مشروع “وادي السيليكون” الاستعماري في القدس يهدد أراضي الفلسطينيين ولقمة عيشهم

– الحموري: مخططات الاحتلال الاستعمارية في القدس تهدف إلى تحويل الفلسطينيين إلى أقلية

– التفكجي: الاحتلال استغل عدوانه على غزة لتطبيق مشاريعه الاستعمارية في القدس

القدس المحتلة- وفا- محمود أبو عبية

في خمسينيات القرن الماضي، أُنشئت المنطقة الصناعية في حي وادي الجوز بمدينة القدس، وتوارث الأحفاد المقدسيون العمل في مهن آبائهم وأجدادهم، وحافظوا على إرث عائلاتهم في مهن وحرف صناعية مختلفة، ولكنهم باتوا اليوم في مواجهة أكبر مشروع استعماري في المدينة، مهددين بإخلاء منشآتهم تمهيدا للهدم والاستيلاء على المئات من الدونمات في الحي.

وأطلق الاحتلال على مشروعه الاستعماري اسم “وادي السيليكون”، المشابه للاسم الذي تحمله المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، والتي اشتُهرت بسبب وجود عدد كبير من مطوري رقاقات السيليكون ومصنعيها، وحاليا تضم جميع شركات التكنولوجيا الفائقة في أميركا، حيث أصبح اسم المنطقة مرادفا لمصطلح التقنية العالية.

ووفقا لتقرير صدر عن محافظة القدس، سيلتهم مشروع “وادي السيليكون” الاستعماري نحو ألفي دونم من أراضي الفلسطينيين في حي وادي الجوز، وسيهدم حوالي 200 منشأة وورشة تصليح مركبات ومطاعم وخدمات أخرى في المنطقة.

وبحسب التقرير، يرسّخ المشروع سيطرة الاحتلال في القدس الشرقية، في ظل تجاهل تام للسكان الأصليين، إذ يتجاهل المشروع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفلسطينيين في القدس المحتلة.

وتدور مناقشات حاليا داخل أروقة بلدية الاحتلال في القدس حول البدء بتنفيذ المشروع، وذلك بعد عام من الموافقة على مخطط المشروع، إذ يجري التخطيط للاستيلاء على 29 دونما من أراضي حي وادي الجوز، بهدف إقامة شارع بطول 1.5 كيلومتر.

مخالفة لكل القوانين الدولية

مدير مركز القدس للشؤون الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري قال لـ”وفا”، إن ما تقوم به سلطات الاحتلال في القدس من استيلاء على الأراضي واستعمار هو مخالف لكل القوانين الدولية، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال تحاول الاستيلاء على الأراضي بموجب “القانون الإسرائيلي” الذي يُعتبر فرضه على الشعب الفلسطيني غير قانوني بحد ذاته.

وأوضح الحموري أن سلطات الاحتلال تحاول الاستيلاء على الأراضي في القدس تحت ادعاءات مختلفة (طابو، وتراخيص، ومصلحة عامة، وقانون أملاك الغائبين)، في استغلال واضح للقوانين الإسرائيلية في عمليات الاستيلاء على الأراضي وغيرها من الانتهاكات بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم.

وأضاف أن المخططات الإسرائيلية ليست جديدة في القدس، حيث إن دولة الاحتلال تسعى منذ البداية إلى ضم القدس، باستيلائها على 87% من مساحة القدس بين “أراضٍ خضراء” ومستعمرات وغيرها، وتواصل العمل على الاستيلاء على ما تبقّى (13%) بشتى الوسائل لصالح المشاريع الاستعمارية.

وأشار الحموري إلى أن مشروع “وادي السيليكون” الذي تسعى سلطات الاحتلال إلى إقامته، هو عبارة عن شارع بعرض 20 مترا، ومن المتوقع أن يلتهم ما يصل إلى 2000 دونم من أراضي حي وادي الجوز في القدس، ما سيؤدي إلى هدم مئات المنشآت التجارية للمواطنين في الحي.

وبين أن سلطات الاحتلال تسعى من خلال إجراءاتها تجاه المقدسيين وممتلكاتهم إلى الضغط عليهم بهدف تهجيرهم عن المدينة، منوها إلى أن عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية يصل إلى 320 ألفا والمستعمرين إلى 220 ألفا، وأن الاحتلال يسعى إلى جلب 350 ألف مستعمر للقدس الشرقية، بالإضافة إلى تخفيض عدد المقدسيين إلى 100 ألف، لتحقيق الأغلبية الديمغرافية الإسرائيلية في المدينة المحتلة، وتحويل الفلسطينيين إلى أقلية فيها.

