نسألك يارب ان تحل الأعياد القادمة ونحن في أوضاع افضل فهنالك في القلب غصة على دماء تسفك وابرياء يقتلون بدم بارد

العالم المسيحي بأسره يستعد لاستقبال الأعياد الميلادية المجيدة سواء كان هذا حسب التقويم الغربي يوم 25/12 او حسب التقويم الشرقي يوم ال7 من يناير.
تعددت التقاويم ورسالة العيد واحدة وصاحب العيد واحد وهو الرب يسوع المسيح الذي يحق لنا جميعا ان نفرح بمجيئه وميلاده وتجسده في مغارة بيت لحم .
انها مناسبة روحية بامتياز تذكرنا بما قدمه الرب لنا من اجل خلاصنا وافتقادنا وانتقالنا الى حياة البركة والنعمة والخلاص.
يجب ان يدرك الجميع بأن من نحتفي بمولده في مغارة بيت لحم ومن مهده الى لحده كان ينتقل من مكان الى مكان في هذه الديار مناديا بالقيم الإنسانية والرحمة والمحبة والسلام والانحياز الى المتألمين والمعذبين والمكلومين .
ومن وحي هذا العيد كما وكل الأعياد المرتبطة بحياة السيد المسيح على الأرض يجب ان ندرك بأن المسيحي لا يمكن ان يكون متجاهلا ولا مباليا لمعاناة الانسان أيا كان هذا الانسان حتى وان اختلف عنا في دينه او معتقده او لون بشرته.
المسيحي الحقيقي يعرف انه لا توجد هنالك مسيحية بدون المحبة وبدون الإنسانية والرحمة فقساة القلوب وكذلك أولئك الذين يتجاهلون معاناة الانسان انما هم بعيدون عن المسيحية ونحن بدورنا لا ندينهم بل ندعو من اجل هدايتهم وعودتهم الى طريق الحق .
أقول للمسيحيين في هذه الديار وهم يستعدون للاعياد وقد بتنا نلحظ مظاهر الفرح والاحتفالات في كافة المدن والبلدات ، فأنا أقول للمسيحيين في ارضنا المقدسة كونوا مسيحيين حقيقيين وليس مسيحيين موسميين فالمسيحي الحقيقي لا يبرز ايمانه ومسيحيته فقط في الأعياد والمواسم بل في كل الأوقات والأيام ، فأنت مسيحي ليس فقط في فترة العيد بل في كل الأيام ولعل فترة العيد هي فترة روحية نستمد منها البركة والقوة والتعزية ونتعلم من صاحب العيد الذي نادانا بالرحمة والرأفة والحنان ومحبة اخينا الانسان .
كونوا مسيحيين حقيقيين ملتزمين بقيم ايمانكم بعيدا عن الشعارات والخطابات الرنانة والتي نسمعها في بعض الأحيان فالمسيحية ليست خطابات وشعارات بل هي فكر وسلوك وحياة روحية بالدرجة الأولى .
كونوا مسيحيين حقيقيين دونما أي تعصب فأن تكون مسيحيا هذا لا يعني ان تكون كارها للاخرين فالمسيحية لا تعلمنا ان نكون كارهين للمختلفين عنا في ايمانهم وفي معتقداتهم ، فنحن يجب ان نحترم كل انسان وان ننظر الى كل انسان انه خليقة الله ، وكلنا جميعا ننتمي الى اسرة بشرية واحدة خلقها الله.
لا تقبلوا بأن يقوم احد أيا كان بادخالكم في ازمة هوية فنحن لا نعيش ازمة هوية فنحن مسيحيون 100% وفلسطينيون 100% وفلسطين لسنا نحن الذين اخترعناها فهي موجودة منذ مئات السنين ومن ينكر وجود فلسطين ومن يريدنا الا نتسمى بفلسطينيين عليه ان يعود الى التاريخ وان يقرأ التاريخ جيدا لكي يدرك بأن فلسطين موجودة وانكاره لوجودها هذا لا يعني انها ليست موجودة على الأرض .
