نبض الحياة.. غزة تعمق الانقسام في الحزب.. عمر حلمي الغول

في تأكيد جديد على تراجع مكانة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة عموما وداخل المؤسسة التشريعية، قال الرئيس دونالد ترمب اثناء استقباله زعماء اليهود الصهاينة في عيد الحانوكا في البيت الأبيض، إن الكونغرس “يصبح معاديا للسامية”، معتبرا أن “اللوبي الصهيوني” لم يعد الأقوى في البلاد. وأضاف ” كان والدي يقول لي إن أقوى لوبي في اميركا، هو اللوبي اليهود، إنه اللوبي الإسرائيلي، لم يعد الامر كذلك الآن”، بيد انه أكد في ذات الوقت، أنه كرئيس سيظل “دائما صديقا ومدافعا عن الشعب اليهودي.” وتابع محذرا الصهاينة من التطور السلبي لمكانتهم في الكونغرس لوجود اشخاص “مثل إلهان عمر أصبح معاديا للسامية”، وأردف “عليكم (الصهاينة) أن تكونوا حذرين لأن أشياء سيئة تحدث.. ترون ما حدث في أستراليا الاحد 14 كانون اول / ديسمبر قبل 6 أيام وفي السابع من تشرين اول / أكتوبر (2023)، وهناك اشخاص ينكرون هذه الاحداث.” وما يسمى عيد الحانوكا أو عيد الانوار أو الهنوكة أو التدشين، الذي حل هذا العام ما بين يوم الاحد 14 حتى يوم الاثنين 22 ديسمبر الحالي ويستمر 8 أيام، هو ليس عيدا توراتيا، انما هو بدعة يهودية.
وردا على ادعائه الملفق “رفضت الكساندريا أوكاسنو – كورتيز وإلهان عمر، وهن من أبرز المنتقدين الصريحين للحكومة الإسرائيلية، اتهامات معاداة السامية، مؤكدتين أن معارضتهن موجهة للسياسات الإسرائيلية، وليس لليهود كأشخاص. وهذا ما كان الرئيس الأميركي أكده في تصريح سابق، “أني عشت في زمن أي انسان كان يستخدم كلمة سيئة ضد إسرائيل، كان يخرج من السياسية، والآن أعيش في زمن من مدح إسرائيل خرج من السياسة.”
وبالتلازم مع ما ورد أعلاه، نشر معهد الدراسات القومي الإسرائيلي (INSS) تقريرا كشف فيه، عن وجود تصدعات متزايدة داخل الحزب الجمهوري، وليس فقط ما حدث من تحولات داخل الحزب الديمقراطي، كما يدعي الرئيس ال 47، بشأن العلاقة مع إسرائيل، في تطور لافت يعكس التحولات الأيديولوجية والدينية والإعلامية داخل صفوف اليمينيين من الجمهوريين، ويثير قلقا متزايدا في الأوساط الصهيونية في الولايات المتحدة. وحسب التقرير الذي حمل عنوان “المعركة حول إسرائيل داخل الحزب الجمهوري”، بدأت إسرائيل تتحول من قضية إجماع واسع داخل الحزب الجمهوري الى قضية خلاف داخلية، مع تزايد الأصوات المشككة في مدى الترابط بين شعار الرئيس ترمب “أميركا أولا” ودعم إسرائيل غير المشروط، وعلى حساب المصالح الأميركية، وعلى حساب دافع الضرائب الأميركي.
وأشار التقرير للجدل الدائر داخل الحزب، الذي انتقل من حالة التماسك والرؤية الموحدة تقريبا مع انتخاب الرئيس الحالي في تشرين ثاني / نوفمبر 2024، الى مرحلة جديدة تشهد الانقسام الداخلي، وتجلت في النقاشات العلنية حول مكانة إسرائيل في دائرة المصالح الأميركية، والجدل الواسع حول موقع اليهودية في المجتمع الأميركي، والابعاد اللاهوتية والاساطير الخزعبلاتية. وظهر الصراع على المنصات الإعلامية اليمينية الكبرى بين الشخصيات البارزة في الحزب، وحملت مواقف معادية لإسرائيل، وأحيانا معادية للسامية، وهي ظاهرة انقلابية دراماتيكيا في صفوف الجمهوريين، وخاصة بين أوساط المحافظين من الشباب.