وأكد الحموري، أهمية تعزيز صمود المقدسيين في أرضهم من خلال توفير مقومات الحياة، خاصة ما يتعلق بالمسكن، عبر توفير مساكن شعبية بتكلفة ملائمة تحميهم من مخططات الاحتلال التهجيرية بحقهم، إضافة إلى توفير مساعدات لهم في كل المجالات ليتمكنوا من العيش في ظل الغلاء والضرائب المبالغ بها، وارتفاع الإيجارات، ما يضع المواطنين المقدسيين في أدنى معدلات الفقر.

ويمتد مشروع “وادي السيليكون” الاستعماري على طول طريق وادي الجوز وشارع عثمان بن عفان، وسيتم بناء مبانٍ من 8 إلى 14 طابقا على أنقاض المحلات التجارية والصناعية في منطقة القدس الصناعية بوادي الجوز.

السيطرة على الأرض

خبير الخرائط والباحث في قضايا الاستعمار، خليل التفكجي قال لـ”وفا”، إن الاحتلال الإسرائيلي استغل ظروف العدوان على قطاع غزة في وضع مشاريعه على الأرض، من خلال إقامة مستعمرات جديدة وتوسيع مستعمرات قائمة، بالإضافة إلى العمل على كل ما يتعلق بالبنية التحتية من شوارع وأنفاق وجسور من خلال الاستيلاء على أراضي المواطنين الفلسطينيين في القدس.

وأضاف أن سلطات الاحتلال تعمل على دمج القدس الغربية بالشرقية، من خلال إقامة مؤسسات سيادية في القدس الشرقية، منها وزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية، والتأمين الاجتماعي والوطني، وقيادة الشرطة، بالإضافة إلى مشاريع أخرى مثل “وادي السيليكون”، بالإضافة إلى التصديق على مخطط مركز المدينة الذي يقدّر بــ700 دونم.

وأوضح أن كل هذه الإجراءات بالإضافة إلى إقامة البؤر الاستعمارية في داخل الأحياء الفلسطينية، تدل على أن إسرائيل بدأت خطوات بعيدة المدى باتجاه السيطرة على الأرض، حيث سيطرت على 87% حتى الآن من مجمل القدس، بالإضافة إلى عمليات هدم المنازل في القدس الشرقية خاصة في بلدة سلوان، وكل هذه الأمور تتجه إلى الإحلال من خلال اقتلاع السكان الفلسطينيين وإحلال المستعمرين مكانهم، إلى جانب عملية التهويد للمدينة والأسرلة في التعليم، ما يؤكد أن إسرائيل اتخذت قرارها بشأن مدينة القدس بأن شرقها وغربها تحت “السيادة الإسرائيلية”.

وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تستولي على أراضي المواطنين في القدس من خلال إجراءات مختلفة، منها القوانين المتعلقة بالاستيلاء على الأراضي مثل قانون 1943 البريطاني الذي ينص على الاستيلاء للمصلحة العامة، منوها إلى أنها استولت على حوالي 24 كيلومترا مربعا من القدس الشرقية من خلال هذا القانون، أي ما يعادل 35% من مساحتها، وأنه تم بناء 15 مستعمرة إسرائيلية عليها.

وتابع أن سلطات الاحتلال تستخدم أيضا ما يطلق عليه “قانون التنظيم والبناء”، من خلال جعل جزء كبير من الأراضي “مناطق خضراء” يُمنع بناء الفلسطيني عليها، لكن تُستخدم فيما بعد احتياطيا إستراتيجيا لبناء مستعمرات جديدة، بالإضافة إلى “قانون أملاك الغائبين” و”قانون أملاك يهودية” قبل عام 1948، إلى جانب “قانون الجيل الثالث” المتعلق بالإيجار إذ إن عقد الإيجار لا يورث أكثر من ثلاثة أجيال.

الاستيلاء على مئات الدونمات

وتشير محافظة القدس إلى أن مشروع “وادي السيليكون” لا يهدد أراضي الفلسطينيين فحسب، بل يُعرّض أيضًا العديد من المصالح التجارية في المنطقة الصناعية لخطر الهدم، وهي مصالح تشكل مصدر رزق لمئات العائلات الفلسطينية منذ عقود، إذ سيمتد الشارع ليصل إلى حي كرم الجاعوني في الشيخ جراح، ما سيؤدي إلى الاستيلاء على مساحات إضافية، الأمر الذي سيتسبب في هدم معظم المحلات التجارية في المنطقة وإزالتها.

