قراءة فيما وراء اعترافِ دولٍ وازنةٍ بدولة فلسطين…بقلم إبراهيم عبدالله صرصور*

مما لاشك فيه ان الهولوكوست الإسرائيلي الوحشي الذي وقع  – وما يزال – على قطاع غزة منذ سنتين تقريبا، هو الذي كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل من جهة، وهو الذي دفع شعوب العالم الى الخروج الى الشوارع في انحياز كامل ليس فقط لمظلومية الشعب الفلسطيني المستمرة منذ النكبة، ولن لمصلحة حقه في الاستقلال وكنس الاحتلال من جهة أخرى، الامر الذي شكل ضغطا لم تجد معه حكومات الغرب التي رعت إسرائيل بلا قيد ولا شرط الا ان تنصاع لرأي  شعوبها وتعترف أخيرا بدولة فلسطين…..

التحدي الاكبر الذي يقف الان امام هذه الحكومات التي اعترفت بدولة فلسطين هو شجاعتها في المضي قدما نحو وضع جدول زمني امام اسرائيل لتحقيق فوري وغير مشروط:

1. الوقف الفوري للمحرقة في قطاع غزة، 2. الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من القطاع، 3. صفقة منصفة وعادلة لتبادل الاسرى بين الطرفين على قاعدة الكل مقابل الكل، 4. ادخال المساعدات الاغاثية بلا حدود وبلا قيود او شروط او معوقات، 5. كسر الحصار، 6. اعادة الاعمار، 7. الشروع فورا في مفاوضات جادة لتحقيق حل الدولتين خلال مدة قصيرة………..

استمرار الشعوب في أوروبا خصوصا وحول العالم، في الضغط على حكوماتها من اجل ترجمة هذا الاعتراف الى واقع فعلي، وأَلا يبقى القرار حبرا على ورق، امر ضروري، فالحكومات الغربية – الا ما ندر – ما زالت على ولائها لإسرائيل، واذا لم يستمر الضغط الشعبي فهنالك تخوف حقيقي من ان يتوقف الامر عند الاعتراف الرسمي فقط خصوصا وان الموقف الصهيو  امريكي رافض لهذا التوجه بشكل علني لا على  اعتباره جاء بديلا لمفاوضات تفضي الى حل الدولتين، ولكن على اعتباره مناقضا للموقف العلني لحكومة نتنياهو وحكومات اخرى  محتملة – مع فارق بسيط في التكتيك – الرافض لإقامة دولة فلسطينية غربي نهر الاردن……. كيف ستتعامل الدول التي اعترفت بفلسطين مع هذا الرفض الصهيوني، وكيف ستعمل على هزيمته، وهل عندها النية  او الإرادة لهزيمته أصلا؟…. هذا هو السؤال المهم……..

 استمرار الضغط بلا توقف وفي اطار خطة متدحرجة كما كانت الخطة في مواجهة نظام الابارتهايد في جنوب افريقيا، كفيل بتشكيل كرة ثلج ستنتهي حتما بسقوط الابارتهايد الصهيوني ايضا……….

إذا اضفنا لهذا التحرك الغربي موقفا عربيا واسلاميا جادا تخرج معه الدول العربية والاسلامية من تحت عباءة امريكا واسرائيل، وتتحرر من عقدة الخوف من شعوبها فتطلق يدها في التعبير عن تضامنها الفعلي مع فلسطين، واستثمار هذه الدول لهذا الحراك الشعبي في الضغط على أمريكا واسرائيل، كفيل ايضا بتعزيز التحرك الاوروبي – الدولي نحو ذات الهدف….

اما ان ظلت الحكومات العربية والاسلامية عاجزة عن القيام بدورها المتوقع منها بعيدا عن سياسات التخاذل والتواطؤ وكبت الشعوب والنفاق لأمريكا واسرائيل، والاكتفاء بالخطابات النارية الفارغة، وبيانات الاستنكار والتنديد وابداء القلق، فاخشى ان يكون هذا سببا في تراجع المد الاوروبي – الدولي اتجاه فلسطين، أو ان يتوقف الامر عند اعترافها الرسمي فقط دون اتخاذ اية إجراءات لتنفيذه على ارض الواقع امام الزحف الاحتلالي الإسرائيلي المتسارع…..

