نبض الحياة.. إعادة اولويات الاستراتيجية الأميركية.. عمر حلمي الغول

السنة الأولى من الولاية الثانية لإدارة الرئيس دونالد ترمب، حملت الكثير من التحولات والانقلابات الدراماتيكية على المستويين الداخلي والخارجي، في السياسة والدبلوماسية والأمن والتعليم والصحة والاقتصاد والعلاقات الدولية، بما في ذلك التغول على الدولة العميقة واستباحة حزبها الجمهوري، الذي بات اسيرا وخاضعا لهيمنت ترمبالكلية، وآخر ما تفتقت عنه سياسات الصدمة الترمبية، كان تغيير قواعد الاستراتيجية الأمنية الأميركية في العالم هذا العام، التي أصدرها في وثيقة رسمية يوم الجمعة 5 كانون اول / ديسمبر 2025، وحملت في ثناياها بناء هندسي جديد ونوعي للذات الأميركية ولمركبات الأولويات في التحالفات الإقليمية والدولية، وإن ما تضمنته الوثيقة المعلنة، مازال مبهما أو غير معلن، وخاصة في العلاقة مع دول اميركا الجنوبية، مع أنه في حقل الممارسة والتطبيق تجاه دول اميركا اللاتينية اليسارية واضحة وجلية في نطاق التطبيق والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية لتلك الدول وخاصة كولومبيا وفنزويلا وبنما والمكسيك وتشيلي والبرازيل، كما أن روسيا غابت عن دائرة الأعداء!؟
ما هي أولويات الاستراتيجية الجديدة:
حسب ما نشر من الوثيقة الأميركية: أولا أن الشرق الأوسط لم يعد محور الاستراتيجية الأمنية الأميركية، ويعود ذلك جزئيا الى هيمنة الولايات المتحدة على قطاع الطاقة، و”تقدم عملية السلام” في المنطقة، ولافتراض البيت الأبيض، أن المنطقة أصبحت الآن “شريكا استثماريا وتجاريا.” وتضيف الوثيقة “بفضل قدرة الرئيس ترمب على توحيد العالم العربي في شرم الشيخ من اجل “السلام” والتطبيع، لم يعد الشرق الأوسط مصدر ازعاج دائم وكارثة وشيكة محتملة، بل أصبح مكانا للشراكة والصداقة والاستثمار.” ثانيا تعتبر الإدارة الأميركية، أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني “بينما لا يزال الصراع معقدا، فقد أُبلغ عن تقدم نحو سلام أكثر استدامة، بفضل وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن.” وهذا لا أساس له في الواقع؛ ثالثا لم تتوقف الوثيقة كثيرا أمام الدور الإيراني، “ولم تذكر إيران الا 3 مرات في التقرير – الوثيقة، نقلا عن “صدى نيوز”، ورغم انه ورد انها مازالت تعتبر المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة، الا أن ضعفها في الفترة 2023 – 2025، والناجم أساسا عن الإجراءات الإسرائيلية (وغيبت الوثيقة الدور العسكري الأميركي) سمح للولايات المتحدة بإعادة توجيه مواردها الى مجالات أخرى؛ رابعا وفيما يتعلق بأوروبا، تنتقد إدارة ترمب بشدة “التوقعات غير الواقعية” لدول القارة العجوز بشأن تسوية الحرب في أوكرانيا، وتؤكد على ضرورة الا يواصل حلف الناتو توسيع نطاقه ليشمل دولا أخرى؛ خامسا باتت تحتل الالوية في المواجهة الصين، وهو ما ذكرته الوثيقة، بتوجيه الموارد الى ساحات أكثر فاعلية، وهي تقصد التركيز على مواجهة الصين الشعبية، التي تعتبر العدو الأول للولايات المتحدة، لما تملكه من قدرات وامكانيات اقتصادية وتقنية تكنولوجية وأمنية عسكرية؛ سادسا لم تذكر روسيا الاتحادية في قائمة القوى المعادية، ولم يكن ذلك من باب المصادفة، أو التجاهل للدور الروسي، بقدر ما كان خطوة تكتيكية لفصل التحالف الصيني الروسي، وتقزيما للدور الأوروبي الغربي، وانقلابا على التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وبروكسل.
أوروبا تنتقد وثيقة إدارة ترمب:
ردا على ما تضمنته وثيقة الإدارة الأميركية بشأن مكانة ودور الاتحاد الأوروبي، فإن رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا قال في مداخلة في معهد جاك ديلور، أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يقبل “التهديد بالتدخل” في حياة أوروبا السياسية، وأكد أن الولايات المتحدة ” لا يمكن أن تحل محل المواطنين الأوروبيين لاختيار احزابهم الجيدة من احزابهم السيئة.” وانتقدت أوروبا ما تضمنته وثيقة إدارة ترمب بشدة، وما حملته من “التوقعات غير الواقعية” لدول القارة بشأن تسوية الحرب في أوكرانيا، وتؤكد على ضرورة الا يواصل الحلف (الناتو) توسيع نطاقه ليشمل دولا أخرى.
وكشفت الوثيقة، أن الاستراتيجية الجديدة تتحامل على أوروبا عبر التنديد بدولها، كونها “تقوض الحرية السياسية والسيادة”، وتفرض “الرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية وانهيار معدلات الولادة وخسارة الهويات الوطنية والثقة بالنفس” في القارة. وأكدت الولايات المتحدة، انها ستدعم معارضي القيم التي يقودها الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في مجال الهجرة.” حسب وكالة “فرانس برس”. وفي خطوة تجميلية من قبل كوستا، وتخفيف حدة الانتقادات المتبادلة بين الإدارة والاتحاد الأوروبي، قال “لا تزال هذه الاستراتيجية تتحدث عن أوروبا بصفتها حليفة، هذا جيد، لكن إن كنا حلفاء علينا التصرف كحلفاء”، مؤكدا أن على الحلفاء “احترام سيادة الاخر.”
العرب والصراع الفلسطيني الإسرائيلي:

في الشق الأول من الاستراتيجية الأميركية المتعلق بالهيمنة على الطاقة، وتحويل الدول العربية الى شريك استثماري وأمني تابع، هذا صحيح، بيد أنه جانب الصواب في القسم الثاني المتعلق بالسلام والتسوية السياسية. لأن خطته الموافق عليها من العرب والفلسطينيين ودول العالم، كان الهدف منها وقف الإبادة الجماعية وإدخال المساعدات الإنسانية كافة ووقف التهجير القسري وإعادة الاعمار، لكن خطته (ترمب) لا تحمل أفقا للسلام، والمشهد الماثل للعيان على مدار الشهرين الماضيين كشفت، ان إسرائيل لم تلتزم بما حملته الخطة ولا ما تضمنه قرار مجلس الامن 2803، ومازالت حكومة بنيامين نتنياهو تؤجج الوضع، وتدفع لهب الإبادة مجددا لإشعال نيرانها على الشعب العربي الفلسطيني، وبالتالي لا يمكن ان تقوم قائمة للسلام وفق قرارات الشرعية الدولية الا بإلزام إسرائيل باستحقاقات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، دون ذلك لا وجود للسلام.
بالمحصلة الاستراتيجية السنوية الجديدة فيها الكثير من النواقص والمثالب، وأجزم أن أي إدارة قادمة جمهورية أم ديمقراطية سترفضها، وتستبدلها باستراتيجية جديدة ومغايرة لما تبنته إدارة ترمب.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com