انوار الميلاد سوف تنتصر حتما على ظلمات هذا العالم ولا بد للحق ان ينتصر على الشر

كل التحية لسعادة رئيس بلدية بيت لحم الأخ ماهر قنواتي وكافة أعضاء المجلس البلدي في بيت لحم وكل التحية لمن شارك وساهم وعمل من اجل انجاز حفل اضاءة شجرة عيد الميلاد في باحة كنيسة المهد في بيت لحم .
لقد كان حدثا روحانيا إنسانيا وطنيا بامتياز والذين حضروا هذا الاحتفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلفة كانوا اكثر بكثير من أولئك الذين تواجدوا في باحة كنيسة المهد .
من حيث الاعداد والترتيب والتنسيق والاطلالات المتميزة التي شهدها الحفل انما هذه كلها تدل على اننا لم نكن امام مشهد اضاءة شجرة الميلاد فحسب بل امام مشهد ايماني روحاني وحدوي بامتياز .
إضافة الى الحضور الرسمي الفلسطيني كان هنالك تمثيل لكافة الكنائس المسيحية وهذا بحد ذاته رسالة في غاية الأهمية حتى وان تعددت التقاويم الكنسية الغربية والشرقية يبقى صاحب العيد واحد وتبقى مناسبة الميلاد مناسبة توحدنا وتقربنا مع بعضنا البعض في أجواء من الالفة والتفاعل والمحبة الحقيقية .
إضافة الى مشاركة اخوتنا المسلمين وكذلك من أتوا من القدس ومن الداخل الفلسطيني وكلهم جاءوا لكي يكونوا في هذا العرس وفي هذه الاحتفالية الروحية في مدينة الميلاد ولكي يكونوا شهودا على مناسبة لا يمكن ان تتكرر في أي مكان اخر لا سيما ان بيت لحم هي مدينة الميلاد واضاءة الشجرة تمت في مكان يبعد امتار محدودات عن المغارة التي شهدت هذا الحدث الخلاصي.
هذا الاحتفال كان فيه مزيج من الايمان والثقافة والفن والابداع ولم يتم تجاهل معاناة شعبنا لا بل كانت مناسبة تم فيها ابراز معاناة هذا الشعب فلم يكن احتفالا ومهرجانا دنيويا بل كان احتفالا حمل مضامين إنسانية بامتياز فيها التعبير عن عراقة الوجود المسيحي في هذه الأرض وفيه تأكيد على لحمة الفلسطينيين جميعا بكافة انتماءاتهم الدينية وفيه أيضا رسالة واضحة المعالم انه في فلسطين لا مكان للخطاب الاقصائي الهمجي العنصري الذي يبث سموم الكراهية والفتن ،ففلسطين هي ارض المحبة هكذا كانت وهكذا ستبقى والاصوات النشاز التي نسمعها هنا او هناك لن تؤثر على بهاء وجمال وقدسية هذه البقعة المباركة من العالم.
لقد كانت غزة حاضرة في هذه المناسبة وجميع الحاضرين الذين شاهدوا هذه المناسبة كانوا يرفعون الدعاء والصلاة من اجل غزة المنكوبة والمكلومة ومن اجل أهلنا الذين يعيشون هناك أوضاعا كارثية ومأساوية .
ان احتفال اضاءة شجرة عيد الميلاد في بيت لحم انما حملت الكثير من رسائل الامل والرجاء والصمود والثبات في زمن الحرب وفي زمن التآمر على الفلسطينيين وقضيتهم العادلة ووجود أصدقاء فلسطين في هذا الاحتفال الذين أتوا من مختلف ارجاء العالم وأولئك أيضا الذين شاركوا من مختلف العواصم العالمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي انما تشير الى رسالة واضحة بأن العالم الحر يقف مع فلسطين ويناصر الشعب الفلسطيني في قضيته واضاءة الشجرة هي مناسبة لكي نقول معا وسويا بأن انوار الميلاد سوف تغلب ظلمات الكراهية والاستبداد والاحتلال والممارسات الظالمة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني .
