يعيش اليهود والعرب في عالمين موازيين

الأصدقاء والصديقات الأعزاء،
قُتلَ منذ بداية العام حوالي 150 مواطنًا عربيًا، والمجتمع العربيّ لا يكفّ عن عدّ موتاه. بدءًا من النسبة المتدنية للكشف عن الجناة في ملفات القتل التي يتم حلّها عندما يكون القتيل عربيًا (تمّ كشف او حل لغز %11 فقط من ملفات قتل ضحايا عرب هذه السنة، مقابل %60 في المجتمع اليهودي) ووصولًا إلى المساس ببرنامج “مسار آمن” الذي يهدف إلى معالجة آفة الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ- تقود الحكومة والشرطة سياسة لا مبالاة تحصد أرواح المواطنين.
التمييز والإهمال القائمان منذ عشرات السنين ساهما في الفقر، العنف وسيطرة المنظّمات الإجراميّة على البلدات العربيّة. تحاول مختلف الجهات حاليًا استغلال هذا الواقع، لتبرير تعزيز حضور جهاز الأمن العام في المجتمع العربيّ، الأمر الذي سيزيد من قمع المجتمع العربيّ بشكل شامل وسيؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان وتبنّي ممارسات محظورة متّبعة في الأراضي المحتلة، مثل الاعتقالات الإداريّة.
في ظلّ هذا الواقع الدامي، يبرز هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى- يعيش اليهود والعرب في عالمين موازيين. يغرق المواطنون العرب في الجريمة ويخشون مغادرة بيوتهم، بينما لا يلزم اليهود بيوتهم، ويتواجدون في الشوارع ليلًا ونهارًا لخوض نضال غير مسبوق على طبيعة الدولة ومؤسّساتها.
باعتبارنا مؤسّسة ناشطة في المجتمعين اليهوديّ والعربيّ وتسعى لتحقيق المساواة وبناء مجتمع مشترك، لدينا في سيكوي-أفق دور هام في هذه الفترة تحديدًا. نعمل في الأشهر الأخيرة على جميع الأصعدة: في ظلّ الجريمة المستفحلة ومسبباتها العديدة- المباشرة وغير المباشرة، في ظلّ تجميد الميزانيات وإلحاق ضرر بالسلطات المحليّة العربيّة وبالمجتمع العربيّ بشكل عام، وفي ظل الانقلاب في نظام الحكم.
رؤية قادة الانقلاب في نظام الحكم لا تتوقف عند السيطرة على الجهاز القضائي، بل تسعى إلى مأسسة سياسة التمييز والفوقية اليهوديّة. لذلك، تتخذ الحكومة سلسلة إجراءات وتشريعات تهدف إلى وصم المواطنين العرب كأعداء، وطمس هويتهم الوطنيّة وانتهاك حقهم الأساسيّ في المساواة.
على المستوى الجماهيري، في الحكومة والكنيست، نقود سيرورات مرافعة لوقف إجراءات عنصريّة وتمييزيّة لمنع التقليصات في الميزانيات للمجتمع العربي، ولاستغلال الفرص لتحقيق المساواة والشراكة في ظل هذا الواقع الصعب أيضًا. نعمل بشكل متواصل مع اللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة العربيّة ومع منظمات المجتمع المدنيّ في المجتمعين العربيّ واليهودي؛ منشوراتنا تلقى دعمًا وقبولًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعيّ وعلى وسائل الإعلام؛ وفي الحقل ندعم في سيكوي-أفق مبادرات احتجاجيّة ضد الجريمة- وعلى المستوى القضائي، نضم صوتنا، إلى جانب عشرات المنظّمات، للالتماس ضد إلغاء مبدأ المعقولية.
نُشرَ مؤخرًا أنّ وزير المالية سموتريتش قرر وقف تحويل ميزانية 200 مليون شيكل جديد، التي خُصّصت في إطار خطة التطوير الاجتماعيّ-الاقتصاديّ للمجتمع العربي، بهدف زيادة الميزانية العامة للسلطات المحلية العربية. ينضم هذا القرار إلى سلسلة إجراءات أخرى تنطوي على تجميد تحويل الميزانيات إلى المجتمع العربي، وبعض السلطات المحلية العربية على وشك الانهيار. يحاول سموتريتش تبرير قراره هذا بحجج مهنيّة، لكن عند فحص المعطيات، نكتشف أنّ ادعاءاته “المهنيّة” خاطئة ومضللة للجمهور.
بالتالي قمنا بالانضمام، إلى جانب أكثر من نحو 30 منظّمة، إلى نداء اللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحلية العربية إلى رئيس الحكومة نتنياهو وإلى وزير الداخلية أربيل، حيث طالبنا بالعمل فورًا على دعم وتقوية السلطات المحلية العربية، والحرص على تحويل ميزانيات خاصة للمجتمع العربي. لقد تمت المصادقة في هذه الحكومة أيضًا على خطط للتطوير الاقتصادي-الاجتماعيّ ومكافحة الجريمة، ولا يمكن وقفها أو المساس بها. هذا حق شرعيّ وأساسيّ للمجتمع العربي، هذا واجب الحكومة ومصلحة المجتمع بأسره.
في الأسبوع الماضي، خرجت جنازة رمزيّة مهيبة شارك فيها آلاف العرب واليهود، في مركز تل-أبيب، لذكرى 140 قتيلًا من المجتمع العربي. هذا الاحتجاج واسع النطاق هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه يجب أن يكون البداية فقط. حان الوقت لأن يتخذ قادة الاحتجاج والقوى الليبرالية في أوساط المجتمع اليهوديّ خطوة إضافية والمبادرة لإقامة حوار مع قادة المجتمع العربيّ- حوار حقيقيّ وعميق حول حدود الديمقراطية ومعنى المساواة. فقط بهذه الطريقة، سنتمكن من بناء واقع جديد لنظام حكم ديمقراطي قائم على المساواة المدنية والقومية للشعبين- والتوقف عن عدّ القتلى.
مع خالص الاحترام،
رغد جرايسي وعوفر دغان،
المديران المشتركان لسيكوي-أفق