وفي السياق ذاته، توقف التقرير أمام تصريحات لنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، التي أشار فيها، الى أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يجب أن يكون مشروطا بتقاطع المصالح، وليس قائما على اعتبارات دينية أو تاريخية، وهو موقف يعكس تنامي المقاربة مع “الواقعية السياسية” داخل الحزب. ويعود تزايد هذه الظاهرة الى 3 عوامل أساسية: أولا التحولات الأيديولوجية داخل التيار المحافظ، حيث يجادل بعض الجمهوريين بأن مبدأ “اميركا أولا” يقتضي إعادة تقييم جميع التحالفات الخارجية، بما فيها إسرائيل؛ ثانيا البعد الديني، مع تنامي نفوذ التيارات القومية المسيحية المحافظة، التي لا تتبنى بالضرورة الرؤية الانجيلية التقليدية الداعمة لإسرائيل؛ ثالثا توقف امام التحولات في المشهد الإعلامي الرقمي، حيث أسهمت خورزميات منصات التواصل الاجتماعي في تضخيم الخطاب المتطرف، وإزالة الحواجز التقليدية أمام انتشاره.
ولفت التقرير الى أن الحرب المستمرة في غزة لعبت دورا محوريا في تغذية هذه الاتجاهات، مع انتشار واسع لصور المعاناة الإنسانية في الاعلام الغربي، مما أسهم في تراجع صورة إسرائيل بشكل ملحوظ ومتزايد في أوساط الشرائح والفئات الاجتماعية الأميركية وتحديدا في أوساط الشباب. ووفقا لاستطلاعات الرأي الأميركية الحديثة، فإن نصف الجمهوريين الاميركيين دون سن الخمسين باتت لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل، وهو مؤشر غير مسبوق، ويعكس تغيرا جوهريا وعميقا في المزاج السياسي العام داخل الحزب.
هذه التحولات ضاعفت من المخاوف في الأوساط الصهيونية عموما و”الايباك” خصوصا، الذي لم يعد سلاحه –الذهبي – المال ذات شأن لدى أعداد كبيرة من الشخصيات الراغبة بالترشح لمقاعد مجلس النواب أو حتى مجلس الشيوخ، ليس هذا فحسب، بل باتوا يعيدوه، ويرفضون قبوله، والاهم مما تقدم، أن الرواية الصهيونية الكاذبة، لم تعد تنطلي على قطاعات واسعة داخل الرأي العام الأميركي، وتراجعت مكانتها، وهي تذوي تدريجيا تجاه العزلة، وأمست السردية الفلسطينية أكثر حضورا وقبولا ودعما بالمعايير النسبية، مما يشي بشكل ملموس في حدوث تحول نوعي داخل الرأي العام الأميركي عموما والحزب الجمهوري وقاعدته خصوصا، دون تغافل عن التحول الكيفي الأسبق داخل الحزب الديمقراطي وخاصة في أوساط الشباب اليهودي. والفضل الأساس للإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية ضد أبناء الشعب في غزة، والدم الذي أُريق في مدن وبلدات ومخيمات القطاع وفي عموم الوطن الفلسطيني خلال ال 26 شهرا الماضية، وليس بفضل 7 أكتوبر كما يدعي مرتكبو الخطيئة من ابواق حركة حماس واضرابهم، ومن يروجون لبضاعتهم الخاسرة، وشتان ما بين المقاومة وهدر دم الشعب الفلسطيني.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
نبض الحياة.. لهاث مشعل خلف الامارة.. عمر حلمي الغول
عشية ذكرى تأسيس حركة حماس ال38، حل خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج ضيفا على برنامج “موازين” على قناة الجزيرة القطرية يوم الأربعاء 10 كانون اول، ديسمبر الحالي، وعرض رؤيته ورؤية حركته في اللقاء بشأن اليوم التالي في قطاع غزة، وتركز موقفه في الحفاظ على ديمومة بقاء إمارة حماس في غزة، وإبداء استعدادها للتعاون مع الإدارة الأميركية، ورغبتها الشديدة بفتح حوار واسع ومعمق معها، والتعامل مع ” العقل الأميركي البراغماتي من خلال اجراء “مقاربة بشأن المطالب الإسرائيلية بنزع سلاح المقاومة”، التي طرحتها على الأطراف المختلفة في صيغة معادلة مفادها “أن المقاومة تريد تكوين صورة فيها ضمانات بأن لا تعود الحرب بين غزة والاحتلال الإسرائيلي”، أي “كيف يخبأ هذا السلاح ويحفظ ولا يستعمل ولا يستعرض به.” ومن ضمن ذلك، طرحت هدنة طويلة المدى لتشكل ضمانة حقيقية. ولتأكيد عدم عودة حركته الى أي عمل عسكري، قال “إن غزة قدمت ما عليها، وآن لها أن تنهض وتتعافى.” وتابع “إن استراتيجية غزة القادمة، هي الانشغال بنفسها، في محاولة للتعافي وإعادة الحياة من جديد.”
