا انها مازالت باقية في وجدانهم ولن تمسح لأنهم يورثونها لأبنائهم وسلالتهم. انها ليست أكثر من خطة مجنونة تفترض ان نقل الفلسطينيين لخارج القطاع امر سهل وممكن وان الأموال يمكن ان تغريهم لترك مدينتهم ويمكن ان يقبلوا بها فهي لا يساوي ثمن باب واحد من أبواب مباني سكان المدينة.  الغريب ان إدارة ترمب تضع انفها في غزة وتقول انها تريد السيطرة على القطاع لمددة عشرة سنوات وبعدها قد تسلم إدارة القطاع الى قوات عربية مشتركة  ولا اعرف ما الغاية من هذا سوي انها خطة لإكمال الدور الإسرائيلي العاجز الان عن الاستمرار في احتلال غزة لعشر سنوات والغير قادر على تحمل المسؤولية القانونية والإدارية والمعيشية للسكان لذلك يري ان إدارة أمريكية للقطاع يمكن ان تساهم في تهجير معظم سكان القطاع للخارج وبالتالي تتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية في هذه البقعة الجغرافية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من ارض الدولة الفلسطينية.

مهما كانت المسميات فان “خطة ريفيرا” غزة ما هي الا خطة غبية ارادت بها الإدارة الامريكية مواجهة الخطة المصرية لليوم التالي للقطاع والتي اعدها خبراء عرب وعرضت على الإدارة الامريكية ,ويبدوا ان الخطة لم ترق لترمب لأنها لا تتماشي مع طموح إسرائيل وأهدافها التي تريد تحقيقها  في اليوم التالي لنهاية الحرب , فلا يريد كلا من نتنياهو وترمب لمصر ان تكون جزءا من أي حل مستقبلي للحرب على غزة بسبب رفضها قبول  تهجير ملايين الفلسطينيين الذين كانت إسرائيل تريد الدفع بهم الي سيناء  وعندما أصرت مصر على عدم قبول مثل هذه المقترحات واصرت على المبادرة العربية التي اعتمدت في القمة العربية بالقاهرة مارس الماضي وهي الخطة التي نالت الكثير من الدعم العربي والأوروبي رات إدارة ترمب انه لابد من احباطها بخطة أمريكية اخري وهي خطة “ريفيرا غزة “. لعله كان من الصواب للإدارة ترمب ان تدعم جهود مصر وخاصة انها جهود منسقة مع الامريكان بالكامل بدلا من احباطها ومواجهتها بخطط مجنونه هي ليست أكثر من خطة لتهجير الفلسطينيين من غزة والاستيلاء على عقاراتهم واراضيهم مقابل كلام فارغ يقولوا عنه انه يرتكز على مستندات رقمية ليس لها أي قيمه. وكان على الإدارة الامريكية ان تحافظ على سمعتها برعاية الامن والاستقرار الإقليمي بما يحفظ مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة وفي ذات الوقت تحافظ على مسار يدعي ترمب انه يسعي اليه وهو انهاء الحروب وتحقيق السلام وان تتعامل مع قضية الحرب في غزة بنوع من العدالة والمساواة لأنها في النهاية حرب إبادة تورط إدارة ترمب فيها بات واضحا فهي شريكة في القتل والتدمير لان أي عملية عسكرية ما كانت تنفذ لولا حصول إسرائيل على الضوء الأخضر من إدارة ترمب.

مصر دولة مركزية في الإقليم ومن مصلحة الجميع الحفاظ على دور فاعل لمصر في كافة القضايا الإقليمية وخاصة مسالة انهاء الحرب على غزة وعلى إدارة ترمب ان تفهم ان مصر عصية على الكسر وستواجه أي ضغط امريكي او إسرائيلي يجعلها تتنازل عن موقفها الداعم للحق الفلسطيني وخاصة حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم وحقهم في إقامة دولتهم المشروعة والمستقيلة على كامل حدود العام 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة, لذلك فان “خطة ريفيرا غزة” خطة مجنونة مستحيلة التطبيق تصطدم برفض فلسطيني مصري عربي شامل ولا يمكن ان تنجح ,لذلك أتوقع ان تعود إدارة ترمب قريبا   الى الخطة المصرية لأنها هي الخطة المنطقية والقابلة للتطبيق وانهاء الازمة في غزة وبإمكانها ان  تحقق الامن والاستقرار طويل الأمد في المنطقة باسرها.  

 Dr.hani_analysisi@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com