تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد التاسع والعشرون من الزمن العادي (السنة ج)

القدس – ابو انطون سنيورة — بقلم الكاردينال – بيير باتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين

الأحد 19 تشرين الأول 2025
الأحد التاسع والعشرون من الزمن العادي (السنة ج)

لوقا 18: 1-8

عند استماعنا إلى إنجيل اليوم (لوقا 18: 1-8)، نلاحظ التناقض بين الشخصيتين الرئيسيتين في المثل الذي يرويه يسوع لتلاميذه.

الشخص الأول هو قاضٍ يوصف بأنه لا يخاف الله ولا يهاب أحدًا (لوقا 18: 2). إنه رجل ذو سلطة يستخدمها بطريقة تعسفية وفاسدة وغير نزيهة («ٱسمَعوا ما قالَ ٱلقاضي ٱلظّالِم» – لوقا 18: 6)، فهو شخص قاسٍ لا يعرف الرحمة ولا الشفقة.

في المقابل، نجد امرأة أرملة (لوقا 18: 3). فالأرملة إنسانة بلا قوّة، بلا سند، ولا أحد يدافع عنها أو يعينها في ضمان حقوقها: إنها تمثّل، بأبهى صورة، الفقراء والمنسيين من الذين تُسلب حقوقهم بسهولة.

لكن المفارقة في هذا المثل هي أن هذه المرأة الضعيفة تخرج منتصرة من الصراع. كل الأمور قد تدفعنا إلى الاعتقاد بأن القاضي القاسي لن يعيرها اهتمامه أبدًا، وأن هذه المرأة محكوم عليها بالهزيمة؛ غير أن العكس هو ما يحدث.

حتى هذا القاضي الذي يبدو حصينًا لا يُقهر، له نقطة ضعف، وهذه المرأة قادرة على اكتشافها والانتفاع بها حتى تنال العدالة التي تستحقّها.

لم تيأس الأرملة، بل واصلت الإلحاح إلى أن تحقّق ما تطلبه.

في مثله، يريد يسوع أن يسلط الضوء في المقام الأول على شخصية الأرملة، أكثر من شخصية القاضي، إذ إنّ القاضي ليس سوى وسيلة يستخدمها يسوع لإبراز الأرملة وقوّة إيمانها.

خارج إطار المثل، يوضّح يسوع مباشرة أنّ الآب، الذي نوجّه إليه كلّ صلاتنا، ليس مثل هذا القاضي، بل هو على العكس تمامًا منه: «أَفَما يُنصِفُ ٱللهُ مُختاريهِ ٱلَّذينَ يُنادونَهُ نَهارًا وَلَيلًا، وَهُوَ يَتَمهَّلُ في أَمرِهِم؟أَقولُ لَكُم: إِنَّهُ يُسرِعُ إِلى إِنصافِهِم» (لوقا 18: 7-8).

ليست الصلاة إذًا محاولة لإقناع الله، كما لو كان قاضيًا مترددًا أو خصمًا يجب كسبه. بل هي إيمانٌ بأن الشرّ، مثل القاضي الظالم، له نقطة ضعف، وأنه مصيره إلى الزوال وليس أبديًا.
ونقطة ضعف الشرّ هي الوقت.

نستنتج ذلك من كلمات القاضي نفسه، الذي قرّر أن يُنصف الأرملة لئلّا تواصل إزعاجه (لوقا 18: 5). فالشرّ لا يملك الصبر، لا يصمد طويلًا، ولا يحتمل مرور الوقت. إنّه متسرّع، لا يعرف الانتظار، ينهك نفسه، ولا يمكنه أن يدوم طويلاً.

أمّا الأرملة، فلا تملك شيئًا، لكنّها تملك الوقت. تعرف كيف تنتظر، وتعيش وفق منطق الملكوت الذي ينمو ببطء، ينضج تدريجيًا، ويعرف قيمة الانتظار. إنّها تعرف أن تنتظر تلك اللحظة التي فيها يُجري الله العدل سريعًا، كما قال يسوع: «أَقولُ لَكُم: إِنَّهُ يُسرِعُ إِلى إِنصافِهِم» (لوقا 18: 8).

نلتفت هنا إلى كلمتين في الجملة الأخيرة.

الأولى هي «ينصُف». بالنسبة لله، الإنصاف لا يعني حل المشاكل، ومعاقبة الأشرار، وإعطاء كل واحد ما يستحقه. بالنسبة لله، الإنصاف يعني الخلاص، وخلاص الجميع، من خلال نضوج الخير حتى يزدهر ويثمر للجميع.

والثاني هو الظرف «بسرعة» الذي لا يعني «فورًا»، بل «في الوقت المناسب»، ولا علاقة لها بالعجلة التي يفرضها الشرّ. فاستعجال الشرّ مدمّر، أمّا الوقت عند الله هو وقت الإيمان الصامت والمثابر، الذي يتذكّر الله ويعرف كيف يصبر.

الله هو حليف الوقت:  فهو يمنحه للفقراء، ويعيشه معهم، ويقوّي انتظارهم بوعدٍ يعلن عن حضوره المتنبه في تاريخ حياتهم.

والإنسان مدعو أن يصلي دائمًا («ضَرَبَ يَسوعُ لِتَلاميذِهِ مَثَلًا، في وُجوبِ ٱلمُداوَمةِ عَلى ٱلصَّلاةِ مِن غَيرِ مَلَل» – لوقا 18: 1) “وهذا لا يعني أن نُصلّي كثيرًا، بل أن نُصلّي دائمًا، بإيمانٍ لا ينبع من اندفاعٍ عابر، بل من نضوجٍ بطيءٍ لحياة الله فينا.

هذا هو الإيمان الذي يريد الرب أن يجده عند عودته: « وَلَكِن، مَتى جاءَ ٱبنُ ٱلإِنسان، أَتُراهُ يَجِدُ ٱلإيمانَ عَلى ٱلأَرض؟» (لوقا 18: 8).

+بييرباتيستا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com