ورشة حوارية تناقش تحولات المشهد السياسي الإسرائيلي في ظل العدوان على الشعب الفلسطيني
نظمها "مسارات" واستضافت رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي

وعتبرت هذه الشخصيات أن خطة ترامب المطروحة لإدارة قطاع غزة ما بعد الحرب تمثل نموذجاً استعمارياً كلاسيكياً يهدف إلى تصفية القضية الوطنية والوجود الفلسطيني، وأن هذا النموذج قد يعمم على الضفة الغربية، مع استمرار استهداف فلسطينيي أراضي 48 بالسياسات العنصرية وهدم المنازل والقمع وتكميم الأفواه.
كما دعت توحيد الصفوف في أراضي 48 وتشكيل قائمة مشتركة استعدادا للانتخابات الإسرائيلية القادمة، بما يمكن من إسقاط الحكومة الحالية، ورفع نسبة التصويت من الجمهور الفلسطيني وزيادة عدد أعضاء الكنيست العرب، دون الانزلاق إلى بعض الدعوات للمشاركة في الحكومة الإسرائيلية القادمة في حالة فوز المعارضة في الانتخابات.
وكان المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (“مسارات”) نظم ورشة حوارية في مقره بالبيرة وعبر برنامج “زووم”، بعنوان “الفلسطينيون في إسرائيل ما بين الجينوسايد والأبارتهايد”، بمشاركة شخصيات من مختلف التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات، واستضاف فيها الأستاذ سامي أبو شحادة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فيما أدارها مدير البرامج في مركز مسارات خليل شاهين. وكرست الورشة لمناقشة التحولات في المشهد السياسي الإسرائيلي وتأثيره على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار العدوان وحرب الإبادة، إضافة إلى فرص نجاح الجهود المبذولة لتشكيل قائمة فلسطينية موحدة لخوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
وقدم أبو شحادة قراءة تحليلية شاملة للمرحلة الراهنة، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني يواجه “حدثاً أصعب من النكبة” من حيث حجم الدمار والمعاناة والتهجير، مشيراً إلى أن الخطر الوجودي أصبح حقيقياً وليس مجرد تهويل. وسلط الضوء على تحولات الخارطة السياسية الإسرائيلية، موضحاً أن المشهد الإسرائيلي يتراوح بين خيارين لا يمثلان حلاً سياسياً عادلاً: الأول هو “الجنوسايد” (الإبادة الجماعية) والتطهير العرقي الذي تمثله الحكومة الحالية، والثاني هو “الأبارتهايد” (الفصل العنصري) الذي تطرحه المعارضة الإسرائيلية.
ونوه إلى الوثيقة التي بلورتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية في بداية العدوان على قطاع غزة، وتضمنت عدة سيناريوهات، لكنها دعت العمل لتطبيق سيناريو تهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء، وحددت أدوار العديد من دول المنطقة والعالم لتنفيذ هذا المخطط، ما يؤكد النية المبيتة لتنفيذ التطهير العرقي.
وأكد أن الغالبية في المجتمع الإسرائيلي تؤيد الإبادة والتطهير العرقي، في حين لا تقدم المعارضة الإسرائيلية في المقابل بديلاً حقيقياً، بل تسعى فقط إلى “تقليص الصراع”، أو “تحسين ظروف العبودية” للفلسطينيين في الداخل، كما يطرح نفتالي بينت، دون طرح أي تسوية تاريخية أو إنهاء للاحتلال.
وفيما يتعلق بالانتخابات الإسرائيلية المبكرة وفق الترجيحات المتداولة، أوضح أبو شحادة أن الهدف الاستراتيجي للقوى الوطنية الفلسطينية في الداخل هو إسقاط الحكومة الحالية المجرمة، معتبراً أن هذا يصب في المصلحة الوطنية العليا. واستعرض مبادرة التجمع الوطني الديمقراطي وما تلاها من لقاءات مع مختلف القوى السياسية من أجل توحيد الصفوف وتشكيل قائمة مشتركة لرفع نسبة التصويت وزيادة عدد أعضاء الكنيست العرب، ما سيجعل من الصعب، وربما المستحيل، على اليمين الأكثر تطرفا تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي وقف النزيف والتصدي للخطر الوجودي الذي يهدد الشعب الفلسطيني بسبب سياسات الحكومة الحالية، دون أن يعني ذلك عدم وجود مخاطر في حالة فوز المعارضة في الانتخابات.
وأكد أن الخلاف حول تشكيل القائمة المشتركة ليس خلافاً على المقاعد أو المحاصصة، بل هو خلاف سياسي جوهري حول الموقف من الانخراط في حكومة الاحتلال. وشدد على رفض التجمع الوطني الديمقراطي أن يكون جزءاً من أي حكومة تمارس احتلالاً وقمعاً ضد الشعب الفلسطيني، رافضاً خلق الأوهام لدى الناس. ونوه إلى وجود سيناريوهات بديلة لتشكيل قائمة إئتلافية من عدة أحزاب في حالة فشل الجهود لتشكيل قائمة موحدة تضم الجميع. واختتم محاضرته بالإشارة إلى أن الوضع الإقليمي والقضية الفلسطينية أصبحا مرتبطين بشكل غير مسبوق بـ “مزاجية الرئيس الأمريكي” والضغوط المباشرة التي يمارسها على الحكومة الإسرائيلية، مما يعكس حالة من التبعية غير الصحية.
تخلل الورشة نقاش معمق، شاركت فيه نخبة من السياسيين والباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، وتركز على التحديات الوجودية التي يواجهها الشعب الفلسطيني. وأكد المشاركون على أن تشكيل قائمة عربية مشتركة لم يعد خياراً أو تفضيلاً، بل هو “ممر إجباري” وضرورة وطنية قصوى في مواجهة خطر الإبادة والتهجير، وأن أي خلافات حول “الحصص” أو “المقاعد” تعتبر أمرا هامشياً أمام الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين في مختلف تجمعاتهم.
وأشاروا إلى أن خطة ترامب المطروحة لإدارة قطاع غزة ما بعد الحرب تمثل نموذجاً استعمارياً كلاسيكياً يهدف إلى تصفية القضية الوطنية والوجود الفلسطيني، وأن هذا النموذج قد يعمم على الضفة الغربية، مع استمرار استهداف فلسطينيي أراضي 48.
ودعا عدد من المشاركين إلى إجراء مراجعة ذاتية ونقدية شاملة للأداء الفلسطيني، لا سيما في ظل حالة الانقسام وغياب المبادرة الفلسطينية الموحدة، مؤكدين أن النتيجة الحالية هي أيضاً نتاج أخطاء داخلية، وأن التوقيت قد حان لإعادة بناء الذات والمشروع الوطني على أسس جديدة.
وتساءل مشاركون عن سقف العمل السياسي في الكنيست الإسرائيلي، وما إذا كان بإمكان النواب الفلسطينيين تجاوز القضايا الخدماتية إلى طرح القضايا السياسية الكبرى المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مشيرين إلى أن أي إنجاز في عدد المقاعد يظل محكوماً بخيارات لا تتجاوز “الأبارتهايد”. بدون التقليل من مظاهر مقاطعة الانتخابات بما يفتح المجال لتمثيل فلسطيني مرتبط بالمخططات الإسرائيلية والأسرلة.
واختتمت الورشة بالتأكيد على أهمية استمرار الحوار الوطني والتحرك السياسي الموحد لمواجهة التحديات المصيرية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.



