ما يتم تجاهله في المشهد الفلسطيني العام.. ابراهيم ابراش

سيكون من الخطأ الكبير اختزال القضية الفلسطينية والصراع في المنطقة باللحظة التاريخية الراهنة وما يجري على أرض الواقع من مصائب وحرب إبادة في الضفة وقطاع غزة، كما يجب النظر للصراع والحرب بعيداً عن الدعاية الصهيونية لنتنياهو وسموترتش وقادة اليمين اليهودي والتي تروج أن القضية الفلسطينية انتهت عملياً مع الإجراءات المتسارعة لضم الضفة وتدمير قطاع غزة ومشاريع التهجير ،وأن مشروعهم لإسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الأمريكي الإسرائيلي بدون فلسطين والفلسطينيين بات قاب قوسين أو أدنى من التحقيق الخ
ولكن للمشهد وجه آخر غائب أو يتم تغييبه عن قصد، وهو أن مشكلة إسرائيل الحقيقية ليس مع حركة حماس وفصائل المقاومة المسلحة ولا حتى مع الرئيس أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية، بل مع الشعب الفلسطيني بكامله في الوطن والشتات، والصراع وحالة الحرب بين شعب فلسطين والحركة الصهيونية كان موجوداً ومتواصلاً منذ أكثر من مائة عام وقبل وجود حركة حماس ومنظمة التحرير وسيتواصل بعدهم.
وفي هذا السياق يجب استحضار كل التاريخ النضالي لشعب فلسطين دفاعاً عن أرضه حتى قبل قيام دولة إسرائيل، في مواجهة جيش الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية ،حيث كانت هبة البراق ١٩٢٩ وإعدام أوائل شهداء ثورة الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني وهم :محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي في سجن عكا، وثورة القسام في يعبد بجنين ١٩٣٥ ،والثورة الفلسطينية الكبرى من ١٩٣٦ الى ١٩٣٩ ،والمقاومة التي قادها عبد القادر الحسيني ،وحتى بعد أن أضاع العرب ٧٨% من أرض فلسطين بهزيمتهم في حرب ٤٨،وأضاعوا بقيتها في نكسة 67، لم يتوقف النضال حيث استعاد الفلسطينيون توازنهم فأسس الفلسطيني جورج حبش حركة القوميين العرب بالإضافة الى مجموعات مسلحة صغيرة مثل أبطال العودة وشباب الثأر وبداية النشاط السياسي لحركة فتح قبل أن تعلن عن انطلاق الكفاح المسلح ١٩٦٥.
أما في الحاضر فهناك حقائق في المشهد يجب ألا نغفلها بالرغم من مأساوية المشهد الميداني العسكري.
الحقيقة الأولى أنه بالرغم من مأساوية المشهد وما لحق بأهلنا من موت ودمار وجوع طوال ٢٣ شهراً وخطر التهجير الذي يهدد به نتنياهو وسموترتش وما يجري في الضفة والتهديد بضمها الح فما زال على أرض فلسطين ٧ مليون فلسطيني وهو ما يفوق عدد اليهود، صحيح يعانون ويموتون يومياً بالقصف أو الجوع، ولكنهم ما زالوا على الأرض، ولا أقول لأنهم صامدون وخصوصاً لأهلنا في قطاع غزة، ولكنهم ثابتون على أرضهم لأنه لا توجد دول مستعدة لاستقبالهم وتكون مشاركة مع اسرائيل وواشنطن في حرب الإبادة والتطهير العرقي وحتى التهديد بضم كل الضفة هو تهويل فكيف يضم أراضي بها 3 مليون فلسطيني وهو غير قادر على إقامة دولة يهودية وعنده فقط أقل من مليوني فلسطيني داخل الخط الأخضر عير قادر على استيعابهم!
أما الحقيقة الثانية فهي تزايد الاعترافات الدولية بعدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين بدولة خاصة بهم ،وعندما تأتي هذه الاعترافات من دول أوروبية وازنة كانت حليفاً استراتيجية لإسرائيل مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا والنرويج الخ فهذا أمر مهم حتى وإن كانت اعترافات مشروطة وملتبسة من حيث الحدود الجغرافية للدولة المنشودة واعترافات بدولة وهي تحت الاحتلال، وما يجعل لهذه الاعترافات أهمية وقيمة هو التحولات في الرأي العام العالمي الشعبي لصالح فلسطين وانكشاف زيف الرواية الصهيونية والوجه القبيح للاحتلال وحتى لليهود بشكل عام وهو ما حذرت منه جهات إسرائيلية وأمريكية وقالت إن إسرائيل تفقد صورتها الأخلاقية في العالم.
لا أريد تجميل المشهد وقد يكون القادم أسوأ ولكنه لأول مرة تصبح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة بقية كل دول العالم تقريباً فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية.
وسنرى إن كانت إسرائيل وحتى بدعم واشنطن تستطيع تهجير ٧ مليون فلسطيني وحتى نصف هذا العدد في مواجهة ارادة دولية ضد التهجير؟! أم ستضطر للبحث عن طريقة للانفصال عنهم والطريق الوحيدة هي قيام دولة خاصة بالفلسطينيين على أرض فلسطين؟ والمهم وجود حاضنة وطنية رسمية تستوعب الكل الفلسطيني وتُدير وتستوعب كل هذه التحولات الإيجابية العالمية.
Ibrahemibrach1@gmail.com