من خلال النقاط الواردة أعلاه، يدرك أي إنسان عادي وبسيط، أن مشعل واقرانه في قيادة الحركة يلهثون خلف استرضاء الولايات المتحدة الأميركية، بهدف إبقاء سيطرتها على القطاع، مع استعدادها الكامل لتقديم التنازلات كافة لها ولحليفتها الاستراتيجية إسرائيل، إن كان في ملف نزع السلاح، أو القبول بوجود لجنة التكنوقراط الفلسطينية في اليوم الثاني، لكن مع فصل القطاع عن الضفة الفلسطينية، وقطع الطريق على أي دور للسلطة الوطنية في القطاع، رغم ان بعض اقرانه من قيادة الحركة، ومنهم خليل الحية ادعوا حرصهم على التعاون مع السلطة، ولكن وفق أجندتهم هم، لا وفق المصالح الوطنية العامة، أي أنهم جميعا يصبون ماءهم العكرة والملوثة في مستنقع السيطرة على القطاع. وهو ما أكد عليه مشعل نفسه، بأن استراتيجيتهم الجديدة تقوم على قاعدة “انشغال غزة بنفسها، واستعادة وجودها الكامل في القطاع، وتخزين السلاح بضمانات الدول الثمانية العربية والإسلامية، وخاصة ضمانة الدول الضامنة (مصر وتركيا وقطر) لصفقة شرم الشيخ المعتمدة في 13 تشرين أول / أكتوبر الماضي.
وبالعودة للهاث حماس في التواصل مع اركان إدارة ترمب، يعلم الجميع، ان العلاقة بينهما لم تنقطع، فكان ادم بولر خاض مفاوضات سابقا مع وفدها المفاوض بشأن الافراج عن الرهائن الإسرائيليين، وبعد ذلك، دخل ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي الخاص على الخط، وتحاور مع الحية في شرم الشيخ والدوحة، وقدم التعازي له بعد وفاة ابنه نتاج القصف الإسرائيلي لمقرهم في الدوحة 9 أيلول / سبتمبر الماضي، أي أن العلاقات لم تنقطع بين الطرفين. لكن قيادة حماس تريد علاقات أوسع وأعمق مع واشنطن، واعتمادها أداة علنية لتنفيذ مآربها ومشروعها الاستراتيجي في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط، وتناسى مشعل وأضرابه من الاخوان المسلمين في فلسطين والتنظيم الدولي، أن الغرب الامبريالي أوجد حركة الاخوان في عام 1928 لتكون رديفا للحركة الصهيونية وفي خدمة مشروعها الاستعماري، لا بديلا عن إسرائيل، أو منافسا لها. وبالتالي ما طالب به مسؤول حماس في الخارج ليس مقبولا اميركيا، دون ان يعني ذلك إغلاق الباب أمامها. لا سيما وان الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته ماركو ربيو، أعلنا بشكل واضح بعد التوقيع على خطة ترمب في شرم الشيخ، موافقتهما على سيطرة حركة حماس على القطاع أمنيا لفترة من الوقت، حسبهما.
وهذه الموافقة على سيطرة حماس على اقل من نصف القطاع بعد العاشر من أكتوبر الماضي، شكلت فرصة لإسرائيل وائتلافها الحاكم لتنفيذ خططها بإدامة الإبادة الجماعية على القطاع، واستعمالها ذريعة للتهرب من استحقاقات الخطة الأميركية وقرار مجلس الأمن الدولي 2803، الصادر في 17 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي، وبرضى وموافقة الإدارة الأميركية، وعلى أرضية تكامل الأدوار بين السيد الأميركي وحليفته الإسرائيلية والاداة الاخوانية في تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، وتبديد دور الكيانية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
لكن لا أعتقد أن حركة حماس وسادتها في الإقليم وواشنطن سينجحون في بقاء سيطرتها على القطاع، ليس لأن واشنطن وتل ابيب تريدان ذلك، انما لأن الشعب العربي الفلسطيني يرفض بقاءها وسيطرتها على القطاع، وعليها أن تقتنع، أن دورها ومكانتها في الساحة الفلسطينية عموما لم يعد مقبولا، رغم حملة التضليل التي يروج لها بعض أدعياء “دعم المقاومة”، الذين للأسف يجهلون الحقائق، أو يغطونها لحسابات وأجندات خارجية بعلم أو بدون علم. والمستقبل المنظور كفيل بالإجابة عن ذلك.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com