استمرار الحكومات العربية والإسلامية في مطالبة المجتمع الدولي والأمم والمتحدة ومجلس الامن بعمل اللازم لوقف “المحرقة” في قطاع غزة خصوصا وفلسطين عموما، دون ان تفعل أي شيئ، وكان الامر لا يخصها أو كأنها تعلن عن عجزها عن عمل شيء، أمر أصبح مثيرا للسخرية والاستهجان على المستويين العربي – الإسلامي الشعبي والدولي…….. هذا الموقف يعني اعترافا واضحا بعجز 2 مليار عربي ومسلم و – 57 دولة عربية وإسلامية من فعل اي شيء لوقف المجزرة! هل فعلا الامة العربية عاجزة عن ان فاعلا حاسما بدون الحاجة الى مجتمع دولي، ام ان الامر أخطر من ذلك بكثير…….

الاحتمال الأول الذي استبعده، ولكنه يفرض نفسه على الساحة العربية والإسلامية بقوة لأسباب لا تخفى على اريب، ان الحكومات العربية والاسلامية متواطئة سرا وعلانية مع إسرائيل وامريكا ضد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي لربما تشكل مصدر ازعاج مستمر لها امام شعوبها، فإنهاؤها على يد إسرائيل وامريكا يعني انتهاء هذا “الصداع” المستمر منذ مائة عام والذي يقض مضاجع حكامها… اغلاق الملف الفلسطيني يعني “حريتها” في بناء علاقاتها مع إسرائيل دون اية “منغصات” او “مكدرات”!……… كما قلت، استبعد هذا الاحتمال جدا، فلا يتصور ان يصل موقف حكومات “عربية وإسلامية” الى هذا الحد من الانحطاط القيمي والأخلاقي قبل غيره من الاعتبارات!

 الاحتمال الثاني، ان تكون الأنظمة العربية والإسلامية عاجزة فعلا عن القيام باي دور فاعل ليس فقط لوقف “المحرقة” في قطاع غزة وعموم فلسطين، ولكن لإجبار أمريكا قبل إسرائيل على الخضوع لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، والانتهاء من سياسة الكيل بألف مكيال والا تحملت مسؤولية انحيازها الاعمى لإسرائيل المعتدية وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية!……. هل هذا الاحتمال واقعي؟ هل يُعقل ان تكون امة ال – 2 مليار و – 57 دولة عاجزة الى هذا الحد؟ ……..

المتابع لمؤتمرات القمة العربية والعربية – الإسلامية منذ من بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بتاريخ 8.10.2023 على الاقل، يستطيع ان يلاحظ العجز العربي والشلل الإسلامي والذي جاء واضحا في الكم الهائل من البيانات الختامية “النارية” ثم التنفيذ الصفري لهذه المقررات……. جاء هذا العجز والشلل واضحا وصارخا حتى السماء في المؤتمر العربي – الإسلامي الأخير في الدوحه/قطر بعد العدوان الإسرائيلي عليها والذي استهدف بشكل وقح وفد حماس المفاوض، والذي اعتبره العالم تجاوزا لكل الخطوط الحمراء، وتحديا لكل الأعراف والتقاليد الراسخة دوليا.. كنا نتوقع من المجتمعين ان يتخذوا قرارات تقلب الطاولة في وجه التحالف الصهيو – امريكي بشكل لا يترك مجالا للشك في ان الامة لم تعد تصبر على الضيم وعربدة السفلة وطغيان اللصوص…….. لماذا كان العجز والشلل هما سيدا الموقف في القمة الأخيرة؟ اهو العجز بسبب عدم القدرة على الفعل حقيقة، أم أنه غياب الإرادة السياسية مع توفر القدرة على الفعل؟!…….

