غزوة الغابة من خلال نور اليقين 34.. معمر حبار

قال الكاتب: “كان للنبي عليه السّلام لقحة ترعى بالغابة فأغار عليها عيينة بن حصن في أربعين راكبا واستلبها من راعيها. والذي بلّغه هو سلمة بن الأكوع أحد رماة الأنصار وكان عداء. فأمره الرسول بأن يخرج في أثر القوم ليشغلهم بالنبل حتى يدركهم المسلمون”. 177

الحروب لأجل ناقة:

أقول: كانت الحروب تقام لأجل ناقة. لأنّ الناقة يومها. وما يشبهها ويتعلّق بها. من رعي، وماء، وأكل، وبيع، وشراء، وتفاخر، ومكانة. له أهميته القصوى في حفظ الدولة، والمجتمع، وقوّتها، وازدهارها، ومنعتها. وبمستويات مختلفة. فلا عجب أن تقام الحرب لأجلها من حيث الاستيلاء عليها، أو استردادها.

ناقة رئيس الدولة:

بالإضافة إلى أهمية الناقة (وما يشبهها). والمذكورة في النقطة أعلاه. فإنّ النّاقة التي استولى عليها الأعداء، واللّصوص. هي لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبالتّعبير المعاصر هي لرئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلّحة. والاعتداء على أملاك رئيس الدولة ومهما ظهر أنّه “صغير”. فهو اعتداء على الدولة، والمجتمع. لأنّ رئيس الدولة رمز. والاعتداء عليه هو اعتداء على الرّمز. ولذلك وجب تجهيز الجيش. كما فعل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. باعتباره رئيس الدولة.

السرعة في ملاحقة العدو:

بمجرّد ما وصل خبر اعتداء على “عشرون لقحة”. أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. بملاحقة العدو عبر مرحلتين متتابعتين. ودون انقطاع، ولا تريّث:

الأولى: بقيادة سيّدنا سلمة بن الأكوع الأنصاري. في انتظار أن يأتيه المدد. وقد كان: راميا، وعداء. ما يدلّ أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. أخذ الاعتداء بجدية. لا تقبل الانتظار، ولا التّراجع. ولا بدّ لها من قائد تتوفّر فيه صفات القيادة المطلوبة في هذه المعركة، والمناسبة لها، وهي: حسن الرمي، والعدو. لأنّ لكلّ معركة قائد خاصّ بها، ويحمل صفاتها التي تؤهّله لخوضها بأقلّ الخسائر الممكنة.

الثّانية: إعداد جيش لملاحقة العدو. وعدم الاكتفاء بمطاردة سيّدنا سلمة بن الأكوع الأنصاري للعدو. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. لم يكتفي بمطاردة فردية للعدو. بل جهّز لها جيشا. وبسرعة، ودون تردّد.

نتيجة الغزوة:

قال الكاتب: “ولم يزل سلمة على ذلك حتى تلاحق به الجيش فإنّ الرسول دعا أصحابه فأجابوه”. 178

أقول: لم يكن إعداد الجيش، وملاحقة العدو، وإرسال سيّدنا سلمة بن الأكوع الأنصاري كمقدمة للحرب في انتظار قدوم العدو. من باب التّهديد، وبثّ الفزع. إنّما كان لأجل استرداد “عشرون لقحة”، وإلحاق خسائر بالمعتدي، وليكون عبرة لغيره، وضمان عدم تكرار اعتداءات أخرى.

نجح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. في كلّ ما قرّره، وذهب لأجله، وأعدّ الجيش له. فقد “أدركوا أواخر العدوّ”. “وهرب أوائل القوم بالبقية”. أي تمكّنوا منه.

مؤخّرة الجيش كمقدّمته. ليست بالأمر الهيّن. والانتصار عليها، وإلحاق الهزيمة بها. يلحق الهزيمة بمقدّمة الجيش، والجيش، وأطرافه. ويصيبه بأضرار لا يمكن تجاوزها.

خلاصة

عظمة الدول في كونها لا تتهاون حين تمسّ خيراتها، وثرواتها. ولو كانت “عشرون لقحة”. ولا تتراجع حين يمسّ الرّمز، ورئيس الدولة بقول، أو فعل. ولو تمّ الاعتداء على “عشرون لقحة”.

والعدو إذا لم يجد ردّا على “القليل؟!” الذي اعتدى عليه، واغتصبه، واحتلّه. مدّ يده لكلّ مقدّس، ومحرّم، وممنوع.

الثّلاثاء 14 جمادى الأوّل 1447هـ، الموافق لـ 4 نوفمبر 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com