زحف الرمال يهدد منطقة الأوراس بالزوال/ عميرة أيسر- كاتب جزائري

تعتبر الجزائر من أهم الدول الأفريقية والمغاربية التي تعاني من مشكلة التصحر التي أضحت ظاهرة عالمية تهدد دولاً وقارات بأكملها، ورغم كل السّياسات المتبعة منذ الاستقلال، إلاّ أن صناع القرار بقوا عاجزين عن وضع حدّ لهذه الظاهرة، وحتى مشروع السد الأخضر الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله سنة 1971م، لمكافحة هذه الظاهرة على امتداد السهوب الجزائرية على طول 1700 كلم، و على عمق تجاوز 40 كلم في بعض الأحيان، والذي كان له دور أساسي في نشوء أزيد من 400 قرية نموذجية، وساهم إلى حدّ كبير في وقف الزحف الرملي الذي يعتبر من الظواهر الطبيعية التي تهدد الكثير من الدول كالعراق وسوريا والمغرب وليبيا ومصر بالإضافة للعديد من الدول التي أطلق بعضها مشاريع مماثلة تحت مسمى  ” مشاريع الحزام الأخضر”، بعدما باتت رمال الصحراء،  وذلك بفعل عوامل طبيعية كالرياح تهدد مدناً بأكملها كمدينة كربلاء العراقية بالتصحر، و التي أطلقت مشروعاً لمكافحة  هذه الظاهرة  كلف خزينة الدولة العراقية 15 مليون دولار. كما ذكر تقرير قناة الحرة عراق، بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020م، في مقال بعنوان ( كربلاء: مشروع الحزام الأخضر كلف 15 مليون دولار ومهدد بالهلاك ).

لم يكتمل بسبب وفاة الرئيس هواري بومدين، وبالتالي تم توقيف  هذا المشروع الاستراتيجي، الذي يعتبر من أهم المشاريع الكبرى التي كانت كفيلة  بتغيير المناخ الطبيعي للمنطقة بأكملها، وذلك نظراً لأهميته الايكولوجية، ومساهمته في تحويل ولايات بأكملها لولايات غابية وزراعية، بعدما كانت عبارة عن مناطق جافة وقاحلة ورعوية، هذا بالإضافة لعوائد هذا المشروع الاقتصادية، وتوفيره للعديد من مناصب الشغل المرتبطة بالميدان الزراعي والفلاحي، وحتى بقية الميادين الأخرى كالصناعة والسّياحة و البيئية، إذ كان من المفروض أن يكون هذا المشروع العملاق  الذي لم يكتمل للأسف، قاطرة البلاد الاقتصادية في المجالين البيئي والفلاحي، بما في ذلك ايجاد بنية تحتية هيكلية مناسبة للتحول تدريجياً إلى ما يسمى اصطلاحاً بالاقتصاد الأخضر، كما هو معمول به في الكثير من دول العالم حالياً كدول الاتحاد الأوروبي واليابان، وهو الذي يوفر سنوياً ما قيمته 2.9ترليون دولار يتكبدها العالم سنوياً كخسائر اقتصادية وطبيعية ناتجة عن التلوث، وهو ما يعادل 33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفق دراسة لمركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف، نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، والتي كشفت عن أن الوقود والفحم والنفط  تسبب في 3 أضعاف الوفيات التي تسببت بها حوادث السير، كذلك فإن الصين تخسر سنوياً 900 مليار دولار بسبب التلوث، أما الولايات المتحدة الأمريكية فيفقد اقتصادها 600  مليار دولار سنوياً. كما ذكر موقع العربي  الجديد، بتاريخ 12 ديسمبر/ كانون الأول 2021م، في مقال بعنوان ( الاقتصاد الأخضر يوفر 2.9 ترليون دولار يتكبدها العالم من التلوث سنوياً).

