نبض الحياة.. الفرق بين الكاتب والمطبخ السياسي.. عمر حلمي الغول

دروب السياسة في الساحة الوطنية متعددة ومتوازية ومتكاملة، ومتباينة وغالبا متناقضة بين المولاة والمعارضة والأحزاب والقوى والحركات في قراءة المشهد في مختلف المحطات والانعطافات السياسية، ارتباطا بخلفياتها الفكرية والعقائدية واستطالاتها السياسية، وأجنداتها الفئوية الذاتية والقومية والإقليمية والدولية، مما يعكس التعددية المشروعة والطبيعية في مختلف المجتمعات والنظم السياسية، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي إن كان ديمقراطيا أو ثيوقراطيا أو بوليسيا، والنظامان الاخيران لا يستطيعا اغلاق الباب كليا أمام نشوء قوى معارضة ومتناقضة مع هذا النظام أو ذاك. رغم دساتيرها وقوانينها واجراءاتها الجبرية المنغلقة والتعسفية، ف “سِنة” الواقع، وسمات تطور المجتمعات البشرية تحتم وتفرز قوى متعارضة ومتصارعة في الرؤى والبرامج والسياسات، وجميعها يساهم في تطور المجتمعات، الا إذا انتقلت من التباين والتعارض المقبول في إطار التداول السلمي للسلطة، وانحرفت الى مرحلة التناقض التناحري، عندئذ تنقلب الى عمليات الهدم والتصادم، الذي قد يؤدي للانعطاف نحو خيارين استنادا الى خلفيات قوى المعارضة: الأول إيجابي إذا كانت النظام السائد ثيوقراطي أو غير ديموقراطي واستبدادي، وكانت قوى المعارضة ديمقراطية؛ الثاني سلبي وتخريبي في حال كانت المعارضة متخلفة أو مأجورة وتابعة لقوى خارجية معادية، كما في نموذج انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية أواسط حزيران / يونيو 2007، لاعتبارين، أولا كون الشعب الفلسطيني مازال في مرحلة التحرر الوطني، ولم ينجز أهدافه الوطنية؛ ثانيا لأن حركة حماس لا تؤمن بالدولة الوطنية، وقامت بانقلابها لحسابات فئوية ضيقة، وبحكم ولائها لأجندات إقليمية ودولية، رغم رفعها شعارات براقة ديماغوجية مثل شعار “المقاومة المسلحة” و”التحرير” و”التغيير والإصلاح”، وهي براء من كل ذلك، والتجربة العملية على مدار 18 عاما أكدت ذلك.
وإذا حصرنا النقاش في موضوع ورسالة المقال الفرق بين الكاتب والمطبخ السياسي، فإن القوى السياسية كافة لها أدواتها وكتابها التي تعكس سياساتها وتدافع عن خياراتها وأهدافها. ومع ذلك، فإن الكتاب الموالين للنظام السياسي الفلسطيني ليسوا ملزمين بتبني مواقف النظام بشكل اعتباطي، ومجرد مصفقين ومطبلين لها، لأن الضرورة المنطقية والعلمية تفرض وجود مسافة بين المستويين، بين دعم النظام والعمل على حمايته والدفاع عن الموقف والمشروع الوطني وبالتالي مصالح الشعب العليا، وبين مواقف المطبخ السياسي، الذي له حساباته انطلاقا من علاقاته السياسية والديبلوماسية والاقتصادية، التي قد تجبره أحيانا لاعتبارات خاصة بالنظام لاتخاذ مواقف وانتهاج سياسات لا تستقيم مع رؤية وقراءة الكتاب السياسيين والإعلاميين، مما يحدث افتراقا واختلافا في معالجة هذه المسألة أو تلك. لا سيما وان أهمية ودور الكتاب يتمثل في استشراف المواقف انطلاقا من التزامهم بالثوابت الوطنية، وترشيد مواقف صانع القرار خشية من حدوث انحراف غير حميد يسهم في ابتعاد الجماهير الشعبية عن النظام، ويحدث هوة بين الشارع والنظام السياسي، وهذا ناجم عن عدم مكاشفة أهل النظام للقوى والكتاب بخلفيات حساباتهم ومواقفهم، والضغوط المفروضة عليهم، وحصر نقاش اهل النظام داخل الغرف المغلقة وبطانة النظام، التي غالبا ما تميل للمساومة، وتقديم تنازلات تفترض انها إيجابية، لكنها بالمقابل تخدم مصالح الخصوم والأعداء، وترتد سلبا على الشارع والكاتب بدرجات متفاوتة، ارتباطا بقرب أو بعد الكتاب عن صانع القرار ودائرته المصغرة، وتنعكس بوجود تباين نسبي في معالجة التطورات.
كما ان ذلك، يعود لعدم وجود أداة تشريعية فاعلة بعد حل المجلس التشريعي في اعقاب انقلاب حركة حماس على الشرعية قبل 18 عاما، وعدم تفعيل دور المجلس الوطني أو المجلس المركزي، الذي يعتبر الأداة التشريعية العليا والأولى للشعب الفلسطيني، ورافعة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومرجعية الشعب الأولى، مما أطلق يد القيادة التنفيذية للسلطة ومطبخها السياسي بسن القوانين والمراسيم ورسم السياسات دون ضوابط ومراجعة وتمحيص وتعديل أو الغاء، ولأن فريق المطبخ أغلق الباب على ذاته، وبات اسير حسابات لا يعلم بها الا أعضائه ومن هم في دائرته، وهي بالضرورة حسابات وطنية، ولكن تتعزز هذه الحسابات أكثر وبشكل أعمق في حال وجود وفاعلية أداة التشريع، وأيضا دور الكتاب الذين يلعبون دور استشرافي وترشيدي في آن، وهو ما يملي على صانع القرار الاستفادة من المواقف المطروحة كافة بما يخدم توجهاتها الوطنية.
ولهذا الكتاب السياسيين استنادا لموقعهم الايجابي والحريص على النظام والمنظمة والثوابت الوطنية ومصالح الشعب العليا، يقومون بالاستشراف للمواقف الواجب تبنيها، لأنهم اعتبروا أنفسهم بمثابة أداة تشريعية لحين تفعيل المجلس الوطني، أو اجراء انتخابات للبرلمان الفلسطيني، مع أن دورهم ابعد وأوسع وأعمق من أداة التشريع، لأنه سيبقى بوصلة ورافعة للنظام السياسي بوجود البرلمان وعدمه. ولذا دوما ما نجد الفرق بين الكتاب والمطبخ السياسي، مع ان اراءهم ليس بالضرورة ان تكون دائما صائبة، لكن واجبهم المستمر البحث والاستقصاء والاستشراف، فإن اجتهدوا وأصابوا، فلهم حسنتين، وإن أخطأوا وجانبوا الصواب، فلهم حسنة الاجتهاد من الموقع الوطني.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com