ذاكرة مؤلمة بامتياز.. بقلم/ رامي الغف

حين أعود بالذاكرة، إلى السنوات العجاف المنصرمة، وأسترجع تلك الأيام من عمر انقسام شطري الوطن، لا أجد في ذاكرتي أي إنجاز يذكر سوى صور الموت والدمار والحروب، لدرجة إني أتمنى أن تُمحى كل تلك السنوات دفعة واحدة، لكن النسيان يأخذ وقتاً طويلاً، بل أن تلك الأيام تركت أثراً في نفس كل فلسطيني يشعر حقاً بانتمائه إلى هذا الوطن، والحديث هذا لا ينطبق على كل من ينتمي لحاشية الحكام، فهؤلاء المتهافتين والمنتفعين على القصاع، ليس لهم انتماء سوى للمصالح، متى ما رحل ولي نعمتهم التفوا حول غيره.

تزدحم الذاكرة بصور مؤلمة، عن الوطن الفلسطيني بأكمله، أرامل تتسول في الميادين والتقاطعات، أطفال يحملون بأيديهم علب صغيرة، من البسكويت يتجولون بين السيارات طلباً للرزق، تركوا المدارس وحملوا أعباء تثقل أكتافهم، أصوات الانفجارات التي أصبحت أبرز يوميات أهل غزة قوافل الشهداء اليومية، ومناظر الدم حين يصبغ شوارع غزة ورام الله والقدس، المتقاعدين الذين يقلبون الصحف بحثاً عن بارقة أمل بزيادة راتب، أو ربما سُلفة يمكن أن تؤمن له ثمن العلاج أو مصاريف دراسة الأبناء.

طوابير الشباب من الخريجين تقف على أبواب المؤسسات والوزارات، والدوائر الحكومية والأهلية والخاصة، يبحثون عن فرص عمل معلن عنها في موقع ما، أو عن طريق الصحيفة، ليجدوا في نهاية اليوم، أن الإعلان مجرد مسرحية، تم الاتفاق عليها مسبقاً، فيكون الشباب مجرد غطاء لأقارب المسئولين والمتنفذين، ممن خصصت الدرجات الوظيفية لهم مسبقاً، لذا يجد الخريجين أنفسهم مضطرين، أما للعمل في تنظيف الشوارع، أو البيع في المحال التجارية براتب بخس، لتتبخر كل أحلام ما قبل التخرج.

ننتقل بالذاكرة إلى صورة أكثر ألماً، أطفال أستشهد ذويهم، ومن كان مسئول عن إعالتهم، بسبب العمليات والعدوان والإبادة الصهيونية، ليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها يبحثون عن رغيف العيش، فلا يكفي أن الاحتلال حرمهم من الأب أو الأخ أو الأم التي كانت مسئولة، عن إعالة العائلة بعد أن ترملت مبكراً، ليجدوا أنفسهم انتقلوا بعد اليتم إلى التشرد والحرمان، فراحوا يفترشون، الأرصفة ويلتحفون السماء يطلبون العطف والإحسان، فقد يتمهم الاحتلال وشردهم الإهمال الحكومي.

الكهرباء بطبيعة الحال لن تصبح ذكرى نأمل أن تكون كذلك في الحكومة الجديدة، بل هي في الحقيقة كابوس يطارد أهل غزة على وجه الخصوص، تصريحات ووعود، تملأ وسائل الإعلام في الشتاء، لتتبخر جميعاً مع حلول الصيف اللاهب، بالتزامن مع شهر رمضان، الذي يحل منذ عدة سنوات موسم الصيف، فيصوم الشعب الفلسطيني، تحت حرارة الصيف، وعدم توفر الكهرباء والمياه.

بعد معاناة الكهرباء والماء والمواد البترولية يحل الشتاء، وطوال العام نسمع عن مشاريع وبرامج واستراتيجيات واستعدادات ووو، تغرق مع أول زخة مطر، بينما يجلس الساسة والقادة الأفذاذ، يتفرجون عبر الشاشات على انهيار السقوف الطينية، فوق رؤوس ساكنيها وغرق الأحياء والمخيمات المكتظة بمياه المجاري.

وسط كل تلك الصور المؤلمة، تبقى صور الحرب الأخيرة على غزة، وهي الأكثر ألماً وحسرة، وما تبعها من صور المهجرين والنازحين والشهداء والجرحى والأرامل والبيوت المهدمة والأحياء المدمرة، والمزادات التي أقيمت لإعادة الإعمار، تلك الصور لم تصبح ذكريات بعد، بل هي يوميات ما زلنا نعيشها ونستيقظ بها على أنين المشردين بالمدارس والمؤسسات.

