تنفيذ حلّ الدولتين ، بناءً على «خطة ترامب»: بين الممكن والمتاح والمطلوب ..!.. بقلم : د. عبدالرحيم جاموس

يشهد ملفّ حلّ الدولتين عودة حذِرة إلى الخطاب السياسي الدولي في ظلّ تحوّلات إقليمية ودولية عميقة، ووسط إعادة ترتيب للأولويات الأميركية في المنطقة.
غير أنّ هذا الحضور المتجدّد لا يعكس بالضرورة اقترابًا من التنفيذ، بقدر ما يكشف عن محاولة لإعادة ضبط الصراع ضمن سقوف سياسية وأمنية تخدم توازنات قائمة، أكثر مما تستجيب لحقوق وطنية ثابتة.
تنطلق المقاربة الأميركية، تاريخيًا، من منطق المصالح لا من مرجعيات القانون الدولي.
فالولايات المتحدة تنظر إلى الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بوصفه مصدرًا مزمنًا لعدم الاستقرار، لكنها في الوقت ذاته تجعل من أمن إسرائيل وتفوقها مرتكزًا لا يقبل المراجعة.
ومن هنا، يصبح «الممكن» في الحسابات الأميركية هو أي صيغة تُخفّف التوتر، وتمنع الانفجار الإقليمي، دون أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في موازين القوة القائمة.
في هذا السياق، جاءت «خطة ترامب» لتجسّد هذا المنطق بأوضح صوره.
فهي لم تنطلق من قرارات الشرعية الدولية، ولا من مبدأ إنهاء الاحتلال، بل من تكريس الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض.
وقدمت تصورًا لكيان فلسطيني محدود الصلاحيات، منزوع السيادة الأمنية، ومجزّأ جغرافيًا، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على الحدود، والقدس، والموارد الحيوية.
وبهذا المعنى، لم تكن الخطة مشروعًا لتنفيذ حلّ الدولتين، بل إطارًا لإدارة الصراع وتقليل كلفته السياسية والأمنية.
غير أنّ المتاح فعليًا اليوم بات أكثر ضيقًا من أي وقت مضى.
فالاستيطان المتسارع، وتفتيت الجغرافيا الفلسطينية، واستمرار تهويد القدس، وعزل قطاع غزة، كلها عوامل تُقوّض الأسس المادية والسياسية لأي دولة فلسطينية قابلة للحياة.
كما أن غياب أفق سياسي حقيقي، واستمرار السياسات الإسرائيلية الأحادية، يجعلان الحديث عن التنفيذ دون ضغط دولي فعّال أقرب إلى وهم سياسي منه إلى مسار قابل للتحقق.
في المقابل، لا يمكن تجاهل العامل الفلسطيني الداخلي بوصفه عنصرًا حاسمًا في معادلة الممكن والمتاح.
فإقناع الإدارة الأميركية أو غيرها بجدوى حلّ الدولتين يتطلب شريكًا فلسطينيًا موحّدًا، يمتلك برنامجًا سياسيًا واضحًا، ومؤسسات قادرة على الفعل، وخطابًا عقلانيًا يربط بين الحقوق الوطنية والمصالح الدولية، دون وحدة سياسية ورؤية جامعة، يبقى الموقف الفلسطيني ضعيف التأثير، مهما بلغت عدالة قضيته.
أما «المطلوب» فلسطينيًا ودوليًا، فيتجاوز التكيّف مع الواقع القائم إلى إعادة تعريف شروط الحلّ…
وهذا يبدأ بالتمسك بمرجعيات الشرعية الدولية، ورفض أي صيغة تنتقص من السيادة الفلسطينية، أو تحوّل الدولة المنشودة إلى كيان وظيفي بلا مقومات سياسية حقيقية.
كما يشمل العمل على تدويل الصراع بصورة متوازنة، تستثمر التحولات في الرأي العام العالمي، والاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية، دون الانزلاق إلى سياسات صدامية غير محسوبة.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التعامل مع الولايات المتحدة بواقعية هادئة:
لا القطيعة معها، ولا الارتهان الكامل لوساطتها. فالضغط الدبلوماسي المتعدد الأطراف، والانفتاح على أدوار أوروبية ودولية أوسع، يمكن أن يُسهم في إعادة ضبط ميزان التأثير، ويُقلّص من هامش الانحياز الأميركي التقليدي لإسرائيل.
خلاصة القول :
إن تنفيذ حلّ الدولتين، سواء انطلاقًا من «خطة ترامب» أو من أي مبادرة لاحقة، لن يتحقق عبر صيغ جاهزة أو شعارات سياسية.
بل يتطلب تحولًا تدريجيًا في موازين الضغط الدولية، ووحدة فلسطينية فاعلة، وإرادة سياسية قادرة على الموازنة بين الممكن دون التفريط بالمطلوب. وفي غياب ذلك، سيبقى حلّ الدولتين حاضرًا في الخطاب، غائبًا عن الواقع.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض
14/12/2025 م