لا تسمحوا لاصحاب الاجندات المغرضة بأن يسعوا لاقتلاعكم من اصالتكم الايمانية وانتماءكم الوطني ، فنحن مسيحيون فلسطينيون هكذا كنا وهكذا سنبقى وجذورنا عميقة في تربة هذه الأرض كما هي شجرة الزيتون التي ترمز للسلام ولكن جذورها العميقة في تربة هذه الأرض انما تذكرنا بعراقة وجودنا وانتماءنا لهذه البقعة المباركة من العالم .
ان تكون مسيحيا حقا هذا يعني ان تكون محبا لوطنك وان تكون ملحا وخميرة لهذه الأرض ولهذا الشعب الذي ننتمي اليه بكل جوارحنا ونتمنى ان تزول المظالم عن شعبنا لكي ينعم انسان هذه الديار بسلام طال انتظاره وعدالة مغيبة منذ سنين طويلة.
كونوا صوتا مناديا بالحق والعدالة والسلام ولا تتقوقعوا فالمسيحي لا يتقوقع داخل جدران كنيسته بل يعبر عن ايمانه وقيمه ومسيحيته في مجتمعه وفي وطنه وفي المحيط الذي يعيش فيه .
انت لست مسيحيا بقدر ما تعادي وتكره الاخرين او ادعاءك بانك متعصب لدينك فنحن لا نريد مسيحيين متعصبين كارهين لاي انسان في هذا العالم بل نريد للمسيحيين ان يكونوا ملتزمين بقيم ايمانهم ومحبين لوطنهم ومتفانين في خدمته وفي خدمة مجتمعهم وان ينظروا الى كل انسان على انه اخ بالنسبة اليهم في الانتماء الإنساني ذلك لأننا نؤمن جميعا بأن الله هو خالقنا وهو الذي اعطانا نعمة الحياة .
عيد الميلاد هو عيد الفرح والابتهاج بميلاد من اتى لكي يغير وجه هذا العالم فيحق لكم ان تفرحوا وان تبتهجوا وخاصة بعد هذه الأوقات العصيبة التي مررنا وما زلنا نمر بها ، فالعيد محطة امل ورجاء ومحطة فرح وابتهاج نتلقى فيها جرعة طاقة إيجابية ونتلقى فيها النعم والبركات التي نحتاجها في حياتنا الروحية .
وانتم تأكلون وتشربون وتضيئون منازلكم واشجاركم وباحاتكم تذكروا ان هنالك اخوة لكم محرومين من فرحة العيد وتذكروا ان هنالك اخوة لكم يعيشون في ظلام دامس فالمسيحي في عيده لا يفكر فقط بنفسه بل يفكر أيضا بأخيه الانسان الذي يحتاج الى لمسة افتقاد ومحبة ورحمة في العيد كما وفي كل الأيام والمناسبات والاعياد .
العيد مبارك لان من نحتفي بمولده جلب لنا البركة والنعمة والخلاص فلتكن انظاركم شاخصة الى مغارة بيت لحم والى النور الذي بزغ من تلك المغارة لكي يبدد ظلمات هذا العالم .
نسألك يارب في هذه الأيام ان تلتفت الى هذه الأرض المقدسة التي تنزف دما وان تكون مع شعبنا في محنته وآلامه واحزانه فكن بلسما وتعزية للحزانى والمتألمين والمظلومين وخاصة في غزة .
اعطي يارب سلامك لارض متعطشة للسلام وامنح عدلك لأرض تفتقد العدالة وشعبها ينتظر الحرية والكرامة والانعتاق من الاحتلال .
سوف يكون عيدنا اجمل مع السلام والهناء والاستقرار ولن تكتمل فرحتنا بدون ان تعود الحرية لشعبنا ففي العيد وفي كل يوم هنالك في القلب غصة على دماء بريئة تسفك وابرياء يستهدفون بدم بارد دون أي وازع أخلاقي او انساني .
ارحمنا يارب فنحن بحاجة الى رحمتك امام هذه القساوة التي نعيشها ونلمسها حيث يعامل شعبنا بهمجية وعدوانية غير مسبوقة من قبل احتلال غاشم .

المطران عطا الله حنا 
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس 

القدس 5/12/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com