وفي تقريرها السنوي لرصد انتهاكات الاحتلال خلال عام 2024 المنصرم، وثقت محافظة القدس استيلاء الاحتلال على مئات الدونمات. ففي السادس من شباط/فبراير الماضي، استولت سلطات الاحتلال على أرض “سوق الجمعة” الواقعة بمحاذاة الجهة الشمالية الشرقية من سور القدس، وشرعت بأعمال حفر وتجريف للأرض، تمهيدا لتنفيذ “حديقة”، ضمن مشروع “حدائق حول سور البلدة القديمة”. وتعود ملكية الأرض التي تبلغ مساحتها 1200 متر مربع، لعائلات “عويس، وحمد، وعطا الله”.

وفي 19 شباط/فبراير، استولت جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستعمارية بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، على دونمين ونصف دونم من أراضي حي بطن الهوى في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، بزعم أنها جزء من “وقف يهودي”.

وفي نهاية شهر شباط/فبراير، أعلن الاحتلال الاستيلاء على أكثر من 2600 دونم من أراضي أبو ديس والعيزرية، وتشمل تجمعات سكنية بدوية واسعة منها تجمع أبو النوار شرق القدس المحتلة.

وأجرت سلطات الاحتلال أعمال تسوية لأراضٍ في قرية أم طوبا جنوب القدس المحتلة، دون إبلاغ أصحاب الأراضي، مستندة في ذلك إلى ما يُعرف بقانون “تسوية الأراضي الإسرائيلي”، إذ سجلت نحو 63 دونمًا من أراضي البلدة باسم “الصندوق القومي اليهودي”، إذ يهدد هذا الإجراء بإخلاء ما يقارب 30 منزلًا مقدسيًا، يعيش فيها 139 مواطنًا، ما يضعهم أمام خطر التهجير القسري.

مخططات البناء الاستعماري

ووثّق تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان السنوي لعام 2024، استيلاء سلطات الاحتلال على 46597 دونما في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، بموجب ما أصدرته من جملة أوامر عسكرية، منها 35 أمرا لوضع اليد استهدفت نحو 1073 دونما لإقامة 12 منطقة عازلة حول المستعمرات، و5 أوامر “استملاك” انتهت بالاستيلاء على نحو 803 دونمات، و8 قرارات إعلان أراضي دولة استهدفت 24597 دونما، و6 أوامر لتعديل حدود محمية طبيعية استولى الاحتلال بموجبها على نحو 20 ألف دونم.

وحول مخططات البناء الاستعماري داخل مدينة القدس المحتلة، أشارت الهيئة إلى أن الجهات التخطيطية في دولة الاحتلال المتمثلة في اللجنة اللوائية التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، درست ما مجموعه 62 مخططا هيكليا لأغراض التوسع الاستعماري في المستعمرات المقامة في المدينة، فصدّقت على 29 مخططا في حين قدمت للإبداع 33 مخططا آخر، وهدفت هذه المخططات إلى بناء 10386 وحدة سكنية تستهدف ما مجموعه 3094 دونما.

وبحسب الهيئة، تشير مراجعة أبرز إجراءات التوسعة الاستعمارية التي تستهدف المدينة المقدسة، سواء بالتوسعة الاستعمارية الاستيطانية أو بتلك التي تهدف إلى بناء مستعمرات جديدة، إلى شروع الاحتلال فعلاً بإقامة مستعمرة جديدة داخل حدود مدينة القدس، من خلال طرح مناقصة العطاء رقم 2024/367 لبناء 200 وحدة استعمارية جديدة على أراضي حي بيت صفافا وتبلغ مساحتها 18 دونما.

وأوضحت الهيئة في تقريرها أن من أبرز مخططات البناء الاستعماري التي تستهدف مدينة القدس، “مخطط مركز المدينة”، الذي يمتد على مساحة 706 دونمات من منطقة المصرارة وحتى وادي الجوز إلى البلدة القديمة جنوبا، وتشير التقديرات إلى أن هذا المخطط يخدم أهداف السيطرة على جغرافية المدينة ومحاصرة الديمغرافيا الفلسطينية، بتخصيص استخدامات تمييزية لصالح اليهود المستعمرين، والتضييق على الفلسطينيين في المدينة في الحصول على أية خدمات لها علاقة باستخدامات الأرض، ويهدف إلى إجراء تغييرات في استعمالات الأرض وتحديد مساحات البناء القصوى وعدد الطوابق، إضافة إلى شق شوارع وتوسعتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com