نبض الحياة.. حدود السيادة في إسرائيل.. عمر حلمي الغول

توالت المواقف الإسرائيلية من صناع القرار في الآونة الأخيرة عن “استقلال” و”سيادة إسرائيل على قرارها” و”عدم تبعيتها للولايات المتحدة”، في رد على وجهات النظر من العديد من الموالاة والمعارضة على هيمنة الإدارة الأميركية على التقرير في الشئون السياسية والأمنية العسكرية الإسرائيلية، بعد ادراكهم وتلمسهم حجم وثقل تدخل الرئيس ترمب وأركان ادارته فيها. مما ضاعف من حدة الخلافات الداخلية بهذا الشأن، وبات موضوع السيادة من عدمه أحد عوامل الطعن في أهلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعدم قدرته على تمثل دوره في حماية “السيادة” للدولة، أو على الأقل التخفيف من سطوة الرئيس الأميركي وادارته على الدولة الإسرائيلية، واعطائها مساحة من الاستقلالية النسبية أمام الشارع الإسرائيلي لتغطية عارها الوظيفي الأداتي للغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.
وردا على المواقف التي ادلى بها كل من نتنياهو وبن غفير وسموتريش وغيرهم، وبالاستناد لخلفيات افتقاد إسرائيل عامل السيادة على قراراتها المتعلقة بالحرب والسلام، أود ذكر عدد من الأسباب، منها: أولا تأسيس الدولة اللقيطة في 1948، ما كان لهذه الدولة الوجود في الجغرافيا السياسية لولا التأصيل لها في، مخرجات مؤتمر كامبل نبرمان 1905- 1907، اصدار وعد بلفور 1917، صك الانتداب البريطاني الأميركي 1922، قرار التقسيم 1947؛
ثانيا افساح دولة الانتداب البريطانية بالهجرة اليهودية الصهيونية في موجات متوالية على مدار العقود السابقة لإعلان “استقلالها” في أيار – مايو 1948، والسماح للعصابات الصهيونية بالتسلح، وارتكاب الجرائم ضد أبناء الشعب الفلسطيني، واشراف الجيش الإنكليزي على بناء وتدريب وتسليح لواء من تلك العصابات، بناء القاعدة المادية الاقتصادية للدولة قبل وجودها في ثلاثينات القرن الماضي بدعم كامل من المانيا، ودفعها التعويضات المالية الضخمة لاحقا عن ضحايا المحرقة (الهولوكست) وبموافقة بريطانيا والولايات المتحدة، وحتى الان تواصل المانيا الدفع تحت هذا البند، السيطرة على شركة الكهرباء، بناء الجامعة العبرية في القدس، وبناء المطابع وتأسيس الصحف العبرية، ولاحقا بعد إقامة الدولة بناء المفاعل النووي الإسرائيلي بدعم من الجمهورية الفرنسية؛
ثالثا انتزاع الاعتراف بالدولة الإسرائيلية من الجمعية العامة للأمم المتحدة بفضل الضغوط الأميركية والغربية عموما على الدول التي صوتت لصالح القرار، والمقرون بعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم، استنادا للقرار الاممي “302” والقرار “191”، واستقلال الدولة الفلسطينية استنادا للقرار الاممي “181”، ورغم ذلك لم تنفذ ما تعهد به خطيا للأمم المتحدة، وزير خارجية إسرائيل آنذاك، موشي شاريت، ولاحقا تنكرها المعلن للقرارات الأممية كافة بدعم غالبية دول الغرب الامبريالية.
رابعا لم تخض حربا ضد دول الطوق العربية والثورة والسلطة الفلسطينية من عام 1948 و1956، و1967، 1973، 1982 اجتياح لبنان، وصولا الى الإبادة الجماعية على قطاع غزة 2023 – 2025، وحروبها على لبنان الشقيق وسوريا وايران واليمن لم تتم الا بموافقة والتكامل مع الدول الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة، وتأمين الدعم الكامل بالأسلحة من مختلف الصنوف بما في ذلك الطائرات الحربية والدبابات والمدافع والصواريخ البرية والبحرية والجوية والذخائر وباقي اللوجستيات، ليس هذا فحسب، بل جاءت بحاملات طائراتها وغواصاتها النووية وبوارجها وجنودها ومرتزقتها بعد هجوم السابع من تشرين اول – أكتوبر 2023، وهي التي أوقفت إسرائيل على اقدامها، وضخت في جسدها المتهالك الحياة.
خامسا الدعم المالي السنوي لإسرائيل، الذي بلغ حتى مطلع عام 2022 حسب المصادر الأميركية والغربية ما يزيد عن 150 مليار دولار أميركي (غير معدلة حسب التضخم) في شكل مساعدات أميركية فقط، دون ادراج حجم المساعدات من باقي الدول الامبريالية، وبعد اشعالها نيران الإبادة الجماعية عام 2023 على القطاع قدمت الادارتين الاميركيتين السابقة والحالية ما يزيد على 22 مليار دولار أميركي، إضافة للجسور الجوية المتوالية، إضافة لاتفاقياتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، والافضليات التي تميزت بها دولة إسرائيل، وشراء الأسلحة والبرامج منها، كشكل التفافي لتقديم الدعم لها.
سادسا حماية الدولة الإسرائيلية من الملاحقة الدولية، وفرض العقوبات على الدول والمنظمات الأممية بما فيها المحاكم الدولية: محكمة العدل والجنائية الدولية، لأنها التزمت بالقانون الدولي والقانون الإنساني والدول والمعاهدات الأممية، وتبنت دول الغرب بشكل كلي الرواية الإسرائيلية الصهيونية، وفي ذات الوقت حاربت دول الغرب القضية والشعب والمشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني، وحالت دون استقلال دولة فلسطين، ولم تلزم إسرائيل النازية بأي قرار أممي واحد، التي تجاوزت الالف قرار.
سابعا تجلت السيطرة الأميركية الكاملة على قرار السلم والحرب والسيادة في إسرائيل في زمن إدارة الرئيس ترمب قبل وبعد طرح خطته في 29 أيلول – سبتمبر الماضي، ومازالت تتدخل في التفاصيل لتطبيق الخطة، والتي كشفت المعروف والبائن تاريخيا عن ارتهانها للقرار الأميركي خصوصا.
كل هذه العوامل والأسباب تشير بشكل عميق أن دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، دولة تابعة، كونها أداة وظيفية لخدمة أغراض واهداف ومصالح الغرب الامبريالي عموما والولايات المتحدة خصوصا، وبالتالي منذ أقاموها على أنقاض النكبة الفلسطينية 1948 وحتى يوم الدنيا هذا، لا تملك سيادتها على قراراتها ذات الصلة بالسلم والحرب. لكن بقيت مساحة ضيقة ومحدودة لإسرائيل من السيادة تتعلق بالشؤون الداخلية في انتخاباتها ورسم سياساتها الاقتصادية ضمن سقف محدد، لا تتجاوز فيه المحددات الاقتصادية الأميركية خاصة، حتى القوانين التي تسنها الكنيست وسلطاتها التنفيذية تتدخل فيها الولايات المتحدة، إذا ما شعرت انها تجاوزت السقف والرؤية الاستراتيجية الأميركية.
وعليه فإن الجعجعة الغوغائية عن السيادة الإسرائيلية على قرارها لا يعدو أكثر من فقاعة للاستهلاك الإعلامي ولتغطية عار دورها الوظيفي المسخ.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com