الذكاء الاصطناعي من الإبداع إلى الابتلاع..الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر أبو نحل

نعيش في زمن يتسارع، ويتصارع فيه كل شيء من حولنا؛ خاصة مع التطور التقني الكبير، والرهيب من حولنا، ونحن نشاهد تحول الأمور، وتغيرها من الاعتماد الكُلى على الإنسان إلى الاعتماد بشكلٍ أكبر على الألة “المكننة، أو الرجل الألى الرُبورث”!. ونلاحظ استبدال، واحلال الآلات للعمل بدل الإنسان بصورة مُتسارعة، ويكأنهُ يتم تجريد الإنسان من فاعليتهِ، وتفكيره العميق، ليصبح من مُفكر، ومبدع، وفاعل، ومؤثر، وصانع للقرار، وللمحتوى، إلى مفعول به، وإلى الركود الفكري، والخمول والجمود، والإحباط النفسي، وكل ذلك يتزامن مع محاولات مُريبة، وغريبة، وعجيبة تعمل على تغريب، وتغييب العقل العربي، وتغريب لغتنا العربية لغة القرآن الكريم، واحلال بدلاً عنها اللغة الأجنبية؛ وصرنا بحاجة ماسة إلى تزكية وتنمية، وتعريب العقل العربي، وإقناع الناس أنه لا إبداع، ولا ابتكار من خلال الاعتماد الشامل، والكُلى على إجابة الذكاء الاصطناعي على تساؤلاتنا؛ ولا رفعة لنا، ولا معرفة إلا إذا تعلمنا فنون، ومناهج، وأساليب، وبلاغة، ومنطق، ونحو وصرف، وأدب اللغة العربية العظيمة، لغة القرآن الكريم، وكيف نتبحر، ونبحُرُ فيها، ونغير في ألية الذكاء الاصطناعي ليكون في خدمة هويتنا الثقافية العربية الإسلامية، والعمل على تقوية وتعزيز، وتمكين لغتنا العربية للناطقين ولغير الناطقين بها. وهنا لابد لنا من إطلالة موسعة نُبحر من خلالها على تعريف بصورة مبسطة، وبشكل مُباشر الذكاء الاصطناعي (AI) هو: ” فرع من علوم الحاسوب يهدف لتمكين الآلات من محاكاة القدرات الذهنية البشرية كالتعلم، حل المشكلات، اتخاذ القرارات وفهم اللغة، من خلال تحليل البيانات الضخمة، والتعرف على الأنماط لتقديم سلوك ذكي، وتتمثل مهامه في أتممة المهام المعقدة، وتقديم التنبؤات، وتوليد المحتوى الأصيل عبر تطبيقات واسعة في الرعاية الصحية، النقل، والخدمات المالية”. ولتعريف الذكاء الاصطناعي بمفهوم شامل عما سبق هو: “هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على أداء مهام تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا، مثل الإدراك، الاستنتاج، التعلم، والتكيف”. وأما الهدف الظاهر غير الباطن منه فهو بناء “عملاء أذكياء” يمكنهم استيعاب بيئتهم واتخاذ الإجراءات المثلى لتحقيق أهدافهم؛ والذكاء الاصطناعي يعتمد في التقنيات الأساسية على التعلم الآلي (ML) والتعلم العميق (Deep Learning) لمعالجة البيانات وتحديد الأنماط؛ وأما عن مهام ووظائف الذكاء الاصطناعي فهي التعلم من البيانات؛ وعبر استيعاب كميات هائلة من البيانات (نصوص، صور، صوت) والتعلم منها لتطوير الأداء؛ وفهم اللغة، ومعالجتها: فهم اللغة البشرية (مكتوبة ومنطوقة)، والاستجابة لها، كما في المساعدين الصوتيين؛ والتعرف على الأنماط من خلال تحديد الاتجاهات، والأنماط والعلاقات في البيانات للتنبؤ بالأحداث المستقبلية، واتخاذ قرارات محسوبة ومستقلة بناءً على التحليل، مثل التوصية بالمنتجات أو كشف الاحتيال، وإنشاء محتوى جديد، صور، نصوص، وفيديوهات (الذكاء الاصطناعي