تلك أبرز يوميات الشعب الفلسطيني، طوال سنوات عمر الانقسام البغيض، لتبقى تلك الذكريات المريرة، والسنوات الأكثر مرارة، فجوة في ذاكرة التاريخ الفلسطيني نأمل أن تُمحى، بعد انتهاء الحرب على غزة وإتمام ملف المصالحة وتشكيل الحكومة التي نأمل أن ينتفع أعضاؤها من أخطاء من سبقهم، فالشوارع امتلأت بالعائلات المهجرة والمدارس والمستشفيات والخيام أصبحت ملاذ المشردين عن بيوتهم المدمرة والمقابر قد امتلأت من الشهداء والمشافي ازدحمت بالجرحى والمعاقين ولون الحداد في غزة هو الأبرز، في يوميات أهل غزة والوطن الفلسطيني بحاجة لسنوات وسنوات لإعادة ما دمره الاحتلال.

*آخر الكلام/
اعملوا جميعا من اجل فلسطين الموحدة المستقلة قبل فوات الأوان فإن الفرص تمر مرور السحاب.

الإعلامي والباحث السياسي

الانتخابات القادمة ورسم الواقع الديمقراطي في فلسطين

بقلم / رامي الغف*

بكل فخر، ازعم انني اول من دعوت الى انتخابات فلسطينية مبكرة كأفضل طريق نتجاوز فيها كافة المعاناه والهموم التي يعانيها المواطن الفلسطيني، وخاصة المشاكل العقيمة المتمثلة بالإنقسام الجغرافي والسياسي الجاري في الوطن الفلسطيني، وكان ذلك بعيد تشكيل حكومة التوافق التي تجمعت اوصالها على اساس المحاصصة بأضيق معانيها، لدرجة ان افضل وصف يمكن ان نطلقه عليها كونها حكومة محاصصات وكيانات بامتياز.

ولم تكن الدعوة عبثية او لتلهية للجماهير الفلسطينية او لقضاء الوقت، ابدا، وانما هي طريقة تلجا اليها الكثير من الشعوب التي تعيش في ظل الانظمة الديمقراطية، عندما تشعر بان حكومتها او برلمانها او حتى السياسيين والزعماء وصلوا الى طريق مسدود، وذلك عندما يكون حاصل الجهد السياسي والتشريعي المبذول على مختلف الاصعدة يساوي صفرا، وهو حال الوطن اليوم الذي يدور فيه القادة وأصحاب القرار التنفيذي والسياسي في حلقة مفرغة بلا نتيجة، يختلفون على كل شيء ولا يتفقون على شيء، لدرجة ان العملية السياسية الفلسطينية برمتها كادت ان تكون مقفلة ومتجمدة عند نقطة معينة، ما سبب بكل هذا التدهور الامني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والخدمي.

ان احد المطالب الجوهرية للانتخابات هو التغيير نحو الأفضل، الذي يمكن ان يضمن تحققه بالمشاركة أولا وحسن الاختيار ثانيا، ومعنى ذلك ان الانتخابات هي الالية الأساسية لتكوين حكومة قوية ونزيه ومهنية وصالحة ومجلس تشريعي يقوم بدوره كما يفترض وفق الدستور ومصالح الناس، وأن تكون هناك مجالس بلديات وقروية تخرج الجماهير من معاناته اليومية التي يعانيها ليل نهار، وان يكون هناك نمط من التجديد بالنسبة إلى مجمل الوضع الحكومي وفق ما ترغب به الجماهير، وان التغيير المطلوب هو ذلك التغيير الذي يكون شيئا صحيحا ومناسبا ومفيدا للوطن وجماهيره بصورة عامة.

ان على الجماهير الفلسطينية ان يعتقدوا بصندوق الاقتراع كأفضل وأحسن آلة لتحقيق التغيير، شريطة ان يمارسوا التغيير من خلاله، بالفعل وليس بالتمنّي، اما اذا وقفوا أمامه ليعيدوا استنساخ الوضع بحجة او باخرى، فان التغيير سوف لن يحصل ابدا، فالعبرة ليست في صندوق الاقتراع وإنما فيما يضع فيه الناخبون من آراء وأصوات، فمثله كمثل الحاسوب، فهو يُنتج لك على أساس التغذية التي قدمتها له، فهو لا ينتج من عنده، ولا يفكر بالنيابة عنك، ابدا، فهو نتيجة لتغذية معينة، وهكذا هو صندوق الاقتراع، فهو نتيجة لخيارات الناخبين، فإذا لم يغيروا شيئا من خلاله، فانه سوف لن يعطي نتائج مغايرة لما وضع فيه الناخبون من آراء وأصوات.

فالانتخاب هو ارادة الجماهير التي ينظمها الدستور فهو سلطة قانونية مصدرها الاساس الدستور الذي يقوم بتنظيمها من اجل ضمان اشتراك المواطنين في اختيار المسؤول بكل حرية دون تدخل السلطة المركزية وفقاً لما يرونه مناسباً لتحقيق امالهم وتطلعاتهم، وهي في الانظمة الديمقراطية ومنها فلسطين لا تقتصر على الانتخابات الرئاسية او التشريعية وإنما تشمل الانتخابات في مجالس المحافظات والمجالس البلدية في الاقضية والنواحي، وهذا النهج يتيح للمواطن التعبير عن رأيه بكل حرية ومن ثم اختيار من ينوب عنه في ادارة الوطن او المحافظة او الناحية، وله الحق في توجيه الانتقاد او الدعم للنائب الذي بدوره يعمل من اجل التعبير عن مصالح الدائرة الانتخابية التي جاء منها والتعبير عن الصالح العام قبل ذلك.

