قالت فلسطين: هذا أبي ..

في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار)
11 تشرين الثاني / نوفمبر 2004 – 2025
قائد الثورة الفلسطينية، ومؤسس الكيانية الوطنية،
رمز الكرامة والحرية، وصوت الإنسان في معركته الطويلة من أجل الحرية و العدالة.
ذاك الذي جعل من الحلم وطناً،
ومن التراب علَمًا، ومن الجرح طريقًا إلى الحرية.

قالت فلسطين: هذا أبي

نص بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

قالتْ فلسطينُ: هذا أبي،
خرجَ من ليلِها الأوّلِ،
وفي يدهِ نجمةٌ،
وفي الأخرى بندقيّةٌ
تُغنّي للصباحِ القادمِ من بينِ الركام.

كانَ يمشي
كأنَّ الأرضَ تتبعُه،
تُعيدُ ترتيبَ خطاهُ على وجعِها
ليكبرَ الحُلمُ في حجرٍ صغير،
ويستيقظَ التاريخُ من سباتهِ الطويل.

لم يكنْ يبحثُ عن موتٍ،
كانَ يُربّي الحياةَ
في فمِ الريح،
ويُعلّمُ الأطفالَ أنَّ للسماءِ
بابًا مفتوحًا على القدس.

يا وجهَ الوطنِ حينَ اشتدَّ الظلام،
يا ظلَّ الزيتونِ في القيظ،
ويا آخرَ حارسٍ لبوّابةِ المعنى…

نمْ،
فما زالَ دفءُ يديكَ
يُشعلُ قناديلَ المخيّمات،
وما زالَ الحصى
يحملُ بصمتِه نداءَكَ القديم:
«فلسطينُ ليستْ خريطة،
بل قلبٌ لا ينام!»

نمْ،
ففي كلِّ بيتٍ حكايةٌ منك،
وفي كلِّ جرحٍ،
تنهيدةُ وطنٍ تقولُ للعالم:
من رمادِ الشهداءِ ينهضُ الفجر،
ومن دمِ القائدِ تُزهرُ الأرضُ حرّيّةً.

نمْ بسلامٍ،
فما انطفأتْ رايتُكَ،
وما انحنى حلمُكَ،
وما زالَ أطفالُ المخيّماتِ
يركضونَ نحوَ الغدِ
يحملونَ في عيونِهم صورتَكَ
وفي صدورِهم نشيدَ الحياة…

لأنَّ فلسطين — التي علّمتَها الصمود —
ما زالت تُناديكَ:
«أنا هنا… ما حيِيَ الأملُ،
وما دامَ فينا دمٌ
يكتبُ اسمَكَ في الفجر.»

د. عبد الرحيم جاموس
الرياض – في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد الخالد
ياسر عرفات
10/11/2025 م

“قالت فلسطين: هذا أبي”… “
للدكتور عبد الرحيم جاموس
قراءةٌ في رثاءِ القائد الرمز ياسر عرفات


بقلم:د. عادل جوده/ العراق/ كركوك

في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد الرمز ياسر عرفات، يعود د. عبد الرحيم جاموس ليقدّم نصًّا شعريًّا يلامس حدود المقدس، لا في تقديسه للشخص، بل في تجذّره في روح الصراع والهوية. “قالت فلسطين:
هذا أبي”، عنوانٌ يتجاوز الحدود الزمانية والمكانية، ليُلبس التاريخ ثوبَ بنوةٍ عميقة، ويمنح الأرض صوتًا بشريًّا يئنّ بالوفاء والحنين.

النصّ لا يرثي رجلًا بقدر ما يعيد تمثيلَ واقعة تأسيسٍ وطنية. فـ”أبو عمار” ليس هنا مجرد قائدٍ اغتيل، بل هو الجذر الذي منه نبتت فكرة الكيانية الفلسطينية الحديثة. يظهر في الصورة الأولى كـ”من خرج من ليلها الأول”، أي من عمق المعاناة الأولى، من قلب التهجير والشتات، ليحمل في يده نجمة الرجاء، وفي الأخرى بندقية المقاومة – رمزَي الأمل والدفاع، اللذين لا يتعارضان في سياق الشعب المحتلّ، بل يتكاملان.

اللغة في النصّ تنتمي إلى شعرية الذاكرة الجماعية، لا إلى فردٍ ينعى فردًا.
فحين يقول الشاعر: “كان يمشي / كأن الأرض تتبعه”، فهو لا يصف خطوات رجلٍ، بل يوثّق عودة الوعي إلى الأرض المغتصبة، وعودة الأرض إلى وعي أبنائها.
إنّه تحوّلٌ وجوديّ: الأرض لم تعد مجرد تراب، بل كيانٌ يُعيد ترتيب ذاته من خلال خطاه.

ومن أبرز سمات النصّ براعةُ الجمع بين المقدس واليومي، بين القيادة والطفولة، بين الحلم والرصاص. فـ”القائد” هنا لا يبحث عن الموت، بل “يُربي الحياة في فم الريح”، ويُعلّم الأطفال أن للسماء بابًا مفتوحًا على القدس. إنها لغةٌ ترفض الإغراق في الحزن، لتُعيد التأكيد على أن المقاومة فعلُ حياةٍ مستمرّ، وأن القيادة الحقيقية لا تُقاس بطول البقاء، بل بعمق الأثر.

الرسالة الأخلاقية للنصّ تكمن في تجسيدِ فلسطين ككائنٍ بشري حيّ، ينادي أباه، لا ليبكيه، بل ليعلن أن وجوده لم ينتفِ:
“ما حيي الأمل، وما دام فينا دمٌ يكتب اسمك في الفجر”. إنّها مقولةٌ وجوديةٌ ترفض الاستسلام، وتُنادي بالمقاومة من داخل لغة الجرح والذاكرة.

كما أن التكرار الذكي للفعل “نمْ” لا يوحي بالاستسلام للنوم الأبدي، بل يشبه دعاءً مقدّسًا، أو ترنيمةَ وداعٍ تأبى أن تكون نهاية. فـ”النوم” هنا هو استراحة المحارب، بينما الراية ما زالت ترفرف، والطفل ما زال يركض، والدم ما زال يكتب.

في زمنٍ تشيع فيه الخطابات الجافة، يمنحنا هذا النصّ ذاكرةً مُضيئة، تذكّرنا بأن فلسطين ليست “خريطة”، بل قلبٌ لا ينام – قلبٌ يُحبّ، ويصمد، ويُنادي. والقائد، في هذا السياق، ليس من يصنع الأحداث، بل من يزرع في شعبه القدرةَ على أن يصنع نفسه من جديد، كلّما سقطت عليه السماء.

هكذا، يتجاوز النصُّ مناسبةَ الذكرى، ليصبح نشيدَ وجودٍ جماعيّ، وشهادةَ ولاءٍ للأرض والهوية، ووعدًا بأن الفجر سيأتي – لا من وحي الصدفة، بل من رماد الشهداء ودَم القادة.

تحياتي واحترامي🌷
ا.د عادل جوده

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com