التوليدي)؛ وتعزيز الرؤية الحاسوبية من خلال تمكين الآلات من “رؤية” وتحديد الأشياء في الصور والفيديوهات، وإتمام، وتنفيذ، وأداء مهام معقدة بشكل مستقل، مثل قيادة السيارات ذاتية القيادة؛ ويستخدم في مجالات وتطبيقات كثيرة مثل عملية الرعاية الصحية وتحليل السجلات الطبية لتشخيص الأمراض، والنقل، والمركبات ذاتية القيادة، وأنظمة تحديد المواقع، ويستخدم في معالجة البيانات المالية والمحاسبة، وتحليل السجلات المالية، وكشف الاحتيال، والتنبؤ بالاتجاهات، والتسويق، وتخصيص الحملات التسويقية، وتقديم توصيات للمنتجات، وخدمة العملاء، من خلال روبوتات الدردشة (Chatbots) والمساعدون الصوتيون؛ ولذلك يعتبر الذكاء الاصطناعي حاليًا هو واحد من أكثر التقنيات التحويلية في العصر الحديث؛ كما أنها كما يقول المختصون واحدة من أكثر اضطرابات التكنولوجيا سرعة على الإطلاق، وهنا لابد من طرح التساؤل كيف نشأ الذكاء الاصطناعي، وماذا يفعل للأعمال؟ ونقول حسب المعلومات المتوفرة عن الموضوع: “نشأ مصطلح الذكاء الاصطناعي في عام 1956 في مؤتمر علمي في كلية دار تموث، أحد الآباء المؤسسين لمنظمة الذكاء الاصطناعي مارفن مينسكي، وصفه بأنه “علم صنع الآلات يقوم بأشياء تتطلب الذكاء أكثر مما يقوم به الرجال”؛ ويوجد ثلاثة أنواع رئيسية من الذكاء الاصطناعي، وأما على المستوى الأساسي، فهناك ثلاث فئات من الذكاء الاصطناعي وهي: الأول الذكاء الاصطناعي الضيق (المعروف أيضًا باسم الذكاء الاصطناعي الضعيف): نظام الذكاء الاصطناعي المصمم لأداء مهمة محددة أو مجموعة من المهام. هذا هو نوع الذكاء الاصطناعي المستخدم في التطبيقات الحالية. إنها تسمى ضعيفة ليس لأنها تفتقر إلى القوة أو القدرة، ولكن لأنها طريق طويل من وجود الفهم البشري أو الوعي الذي نربط بالذكاء الحقيقي، وهذه الأنظمة محدودة في نطاقها وليس لديها القدرة على أداء المهام خارج مجالها المحدد، ومن أمثلة الذكاء الضيق مساعدي الصوت، والتعرف على الوجه والكلام، والسيارات ذاتية القيادة. ثانيًا: الذكاء الاصطناعي العام (المعروف أيضًا باسم الذكاء الاصطناعي القوي): نظريًا، نظام الذكاء الاصطناعي الذي سيكون قادرًا على أداء أي مهمة فكرية بنجاح يمكن للإنسان القيام بها – ربما أفضل حتى من قدرة الإنسان. مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي الضيقة، ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة من التعلم من الخبرة وتحديد الأنماط والتنبؤ بها، ولكن سيكون لديها القدرة على اتخاذ الأمور خطوة أخرى، واستقراء تلك المعرفة عبر مجموعة واسعة من المهام والمواقف التي لا تتناولها البيانات المكتسبة سابقا أو الخوارزميات الموجودة، ولا يوجد حتى الآن الذكاء الاصطناعي العام، على الرغم من وجود بحث وتطوير مستمر في هذا المجال مع بعض التقدم الواعد؛ وثالثًا: الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء (Superintelligent AI): يعرف نظام الذكاء الاصطناعي بأنه وعي ذاتي بالكامل ويتجاوز ذكاء البشر نظريًا، وهذه الأنظمة سيكون لديها القدرة على تحسين نفسها واتخاذ القرارات مع الذكاء فوق مستوى الإنسان. وبعيدًا عن محاكاة السلوك البشري أو تحديده