إن انتخابات المجالس البلدية والقروية التي ستشهدها فلسطين قريباً تمثل حجر أساس في بناء الديمقراطية الجديدة وهي تمهيد للانتخابات التشريعية، والتي من الممكن ان تغير خارطة الوجود والتحرك السياسي في فلسطين من خلال ظهور دماء جديدة وكفوءة وصادقة ومخلصة، وتتمتع بالنزاهة والحرص على قيادة الوطن نحو بر الآمان.

إن الحراك السياسي المتمثل بانتخابات المجالس البلدية والقروية من شأنه التأسيس لمرحلة مفصلية في حياة فلسطين السياسية لجهة تحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية وإغناء العمل والتطوير في الوطن ولاسيما أن هناك أحزاباً سياسية دخلت الانتخابات وتتنافس على المفترض ان يكون الخدمة مقدمة اهدافها، والشعارات التي رفعت الأمر الذي يبشر بولادة مجالس محافظات جديدة قائم على مبدأ التعددية السياسية ما يبشر بمرحلة جديدة تتطلع فيها الجماهير الفلسطينية إلى المستقبل بتفاؤل يسود فيه العمل من أجل الوطن والمواطن ومعالجة هموم المواطن على كافة الأصعدة مع الحفاظ على التعايش السلمي بين مكونات الوطن ووحدة أراضيه من خلال العمل الأمثل فيها.

دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس كانت واضحة تماماً على ضرورة المشاركة الواسعة والمكثفة في الانتخابات بانتخاب الاكفأ والانزه والاحرص على وطنه، وهي خالية البتة من الدوافع الحزبية والفصائلية والطائفية والجهوية، بل نراها بالعكس من ذلك مبتنية على رص الصفوف والوحدة الوطنية والوقوف بشكل حازم ضد جميع النعرات العنصرية والحزبية المقيته وكل ما من شأنه أن يفرق الجمع ويبدد الشمل، وفيما يتعلق بالانتخابات فهي دائما تدعو العقلاء في أن يدخلوا حلبة التنافس، لأن تنافسهم هو تنافس أن يحسن اختيار الجهة التي تطور وطنهم، وبصراحة أن معظم محافظاتنا ومدننا وقرانا ومناطقنا بحاجة إلى اعمار حقيقي وهي حاليا خارجة عن الخدمة، فإنها تحتاج إلى شبابية، تحتاج إلى حملة واسعة في كل مفاصل المحافظات والمدن سواء كانت الخدمية أو التطورية والإعمار والبناء والتعمير، لاستقلال وتقدم فلسطين من شمالها إلى جنوبها، والصلاحيات المعطاة إلى المجالس البلدية والقروية يجب أن تستغل بالشكل الأمثل، وعلى الجميع أن يفكر كيف يقدم الخدمة للمواطن والوطن، فإنه يتحقق بمجرد توجيه عام لعقلاء المحافظات والمجتمعات الفلسطينية.

وأصبح من المعلوم أن الناخب الفلسطيني لديه خبرة كافية لانتخاب الأكثر نزاهة والأكثر كفاءة لإسداء الخدمة للوطن والمواطن، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن تجرى الانتخابات بشفافية ونزاهة ويعطى الناخب من خلالها الحرية الكاملة في انتخاب من يضمن حقوقه المشروعة، وحصول مثل هكذا انتخابات ليس صعب المنال وإنما بحاجة إلى تثقيف الناخب والمرشح، فالناخب ينبغي أن يكون على مستوى من المسؤولية لانتخاب من تتوفر فيه المواصفات التي تؤهله للخدمة بعيدا عن كل الميول الأخرى، والمرشح ينبغي أن يكون واعياً تماماً لما يختار من شخصيات كفوءة قادرة على قيادة المجالس البلدية والقروية نحو التطوير والانماء والأخذ بيد الوطن الفلسطيني لإيصاله إلى شاطئ الاستقلال والأمن والتطور والازدهار.

إن البرنامج الناجح هو الذي يلمس المواطن مصداقيته حاضرا ومستقبلا وهو بلا شك أفضل من استخدام الصور والشعارات المخدرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي الوقت نفسه نرى أن الذي يثير المشاعر المجردة في حملاته الانتخابية في الأعم الأغلب خالي الوفاض من أي مشروع حضاري للتغيير نحو مستقبل واعد، وهو مطمح كل فلسطيني غيور وشريف.

*آخر الكلام/

أيها الجماهير الفلسطينية، تعالوا، إذن، نمارس التغيير من خلال صندوق الاقتراع وننتخب الحر والشريف والنزيه والمخلص لكم ولوطنكم ولقضيتكم العادلة.

*إعلامي وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com