تيسير المهور عند تزويج البنات يزيدهن بركه

______
بقلم
د.سيد حسن السيد
الخبير الدولي للاتيكيت
واداب السلوك الاسلامي
_______
اذا كان البعض في عالمنا المعاصر علي اختلاف مستوياتهم الاجتماعيه وظروفهم الماديه يتسائلون عن سر اختفاء البركه في المال الذي يكتسبونه وينفقونه اوفي الوقت الذي يقضونه أوفي الأشياء التي يمتلكونها او يستخدمونها اويستهلكونها فضلا عن شعورهم بالقلق الدائم وعدم الاحساس براحه البال فأن من أهم أسباب اختفاء البركه والشعور بالقلق هو الطمع وفقدان القناعه وعدم الرضا بالحال والدليل علي ما يؤكد ذلك ان الله عز وجل قبل أن يخلق البشر قدر وكتب ارزاقهم واجالهم تصديقا لقول الله تعالي :” أن كل شيئ خلقناه
بقدر ” وقال جل شأنه :” وخلق
كل شيئ فقدره تقديرا”
وقال سبحانه و تعالي:” وما من دابه في الارض الا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين”
ويقول الإمام الشافعي( رضي الله عنه): ( لاتعجلن فليس الرزق بالعجل
الرزق في اللوح مكتوب فلو صبرنا
لكان الرزق يطلبنا)
وعن القناعه يقول الشافعي :( اذا كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء) اما فى الامثال القديمه فيقال :
( القناعه كنز لايفني- الطمع يقل ماجمع – طمعنجي بني له بيت فلسنجي سكن له فيه – من طمع بكل شيئ يخسركل شيئ)
ولقد أدرك الغرب اهميه القناعه
والعواقب الوخيمة للطمع لذلك
قال ( شيلدون سولومون) الباحث الأمريكي في علم النفس الاجتماعي:
( ان المجتمع الذي يولي اهميه كبيره
علي الثراء المادي يشجع علي الطمع)
ويقول عالم النفس الالماني ( يومانيس هيمغ) :( النشوه تؤدي الي أتباع سلوك محفوف بالمخاطر
وتعتبر من اسباب الطمع )
ويقول العالم الأمريكي
( الين الكسندر) :( اذا اختفي الخوف من الموت تختفي الانانيه والطمع)
ولما كانت القناعه هي الرضا بالمقسوم وان كان قليل وكان الطمع هوعدم الرضا والنظر الي ما في ايد الآخرين والرغبه في الاستحواذ علي كل شيئ دون الاكتفاء بما تم اقتناؤه أو الحصول عليه فأن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) قال:” ارضي بما قسم الله لك تكن اغني الناس “
وقال ( صلوات الله عليه ) ” أنظروا الي من هو دونكم ولاتنظروا الي من هو فوقكم فإنه أجدر الاتزدروا نعمه الله عليكم”
حقا ان الغني الحقيقي في القناعه وليس في كثره المال أو الثراء لذلك يجب أن نكون قانعين بما أعطانا الله وراضين عما نحن فيه فكم من نعم عديده منحها الله لنا وقد لا نشعر بقيمتها واهميتها الا اذا افتقدناها كالصحه والشعور بالامن النفسي والأمان وراحه البال والاحساس بالسكينه والاطمئنان ولو كانت تلك النعم تباع بالمال لتهافت علي شراؤها الكثيرين ممن حرموا منها حتي نفذت كل اموالهم
قال رسول الله ( عليه الصلاه والسلام):” كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن اشكر الناس واحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا”
هناك اشخاص ميسوري الحال حينما يتملكهم الطمع نجدهم قد يلجأون الي طرق غير مشروعه محرمه ومجرمه لجلب المزيد من المال رغبه في تحقيق الثراء الفاحش ولكنهم بذلك ارتكبوا جرم ومعصيه
بسبب الطمع وعلي نقيض ذلك
نجد الفقير القنوع الراضي بالقليل والعفيف النفس الذي لايريق ماء وجهه بكثره السؤال ومثل هذا الفقير القنوع ورد ذكره في القران الكريم بقول الله تعالي :” للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الحافا وماتنفقوا من خير فأن الله به عليم”
أن صاحب القناعه لايذل نفسه الا
لله ولايعلق قلبه الا بالله ولايطمع
الا فيما عند الله من عطاء وكرم ونعم كثيره ورحمه وغفران
قال سعد بن أبي وقاص لابنه:( اذا
طلبت الغني فأطلبه بقناعه فأنها
مالا لاينفذ واياك والطمع فإنه فقر
حاضر )