ببساطة يمكن للذكاء الاصطناعي فائق الذكاء استيعابه على مستوى أساسي، ومع تمكينها من هذه السمات البشرية – وزيادة زيادتها بالمعالجة الضخمة والقوة التحليلية – يمكن أن تتجاوز قدرتنا الخاصة بكثير إذا تم تطوير نظام الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء يمكن أن يغير مسار التاريخ البشري، ولكن حاليا هو موجود فقط في الخيال العلمي، ولا توجد طريقة معروفة لتحقيق هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي؛ في حين أن جوهر ذلك التعريف ينطبق اليوم، إلا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة قد تطورت لإظهار قدرات حل المشكلات لمهام مثل الإدراك البصري، التعرف على الكلام، التخطيط، صنع القرار، والترجمة بين اللغات، ويمكنهم معالجة تيرابايت البيانات والرؤى في الوقت الفعلي، وإثبات أنفسهم كتقنيات مرنة وسريعة الاستجابة تزيد من قدرات المستخدمين البشريين وتزيد من الكفاءة والإنتاجية والرضا في مكان العمل؛ ولزيادة المعرفة عن عمل الذكاء الاصطناعي فإنه يعمل من خلال: “التعلم الآلي (ML) هي مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي تمكن أنظمة الكمبيوتر من التعلم والتحسين من الخبرة أو البيانات، وتضم عناصر من مجالات مثل علوم الإحصاء، وعلم الأعصاب والاقتصاد، ومن خلال تطبيق الخوارزميات على أنواع مختلفة من أساليب التعلم وتقنيات التحليل؛ وكذلك من خلال الشبكات العصبية هي مكون أساسي من عناصر الذكاء الاصطناعي، المستوحاة من بنية ووظيفة الدماغ البشري؛ وهذه النماذج الحسابية متعددة الطبقات لها عقد تتجمع معا مثل الخلايا العصبية في دماغ بيولوجي. كل عصبون اصطناعي يأخذ مدخلات، ويقوم بعمليات رياضية عليه، وينتج مخرجا يتم تمريره بعد ذلك إلى طبقات لاحقة من الخلايا العصبية عبر معالجة سريعة متوازية. خلال التدريب، تقوم الشبكات العصبية بتعديل قوة الروابط بين الخلايا العصبية بناءً على أمثلة في البيانات، مما يسمح لها بالتعرف على الأنماط، ووضع التنبؤات، وحل المشكلات، ومن خلال التعلم العميق (DL) هي مجموعة فرعية تركز على البيانات من تدريب الآلة تستخدم الشبكات العصبية ذات الطبقات المتعددة (العميقة) لمعرفة واستخراج الميزات من كميات هائلة من البيانات، والذكاء الاصطناعي التوليدي (gen AI) هو نوع من التعلم العميق الذي يستخدم نماذج الأساس مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) لإنشاء محتوى جديد العلامة التجارية – بما في ذلك الصور والنص والصوت ومقاطع الفيديو، ورمز البرمجيات – على أساس بيانات التدريب الخاصة بهم؛ وقد تجاوزت تقنيات الذكاء الاصطناعي مرحلة التبني المبكر وأصبحت الآن سائدة في العديد من تطبيقات الأعمال، كل ما سبق لا يعفى الذكاء الاصطناعي من العيوب ومن أبرز عيوب الذكاء الاصطناعي حسب المختصين بالحاسوب، وبعض العلماء في هذا المجال قالوا: “من عيوب الذكاء الاصطناعي تشمل مخاطر الخصوصية، فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، التحيز الخوارزمي، الافتقار للإبداع والعواطف البشرية، التكاليف المرتفعة، خطر إساءة الاستخدام مثل: الأسلحة ذاتية التشغيل، والتزييف العميق”، والاعتماد