تراجيديا الخذلان.. نضال احمد جابر  جودة

فُتح الستار، صفق الجمهور، لحظة صمت طويلة، تعكس حقيقة القلب المكسور والوجع الادبي، لينطق الطفل متسائلاً، أين أبي؟ فتجيب الزوجة في صوت نحيب، حقاً ان ابوك قد طالَ تأخرهُ، ففي صمت عميق تنهمر الدموع قائلةً: لن يعود. فتبدأ تلك الام الثكلى، تبحث عن ابنها الفقيد في أحضان حفيدها اليتيم، تتحسس جبينهُ، تُقبل وجنتيهُ، فيغلبها الاسى ويرهقها الألم ويمزقها الوجع. لتصرخ في نحيب شديد، انها العبثية، لينهض ذاك الرجل المكلوم فجأة الذي منعه الكبرياء من البكاء، ليحتضن زوجته الثكلى، وحفيدهُ اليتيم، وتلك الصبية الشابة أرملة الأعذار، قائلاً: انه قدر الله. فترد عليه تلك الأرملة الشابة: الحمد لله على أقدار الله كافه. ولكن سلوكهم امتهانٌ لمشاعرنا، واعتذارهم صفعة أبدية. انهم اخذوا مني كل شيء، حتى الذكريات جعلوها كومة من الركام، فتقول الام الثكلى، لقد قطعوا ذراعيَ الاثنين، فلا استطيع مسامحتهم لأنني لا أتمكن من عناق قُرة العين فقد رحل بلا عودة. فيهرب ذاك الطفل اليتيم مهرولاً لحضن امهِ تلك الأرملة الشابة مختبئاً بين ذراعيها، لتقول لابنها: سوف نعطيهم كل شيء ونرحل. سوف نرحل بعيداً، بعيداً. سنبحث عن الحياة المثالية الخالية من ضوضاء الكلمة وصخب الخطاب وضجة الإعلام. سوف نجد ذاك المكان الذي يحترم مشاعرنا، ويهتم باحوالنا. سوف نجتهد لأن نجد تلك الأرواح التي تُشبهنا، تلك الأرواح التي هذبت النفس البشرية، سوف نرحل يا ابني عن هذا المجتمع التعصبي، الذي لا علاج له، فقد أصبح يشبه المرض العضال الذي لا شفاء منه. سوف نرحل يا ابني لنؤسس دولتنا في داخل كل منا كما نحب أن نكون فيها. سنرحل لا مكان لنا في مجتمع استهان بوجعنا وامتهن مشاعرنا.
سُدل الستار:
الجمهور يشاهد فقرات إعلامية دعائية حتى لا يشعر بالملل. ليخرج صوت ذاك الطفل اليتيم من خلف الستار، نحن الحياة ونحن الوطن، فلا حياة للوطن إذ لم نحيا نحن. لتصرخ عالياً تلك الصبية الأرملة نحن نبحث عن الحب، عن العدل، عن الامان، نحن نبحث عن الواقع وسط مجتمع مليء بالفوضى والضبابية. ليعود صوت نحيب الام الثكلى من خلف الستار ليمزق قلوب المشاهدين الاحرار، ليقول المشاهدين بصوت واحد انه الجُرح الذي لا يلتئم. ليظهر من خلف الستار الاب المكلوم ليقول: نحن نبحث عن الحقيقة، التي توهتها الكلمات. نحن لا نسعى للانتقام، فالحياة سوف تتعامل معهم، فالقلب المكسور يُعطي دروساً، لم يستطيع اي عراب تقديمها. فيخرج المنتج مُعتذراً للجمهور لزجهم العيش أجواءّ من الدمار، القتل، الموت، الوباء، الفقر، الجوع، اللصوصية. ليترك الجمهور شاخصاً بصرهُ في حالة من جمود العقل.
باحث في التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com