أن القناعه نعمه وفضيله لانها سبب محبه الله والناس وهي أيضا علامه لكمال الإيمان ووقايه من الحسد والغيره والنميمه وتعفف عما بأيدي الناس كما ان القناعه تكسب الانسان عزه النفس وتمنحه الشعور بالرضا وراحه البال وتشيع جو الموده والاحساس بالسعادة اما الطمع نقمه ورزيله وذل ومهانه لأنه يجعل الإنسان عبدا لشهواته وممبوذا من المجتمع ولايحترمه الآخرين ولاينال محبتهم حقا ان القناعه زينه الكرام والطمع من شيم اللئام لان الطمع هو الرغبه في الاستحواذ علي كل شيئ بلا حدود
وعن مساوئ الطمع قال رسول الله ( عليه الصلاه والسلام):
” لو أن لابن ادم واديا من ذهب
أحب أن يكون له واديان ولن بملء
فاه الا التراب ويتوب الله علي
من تاب”
ويقول ( صلي الله عليه وسلم):
” تعس عبد الدينار وعبد الدرهم
وعبد الخميصه أن أعطي رضي
وان لم يعط سخط”
وقال الإمام علي ( رضي الله عنه):
،( من أراد أن يعيش حرا ايام حياته
فلايسكن الطمع قلبه)
ويقول أحد الحكماء :( العبيد ثلاث
عبد رق وعبد شهوه وعبد طمع)
وحكيم آخر يقول:( للجحيم ثلاث
بوابات الشهوه والغضب والطمع)
ان اغصان الذل لاتنبت الا علي بذور الطمع مما يؤدي الي إذلال
النفس في طلب الرزق بدلا من التوكل علي الله والرضا بما كتبه
والأخذ بالأسباب
ومن العواقب الوخيمة للطمع أنه يسبب القلق والإصابة بالاكتئاب.
والدليل علي ذلك ما اكده
علماء النفس حينما قالوا (أن الانسان السوي نفسيا هو الانسان القادر علي العمل واكتساب محبه الآخرين وعلاقته بربه جيده ومن أسباب الشعور بالقلق والاكتئاب هوالطمع والجشع وعدم القناعه حيث أن السعاده نابعه من الرضا ولاعلاقه للفقر أو الغني بالدخول في حاله نفسيه سيئه لذلك حينما يتملك الطمع انسان فإنه يعيش دمارا نفسيا أي يصير قلقا ومعذبا طوال حياته لأننا نجده دائم الإحساس بأن فقره مدقع وبأنه غير محظوظ)
ولعلاج الطمع يجب علي الشخص الطماع أن يكون علي يقين دائم بأن
رزقه سيأتيه مدام مكتوب عليه كما أنه لابد أن يسعي في طلب الرزق في حدود طاقاته وقدراته لان
السماء لا تمطر ذهبا ولا فضه كما أن
ذلك الإنسان يجب عليه أن يكون
طموحا بأن يضع أمامه مجموعه من
الأهداف مع محاوله تحقيقها وذلك يتطلب أن يكون مجتهدا ومخلصا في عمله ومتقنا له وعليه ان يستعين بالله ويتوكل عليه ويرضي بقضائه ولايسخط علي حاله
وان كان فقيرا فعليه أن يتذكر جيدا قول لله تعالي:” أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم”
وان يتذكر قول رسول الله ( صلوات الله عليه):” اللهم اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لاتشبع”
ولقد ضرب لنا رسول الله ( عليه الصلاه والسلام ) المثل
الا علي في القناعه حينما قال:
” مالي وللدنيا ماانا في الدنيا الا
كراكب استظل تحت شجره ثم
راح وتركها “
من الظواهر الاجتماعيه السلبيه في المجتمع ارتفاع نسبه العنوسه وتأخر سن الزواج ومن اسباب حدوثها
المغالاة في المهور
اذا كان بعض الآباء والأمهات عند تزويج بناتهم يغالون في طلب المهور واحتياجات الزواج التي تفوق حد الطاقات الماديه المتاحه لراغبي الزواج تأثرا بالمثل الشعبي القديم
الذي يقول ( كل فوله ولها كيال) فأن رسول الله (عليه الصلاه والسلام ) كان قنوعا لذلك لم يغالي في طلب المهور ولم يبالغ أو يتعسف عندتزويج بناته ذوات النسب الشريف والمقام الرفيع والاصل العريق حيث كان يقول : “أيسرهن مهرا أكثرهن بركه”
لقد أراد رسول الله ( صلوات الله عليه) ان يؤكد للاباء والأمهات أن تيسير مهور الفتيات عند تزويجهن يزيدهن بركه والبركه تعني ثبوت الخير فيهن واذا كانت كل (فوله ولها كيال )كما يقال في الامثال في الوقت الحاضر فأن البركه اثمن من ان تقدر بماديات ولاتوزن الا بميزان الخلاق حقا ان في القناعة تيسير و بركه وراحه بال اما في الطمع تعقيد وقلق واكتئاب وعدم الرضا بالحال
ما أحوجنا الي تغيير المفاهيم المغلوطة بأن نتمسك بتعاليم الدين حتي نعي أن القناعه هي رأس
الفضائل
حقا ان الطمع من أسوء الرزائل
