«مملكة يهوذا والسامرة».. الاستيطان غير الشرعي بين عجز القرارات الدولية وخطر الانزلاق نحو فوضى دينية مسلّحة

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

تمضي حكومة الاحتلال الإسرائيلي في ترجمة مشروع ما يُسمّى «مملكة يهوذا والسامرة» من خطاب أيديولوجي متطرف إلى واقع ميداني وقانوني مفروض بالقوة، عبر تسارع غير مسبوق في الاستيطان، وتسليح المستوطنين، ورعاية جماعات إرهابية منظمة كـ«شبيبة التلال»، في تحدٍّ صريح للشرعية الدولية، ولقرارات مجلس الأمن، وأحكام محكمة العدل الدولية.

ومنذ مطلع العام الجاري، دفعت حكومة الاحتلال بمخططات لبناء 29,311 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى الضم الفعلي للضفة الغربية، وتقويض أي إمكانية قانونية أو سياسية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

أولًا: عدم شرعية الاستيطان – موقف دولي واضح بلا تنفيذ

من الناحية القانونية، لا يترك القانون الدولي أي مجال للالتباس بشأن عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي. فقد أكد قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016) بشكل صريح أن:

> المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية، وتشكل انتهاكًا صارخًا بموجب القانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين.

وطالب القرار إسرائيل بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورًا، والامتناع عن أي إجراءات من شأنها تغيير التركيبة الديمغرافية أو الطابع القانوني للأراضي المحتلة.

كما أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن الجدار العازل (2004) أن:

الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، أراضٍ محتلة ، وأن بناء المستوطنات ونقل السكان المدنيين إليها يشكل خرقًا جسيمًا لاتفاقية جنيف الرابعة،، وأن على إسرائيل تفكيك البنى غير القانونية وتعويض المتضررين.

وتعزز هذا الموقف في الرأي الاستشاري اللاحق للمحكمة حول الآثار القانونية للاحتلال الإسرائيلي المستمر، والذي أكد أن الاحتلال وسياساته الاستيطانية غير قانونية بطبيعتها وطويلة الأمد، وترقى إلى نظام فصل وتمييز محظور دوليًا.

ثانيًا: قرارات بلا أسنان وإفلات من العقاب

رغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن الواقع يكشف أن قرارات الأمم المتحدة بلا آليات تنفيذ حقيقية، ما أفقد المنظمة الدولية جزءًا كبيرًا من مصداقيتها. فإسرائيل تواصل الاستيطان، وتصادر الأراضي، وتهجّر الفلسطينيين، دون أن تواجه أي إجراءات رادعة أو عقوبات عملية.

هذا العجز شجّع حكومة الاحتلال على  ؟؟  شرعنة البؤر الاستيطانية، توسيع صلاحيات المجالس الاستيطانية، فرض القوانين الإسرائيلية على المستوطنات، والمضي قدمًا في مشروع الضم الزاحف، في استهتار كامل بقرارات مجلس الأمن.

ثالثًا: تسليح المستوطنين ورعاية الإرهاب المنظم

الأخطر من الاستيطان ذاته، هو تحويل المستوطنين إلى ميليشيات مسلّحة. فقد أقدمت حكومة الاحتلال على:

توزيع السلاح على المستوطنين، توفير حماية عسكرية رسمية لهم، دعم جماعات متطرفة مثل «شبيبة التلال» التي تنفذ اعتداءات منظمة ضد الفلسطينيين، تشمل الحرق، والقتل، وتدمير الممتلكات.

إن هذا السلوك يرقى إلى رعاية رسمية للإرهاب، ويحوّل المستوطنات إلى بؤر عنف ديني منظم، تهدد ليس فقط الشعب الفلسطيني، بل الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

رابعًا: مشروع «يهودا والسامرة» كخطر إقليمي

إن مشروع إقامة «مملكة يهوذا والسامرة» لا يستهدف الأرض الفلسطينية فحسب، بل يسعى إلى:

فرض قراءة دينية متطرفة للصراع، تغيير الوضع القانوني والتاريخي للأراضي المحتلة، وإشعال صراع ديني مفتوح يمتد خارج حدود فلسطين.

ومع استمرار تهجير التجمعات الفلسطينية، ومصادرة الأراضي، وحصر الفلسطينيين في معازل لا تتجاوز 38% من مساحة الضفة، يتحول الاستيطان إلى أداة اقتلاع وإحلال سكاني، محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني.

خامسًا: الحاجة إلى موقف أممي حاسم تحت الفصل السابع

أمام هذا الانهيار في منظومة الردع الدولية، لم يعد كافيًا الاكتفاء ببيانات الإدانة. إن إعادة الاعتبار للأمم المتحدة تتطلب:

تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فرض عقوبات ملزمة على إسرائيل لوقف الاستيطان وإزالته، منع أي إجراءات تمهّد لإقامة «مملكة يهوذا والسامرة»، تجريم تسليح المستوطنين ودعم الجماعات الإرهابية الاستيطانية، وإلزام الدول بعدم تقديم أي دعم مالي أو سياسي أو عسكري للمستوطنات.

وعليه فإن الاستيطان الإسرائيلي، كما تؤكده قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، جريمة مستمرة وليست خلافًا سياسيًا. واستمرار الإفلات من العقاب لا يهدد فقط حقوق الشعب الفلسطيني، بل يضرب أسس النظام الدولي القائم على القانون.

فإما أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ويُخضع إسرائيل لإرادة الشرعية الدولية،

وإما أن يتحمل تبعات انهيار منظومة القانون الدولي، والانزلاق نحو صراع ديني وإقليمي مفتوح، ستكون كلفته على الجميع باهظة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com