في ذكرى العالِم المبدع، جمال حمدان!.. توفيق أبو شومر

سأظل أتذكر يوم السابع عشر من شهر إبريل 1993م، لا لأنه تاريخٌ ميلادي، أو تاريخ ميلاد أحد من أفراد عائلتي، بل لأنه تاريخ وفاة البرفسور المبدع، جمال حمدان، وهو عالم الجغرافيا المصري، وصاحب الرؤية العلمية الثاقبة في مجال استشراف المستقبل!
هو الحاصل على جائزة مصر عام 1959م وذلك عن إصداره كتاب (جغرافيا المدن)، جمال حمدان أكد بأن مصر هي مفتاح العالم العربي، إن سقطت سيسقط العرب كلهم! وهو أول مَن حذّر من الصراع على مياه النيل!
أكَّد الصحفي البارز محمد حسنين هيكل نبوغ، جمال حمدان حين سُئل: “هل تعتبر نفسِك مفكرِ ثورة يوليو 1952م أجاب: بل مفكرها هو جمال حمدان”!
أصدر جمال حمدان تسعة وثلاثين كتابا، وعدد كبيرا من الأبحاث المحكمة في مجال الجغرافيا والديموغرافيا!
العالم المبدع، جمال حمدان قال: “إن مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث، ومصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي، ومصير العالم العربي يتوقف على مصير فلسطين وإسرائيل”!
وقال أيضا: “من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، ومن يسيطر على سيناء يهدد أمن مصر كلها”!
وهو صاحب نظرية؛ إن الدفاع عن سيناء يعني حماية قناة السويس، وقال عن مصر إنها الدولة التي حُكم عليها أن تقود العالم العربي وفلسطين، بعد أن جمدتْ مصرُ التاريخ الفرعوني، فهي تقع في قلب هذا العالم (من كتاب استراتيجية الاستعمار صفحة 175)
وهو الذي قال أيضا: “فلسطين عين قلب العالم الإسلامي دينيا وليس جغرافيا فحسب، وإن يكن العالم العربي هو قلب العالم الإسلامي روحيا وموقعا جغرافيا، فإن فلسطين كمصر هي أرض الزاوية من العالم الإسلامي طبيعيا” (كتاب العالم الإسلامي المعاصر صفحة 208)!
قال في كتابه فلسطين أولا: “فلسطين هي مصر الشمالية، ومصر هي فلسطين الجنوبية بحكم الواقع التاريخي والجوار كقاعدة أنثروبولوجية، وفي معظم فترات التاريخ كانت مصر وفلسطين بلدا واحدا”
وقال أيضا: “قضية فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم، هم حقا ضحيتها الأولى، ولكنهم ليسوا الضحية الأخيرة، قضية فلسطين عربية بقدر ما هي فلسطينية”!
البرفسور جمال حمدان هو أول من تنبأ عام 1968م بتفكك الكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي، وهو الأمر الذي تحقق عام 1991م.
أما نظرية جمال جمدان الثانية التي تحققت فهي نظرية فوبيا الإسلام، قال: “بعد أن تتمكن أمريكا وأوروبا من القضاء على الشيوعية سيصبح الإسلام عدوا لدودا لأمريكا وأوروبا”!
وهو أيضا تنبأ بانهيار الهيمنة الأمريكية، لأن أمريكا تحولت إلى شرطيٍ قامع مكروهٍ في العالم أجمع!
لعل أروع ما كتبه المبدع جمال حمدان هو الكتاب الذي صدر في أربعة أجزاء هو كتاب (شخصية مصر) صدر من عام 1975-1984م!
جمال حمدان قضى ثلاثين عاما معتكفا مؤلفا مبدعا في شقته الصغيرة في القاهرة، وقيل إنه مات محترقا غير أن كثيرين أكدوا أنه مات اغتيالا، لأنه كان قد ألف مئات الصفحات التي اختفت بعد موته، وبخاصة كتابه الذي كان ينوي طبعه المكون من ألف صفحة وهو (اليهودية والصهيونية) كذلك اختفت مسودة كتابه (العالم الإسلامي المعاصر) ومسودة كتابه (علم الجغرافيا)!
أما أُراء البرفسور جمال حمدان في العالم فتمثلت في رأيه المثير للجدل في أصول اليهود الحاليين، أكد في كتابه المشهور (اليهود أنثروبولوجيا) الصادر عام 1967م أن أصول اليهود لا تعود إلى اليهود الأوائل قبل أربعة آلاف سنه، بل هم من أصول قبيلة (خزرية) تركية تعود إلى القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، هؤلاء الخزريون هم من بقايا القبائل البائدة من سكان البحر الأسود وبحر قزوين، أي هم من السلالة التركية الذين تهودوا في القرن الثامن والتاسع الميلادي، ثم هاجروا إلى دول أوروبا الشرقية، في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي!
أي أن البرفسور جمال حمدان هو ملهم وأستاذ، القاص والروائي والباحث والمؤرخ اليهودي اليساري، آرثر كوستلر الذي كتب بعد سبعة أعوام عام 1976م كتابه (القبيلة الثالثة عشرة) وأرجع نسبة اليهود إلى قبيلة الخزر التركية، وقد أثبت نظرية جمال حمدان بالضبط حين قال في كتابه: “يهود اليوم هم خزريون من تركيا، من سكان بحر قزوين والبحر الأسود اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي، ثم هاجروا غربا إلى أوروبا الشرقية، إلى أوكرانيا وبولندا والمجر وألمانيا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر عند انهيار امبراطورية الخزر”!
نشر، آرثر كوستلر كتابه بعد نظرية جمال حمدان بدون أن يذكر تأثره برؤية الباحث الأول، جمال حمدان، هذه النظرية التصحيحية دفعت يهود العالم إلى نبذ، أرثر كوستلر صاحب الكتاب وحظر تداوله، مما دفع آرثر كوستلر للانتحار هو وزوجته في حدث صادم، بسبب مرضه أو بسبب الحصار الشديد الذي تعرض له! مع أنه فسَّر نظريته تلك بأنها تهدف لمحو ما يسمى نظرية معاداة السامية من تراث اليهود، وتحريرهم من هذه التهمه الشنيعة ليعودوا أسوياء يتمتعون بالحرية!
مع العلم أن، أرثر كوستلر المتوفى عام 1983م هو يهودي من هنغاريا، عمل مع الانتداب البريطاني مراسلا صحفيا، وهو من رافضي الحركة الصهيونية، وقد أعلن البراءة حتى من العقيدة اليهودية!