المفرط الذي يضعف المهارات البشرية، بالإضافة إلى صعوبة فهم آليات اتخاذ القرار وتحديات السيطرة على الذكاء الفائق ومخاطر الخصوصية وأمن البيانات: جمع كميات هائلة من البيانات الحساسة يزيد من خطر الاختراق والتسريب وفقدان الوظائف: الأتمتة قد تؤدي إلى استبدال البشر في العديد من المهام، مما يتطلب إعادة تدريب القوى العاملة والتحيز والإنصاف: الأنظمة قد تعكس وتضخم التحيزات الموجودة في بيانات التدريب، مما يؤدي إلى قرارات غير عادلة والافتقار للإبداع والعاطفة: يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الإبداع الأصيل والتعاطف البشري اللازم لاتخاذ القرارات الحساسة، رغم قدرته على محاكاة المشاعر، والتكلفة العالية: تطوير وتنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مكلفًا للغاية في البداية. وإساءة الاستخدام والتزييف: تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم لإنشاء محتوى مزيف (التزييف العميق) أو تطوير أسلحة ذاتية التشغيل خطيرة؛ والاعتماد المفرط: الاعتماد الزائد على التكنولوجيا قد يقلل من المهارات البشرية الأساسية في اتخاذ القرار والتفكير النقدي؛ ومشاكل الشفافية وقابلية التفسير: قد يكون من الصعب فهم كيف توصلت أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى قرار معين، مما يقلل من الثقة؛ وأهم عيوبه هو خطر الخروج عن السيطرة: هناك مخاوف نظرية من أن الذكاء الاصطناعي الفائق قد يتجاوز سيطرة البشر ويصبح من الصعب التنبؤ به أو التحكم فيه؛ وفي مسك الختام أورد مقولة العالم العلامة الكبير، ومشرفنا السابق على أطروحة الدكتوراه عميد كلية التربية الأسبق في جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور/ على أحمد على مدكور طيب الله ثراه، ورحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، قال في أحد كُتبه من مؤلفاته، وله الكثير من الكتب قال: ” في عصر يكاد ينعدم فيه اليقين، ويكاد يستحيل فيه تصور” الواقع الافتراضي” للمستقبل… عصر يلهث فيه قادمة يكاد يلحق بسابقة، وتتهاوى فيه النظم والأفكار، على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أْوج جِدَتها…عصر تتآلف فيه الأشياء مع أضدادها؛ في هذا العصر يصبح التمسك بالثوابت الدينية، والخصوصية الإسلامية والعربية هو العاصم الوحيد من الوقوع في الفوضى الشاملة، والانهيار الكامل”()، “ويبدو بصفة عامة أن الإنسان مند نشأتهُ قد أحاطت به العديد من المشكلات التي ينبغي عليه، أن يواجهها ويعمل على إيجاد حلول مناسبة لها، وهذه المُشكلات متعددة شأنها شأن الحياة نفسها”؛ وكأنه رحمه الله كان يتكلم عن زماننا وعن الذكاء الاصطناعي وما له من إيجابيات وما عليه من مشاكل وسلبيات تحتاج منا إلى الكثير من التفكُر، والتفكير، والتأمل، والبحث، قبل الغوص في بحر الذكاء الاصطناعي اللُجي المتلاطم الأمواج العميق، والذي يحتاج للتدقيق.
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الأستاذ، والمحاضر الجامعي غير المتفرغ/ غزة ــ فلسطين
رئيس الاتحاد العام للمثقفين، والأدباء العرب بفلسطين
dr.jamalnahel@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com