بالتالي فإن الاقتصاد الأخضر قد  اعتبرته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة في موقعها الرسمي سنة 2011م،  الوسيلة المثلى لتحقيق التنمية المستدامة، والذي اعتبره السّيد جوزيف ديس، رئيس الجمعية العامة في ذلك الوقت، خلال افتتاحه لجلسة المناقشة المواضيعية بشأن الاقتصاد الأخضر : الطريق اليوم إلى التنمية المستدامة حيث قال في هذا الصدد، ” كلما طال انتظارنا، كلما أصبح التصدي للتحديات البيئية التي نواجهها صعباً وأكثر تكلفة”، ومن  أهم التحديات التي تواجه البلدان  وخاصة الأفريقية إلى جانب الفقر وانتشار البطالة  والحروب الأهلية…الخ، ظاهرة الحرائق التي زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وخاصة في الدول ذات الغطاء النباتي والغابي الكثيف، فالجزائر   تخسر سنوياً آلاف الهكتارات بسبب تلك الحرائق التي تحدث نتيجة تداخل عدة عوامل طبيعية وبشرية، والنتيجة تكون هلاك الآلاف من  رؤوس الماشية والحيوانات التي تعيش في الغابات، وإزالة  آلاف الأشجار التي تعتبر هامة جداً في منع حدوث العديد من الظواهر الطبيعية كانجراف التربة الغابية، والتي تلعب دوراً رئيساً في  التخفيف من حدّة السيول المائية المنحدرة من الجبال  باتجاه السهوب والسهول والتجمعات السكانية.

فظاهرة حرائق الغابات  تعرف  انتشاراً كبيراً في فصل الصيف، والتي طالت بالإضافة إلى غابات شرق ووسط وغرب البلاد منطقة الأوراس التي تعتبر من أهم المناطق الغنية بالثروة الغابية والحيوانية، وتحتوي غاباتها على العديد من الأشجار والنباتات النادرة الغير موجودة في أية منطقة من مناطق الجزائر، فهذه المنطقة التي تشهد منذ سنوات حرائق مهولة أدت للقضاء على العديد من الغابات، وخاصة في منطقة خنشلة التي غزت الرمال الكثير مناطقها الجنوبية مؤخراً، وذلك بعد حرق غابة عين ميمون مما أدى لتدمير أزيد من 1500 هكتار في   ولاية خنشلة. مثلما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 7 جويلية/ يوليو 2021م، في مقال بعنوان (“انقذوا غابات خنشلة”، جهود رسمية وشعبية للمساهمة  في اخماد حرائق ضخمة بالجزائر).

فالتصحر الذي بدأ يغزو منطقة الأوراس تدريجياً، ويهدد بتحويلها  لمنطقة صحراوية أو سهبية في السنوات القليلة القادمة، إن  لم تتحرك السلطات العليا في   البلاد لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وذلك عن طريق رسم معالم استراتيجية وطنية شاملة للحدّ من ظاهرة التصحر، ومنع وصولها للمناطق الشمالية، فمنطقة الأوراس تعتبر من المناطق الاستراتيجية المهمة لتحقيق التنمية في البلاد، ويمكن تحويلها إن تظافرت الجهود لواحدة من أهم المناطق الغابية الكبرى التي يمكن لها أن تساهم في النهوض بالاقتصاد الوطني عن طريق دعم مشاريع السّياحة البيئية والجبلية، ولا ننسى ما تتمتع به تلك المنطقة من وزن تاريخي وثقافي، والذي يمكن استغلاله في جعل هذه المنطقة المجاهدة محجاً لكل الثوار في العالم، وذلك عن طريق بناء هياكل سياحية وخدماتية وفندقية تكون مخصصة لاستقبال كبار الزوار من مختلف الدول، وعقد المؤتمرات والندوات التاريخية، واحتضان الثورات من مختلف الدول التي ترزح شعوبها تحت نير الاستعمار، لتعود الجزائر عبر بوابة الأوراس قبلة لكل الثوار والثائرين كمل كانت طوال تاريخها المجيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com