كم انتِ جميلة يا بيت لحم في كل الأيام وفي كل الأوقات ولكن ليلة اضاءة الشجرة تجلت بيت لحم بأبهى صورها فالكلمات المعبرة التي قيلت والحضور المميز الذي كان اكد للعالم بأسره بأن شعبنا لن يموت وقضيتنا الوطنية العادلة لا توجد هنالك قوة قادرة على تصفيتها وانهاءها فهي قضية شعب حي يعشق الحياة والحرية والكرامة .
رسالة الكنائس في هذه الاحتفالية كما وفي كل الاحتفالات في هذه الأيام حيث لا يخلوا يوم من احتفال اضاءة شجرة هنا او هناك او احتفال ميلادي هنا وهناك ورسالة هذه الفعاليات هي رسالة مسيحيي هذه الديار وكنائسهم العريقة بأننا هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون .
هنا باقون وسنبقى نضيء اشجارنا ونقرع أجراس كنائسنا وننادي بثقافة المحبة والاخوة والسلام والرحمة .
هنا باقون وسيبقى المسيحيون في هذه الديار وان كانوا قلة في عددهم سيكونون دوما ملحا وخميرة لهذه الأرض جنبا الى جنب مع اخوتهم وشركاءهم في الانتماء الإنساني والوطني الاخوة المسلمين .
هنا باقون والمسيحيون في هذه الديار ليسوا جالية او اقلية او بضاعة مستوردة من أي مكان ، فهنا مقدساتنا وهنا وطننا ومن هنا انطلقت رسالة الايمان الى مشارق الأرض ومغاربها وسيبقى المسيحيون أوفياء وامناء لانتماءهم الايماني الروحاني والإنساني والوطني العميق ولن يتخلوا عن جذورهم واصالة وجودهم في هذه الأرض المقدسة .
عاشت بيت لحم ومغارة ميلادها والتي منها انبعث نور الخلاص لكي يبدد ظلمات هذا العالم ، عاشت مدينة القدس واشجارها المضاءة واولا وقبل كل شيء قبرها المقدس وكنيسة القيامة المجيدة فيها والتي تذكر العالم بأسره بأن هذه هي اقدس مدينة في العالم .
عاشت ناصرة الجليل والتي تستعد لاضاءة شجرة عيد الميلاد لكي يكون هنالك اللقاء الروحاني والوطني الأصيل بين مكان البشارة ومكان الميلاد وهي مسيرة خلاص ومسيرة محبة وانتماء انساني اصيل .
وفي هذه الأيام التي تشهد الاحتفالات الميلادية في كل مكان نقول : بـأننا مع شعبنا في آلامه واحزانه ومعاناته ومعه في نضاله من اجل الحرية وسنكون معه حتما في اليوم الذي فيه سيتحرر هذا الشعب من الاستعمار والاحتلال والبعض يقولون ان هذا امرا مستحيلا في ظل ما نشهده من تآمر وتخاذل وعدوانية احتلالية ، وأنا أقول امام الشعب المكافح والمناضل لا توجد هنالك مستحيلات فمهما طال الزمان لا بد لهذا الشعب ان ينعم بالحرية التي يستحقها والاحتلال الى زوال .
ان وحشية وهمجية الاحتلال التي يراها العالم جعلت الكثيرين في هذا الكون يلتفتون الى فلسطين ويتضامنون معها ويعبرون عن وقوفهم الى جانب شعبنا .
وامام شجرة الميلاد المضاءة في بيت لحم والقدس وفي الناصرة وفي كل البلدات نهتف معا وسويا قائلين : بأن نور الميلاد سوف يغلب شرور كل هذا العالم وانوار الميلاد تظلل هذه الأرض المقدسة عسى يأتي ذلك اليوم الذي فيه نشهد حرية كاملة وانعتاقا من الاحتلال لشعب عانى وما زال يعاني من القمع والظلم والاستبداد.
سلام لكل الاسر المكلومة بفقد ابناءها وشهداءها ، سلام لشعب يعيش المظالم في كافة تفاصيل حياته ، سلام لغزة المنكوبة والمكلومة مع ادعيتنا وصلواتنا من اجل أهلنا هناك والذين يعيشون أوضاعا مأساوية كارثية .
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 8/12/2025