تعالوا نجيب على السؤال بكل صراحة……..  لسنا بحاجة الى ذكاء خارق حتى نقف على مجموعة حقائق…… امتنا العربية خصوصا والإسلامية عموما، والممتدة من جاكارتا حتى طنجة ومن فرغانة حتى غانه، لا تعاني من إشكالية قلة الإمكانيات المادية والروحية والبشرية المؤهلة والقادرة…. فقد أكرم الله هذه الامة بوحي سماوي، وبعقيدة راسخة، وشريعة شاملة، صنعت من شتات الامة امة واحدة ذات رسالة خالدة، أقامت اعدل دولة على امتداد التاريخ، وشيدت أعظم حضارة أمدت العالم بمنظومة من القيم الروحية والعملية ضمنت السعادة للإنسانية كلها، وبنت اعظم مدنية لم تكن سببا في نهضة الامة فقط ولكن سببا في نهضة أوروبا والإنسانية.. إضافة الى ذلك تمتلك الامة أعظم مخزون نفطي وغازي ومعدني، واطول السواحل البحرية، والانهار العذبة، والتضاريس المتنوعة، والأراضي الخصبة، وتتربع على اخطر المعابر البحرية والبرية والجوية، الخ…..

 لماذا تعيش الامة العربية والإسلامية هذا الانحطاط غير المسبوق إذا ما دامت تمتلك هذه الامكانيات غير المحدودة؟ من الواضح انها تعاني من غياب “الإرادة السياسية” “والنظام الراشد والرشيد” القادر على توظيف هذه الإمكانيات دفاعا عن بيضة العروبة والإسلام ومصالح الامة وامنها الفردي والجماعي…. شهدت الامة في تاريخها الطويل لحظات انكسار سياسي وحضاري لم يصل حد “الموات”، لكنها سرعان ما استعادت وعيها ونهضت من جديد لترسم ملامح مرحلة جديدة نابضة بالحياة ومفعمة بالإنجاز والابداع… كيف حصل لها ان نهضت بعد احطاط؟ لا يمكن للامة ان تنهض الا من خلال قيادة تحرير اسلامي، وخطة تحريراسلامية، وجيل تحرير اسلامي…… من المؤسف ان من يعرقل هذه الأجيال من اخذ دورها في بناء الامة هو النظام العربي والإسلامي القائم حاليا والذي يمثل أسوا صور الاستبداد والدكتاتورية التي اجهضت كل محاولة للنهوض القائم على ذات المبادئ التي قامت على أساسها الامة العربية في بداياتها يوم بعث الله فيها الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم، وأِشرقت في سمائها شمس الإسلام، فصنع من حطامها امة تهابها شعوب الأرض……

ليس امام النظام العربي والإسلامي الرسمي الا ان يتلزم هذه الأصول فيعيد لشعوب الامة حقها في الاختيار الحر لقيادتها ومن ثم مراقبة هذه القيادات ومحاسبتها، وضمان تداول للسلطة لا يسمح بحال لاي نوع من الدكتاتورية والاستبداد الذي هو أصل الفساد، ويشيد نظاما سياسيا بروح الخلافة الراشدة الأولى بعيدا عن الحكم العضوض والحكم الجبري…

بهذا، وبهذا فقط تتحرر الامة على الحقيقة، ومن ثم ترسم خريطة طريقها من جديد، وتضع بذلك حدا لكل المتغطرسين كما كان في الماضي، وتحجز لنفسها مكانا متقدما ان لم في طليعة أمم الأرض كما كان حالها على مدى 14 قرنا من الزمان…

إذا لم يكن النظام العربي والإسلامي مستعدا لهذه المهمة، فليس امامه الا يرعى عملية تحول سياسي شوري – راشدي فيضمن خروجه المشرف من جهة، ويضمن دخول الامة عهدا جديدا من العزة والكرامة يكون له فيها نصيب تذكره الأجيال القادمة به على طول المدى من الجهة الأخرى! فهل سيفعل، ام انني أحلم……..  

 الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com