ومن مساوئ الأخلاق وخوارق المروءات ومن مظاهر الطمع علي مستوي العلاقات الاسريه نجد ان بعض الزوجات حينما يتملكهن الطمع يتبرمن من أزواجهن اذا لم ينفقون عليهن بسخاء اولم يغدقون عليهن المال الوفير بلا حساب امارغبه في التباهي والتفاخر أمام صديقاتهن أو لمجرد اشباع شهواتهن حبا فى المال ليت هؤلاء الزوجات اللاتي تملكهن الطمع يتحلين بالقناعه بان يتقين الله في أزواجهن ولايكلفنهم بما لايطيقونه اويفوق حد طاقتهم وان يمتنعن عن الاسراف والتبذير وان ترضين هؤلاء الزوجات بما قسم الله لهن كما يجب عليهن عدم الانجراف وراء المغريات
قال رسول الله ( عليه الصلاه والسلام) :” ليس الغني عن كثره العرض ولكن الغني غني النفس”
وكم من اباء وأمهات شغلتهم سنوات
الغربه بجمع المال بحجه تأمين مستقبل ابناؤهم وقد اغواهم الطمع
في الاستمرار بالبقاء بعيدا عن أوطانهم لجلب المزيد من المال حتي ولو كلفهم الأمر ترك ابناؤهم يعيشون بمفردهم دون متابعه اورقابه وهم في مرحله عمريه تحتاج الي توعيه وإرشاد وتوجيه لمنع مواجهتهم للكثير من المشكلات مع عدم قدرتهم علي التصرف وايضا لتجنب تعرضهم
للانحراف في حاله غياب من يشبع حاجاتهم للانضباط السلوكي وعدم وجود من يعظهم ويصحح مفاهيمهم المغلوطة وتصرفاتهم الخاطئة ثم بعد فوات الأوان يتم الشكوي من سوء تصرف الأبناء أو تدهور اخلاقهم أو تعرضهم للانحراف حقا ان الاستثمار في الأبناء خير وافضل من استثمار وادخار الأموال
ليت الأباء والأمهات يغرسون في الأبناء من الصغر سلوك القناعه بنهيهم عن الطمع بتعويدهم علي الرضا بالقليل ومنعهم من تقليد أصدقائهم في الرغبه علي الاستحواذ
علي كل شيئ بلا حدود وبلا ضوابط
مع تعريفهم بأثار الطمع السلبيه كما
يجب علي الوالدين أن يكونا قدوه
للابناء في القناعه.
اذا كانت الزكاه نماء للاموال والصدقه فيها شفاء من الامراض وكلاهما يقضيان علي الطمع فأن هناك بعض الاغنياء المليونيرات او المليارديرات ممن تملكهم الطمع لايخرجون زكاه أموالهم ولايتصدقون
ليت كل من وجب عليه إخراج اموال الزكاء أن يخرجها ولايحرم مستحقيها منها ولعل كل قادر وميسور الحال يتصدق علي الفقراء والمساكين والمحتاجين حتي لا يكون هناك فقيرا أو محتاج ولا شعوب تعيش تحت خط الفقر او تعاني من مجاعات علي مستوي العالم بأكمله حيث أن المال هو مال الله وما يتم إنفاقه علي هؤلاء وفي أعمال الخير ابتغاءا لمرضاه الله له اجر عظيم اما من يتملكه الطمع ويكنز المال ولاينفق منه في سبيل الله له عذاب اليم عملا بقول الله تعالي :” والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم”
وعن ضروره إخراج اموال الزكاه
وتوزيعها علي المحتاجين
قال الله عز وجل:” والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم”
وحتي لايتملكنا الطمع ليتنا نتذكر
دائما قول رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ):
” ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد
في ما يد الناس يحبوك”
واذا كان الطمع نوعان احدهما يسمي الطمع (المذموم) ويؤدي الي ارتكاب المعاصي واختفاء البركه وزوال النعم فأن هناك نوع آخر يطلق عليه الطمع (المحمود) وفيه قناعه وزهد في الدنيا كالطمع في نيل محبه الله وغفرانه ورحمته وعفوه ورضاه وكرمه وفضله
حمدا وشكرا لله علي مامنحنا من نعم ولما كانت القناعه هى الرضا بما قسم الله فأن الرضا بالمقسوم لمن العبادات القلبيه التى تعكس ايمان العبد بربه وتبعث فى النفس الطمأنينه والسكينه
واذا كان الله جل شأنه وعلاه قد قام بتفويض أمر التشريع لرسولنا الحبيب ( صلى الله عليه وسلم) عملا
بقوله تعالى : ” وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ”
وكان رسولنا المختار خاتم المرسلين لاينطق عن الهوى وماهو الا وحى يوحى فأن الثوابت الدينيه الوارد
ذكرها فى القران الكريم والسنه النبويه الشريفه ستظل ثابته لاتتغير
رغم أنف المشككين المغرضين الجهلاء بأمور الدين