مستقبل فلسطين مرهون بوحدانية التمثيل السياسي …!.. بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس

لقد شكّل غياب التمثيل السياسي الموحد والمؤسسي للشعب الفلسطيني قبل نكبة عام 1948، أحد أهم عوامل الضعف والعجز التي سهّلت على الحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية تنفيذ مشروعها الاستيطاني الإحلالي، من خلال اغتصاب الأرض، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتصفية هويته الوطنية. كان الهدف المعلن من قبل الحركة الصهيونية واضحًا: القضاء على الهوية الفلسطينية وشطب أي عنوان سياسي جامع يمثل الفلسطينيين في الداخل والشتات.
جاء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، بإجماع عربي، كخطوة تاريخية لتجسيد الكينونة السياسية الفلسطينية، وتعزيز تمثيلها على الساحة الإقليمية والدولية. ومع تصاعد العمل المقاوم وانخراط الفصائل الوطنية في أطر المنظمة، تكرّس دورها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما أكدته قمة الرباط عام 1974، وتوّج بالاعتراف الدولي والأممي الذي جعل من المنظمة عنوانًا نضاليًا لا يمكن تجاوزه.
لكن، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأ الاحتلال يضع مخططات لضرب هذا التمثيل، عبر تشكيل بدائل وهمية مثل “روابط القرى”، أو بدعم تيارات عقائدية تتبنى نهجًا مختلفًا عن م.ت.ف. وقد ساهمت بعض القوى في تعميق هذا الشرخ، خصوصًا بعد ظهور حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، ورفضهما الانخراط في أطر م.ت.ف.، ما أضعف وحدة الموقف الفلسطيني.
الانقسام الذي تكرّس منذ عام 2007 بسيطرة حماس على قطاع غزة شكّل طعنة قاسية لوحدانية التمثيل، وهو انقسام لا يزال يعمّق المأساة، ويقوّض أي مشروع وطني جامع. ورغم الجهود الوطنية المتكررة، لم تنجح محاولات رأب الصدع وإنهاء الانقسام، بل إن تفرد حماس بالقرار السياسي في غزة، وتحالفاتها الإقليمية المتباينة، فاقمت من حالة الشرذمة، في لحظة مصيرية من تاريخ القضية.
اليوم، وبعد مرور ما يقرب من تسعة عشر شهرًا على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي خلّف كارثة إنسانية غير مسبوقة من حيث عدد الشهداء والجرحى، وتدمير البنية التحتية والمرافق المدنية والطبية، بات واضحًا أن غياب الموقف الفلسطيني الموحد يخدم بالدرجة الأولى أهداف الاحتلال، الذي يستغل الانقسام لتنفيذ خططه التصفوية، في ظل تحولات إقليمية ودولية دقيقة ومتسارعة.
إن العدوان المستمر لا يستهدف فقط غزة، بل هو عدوان شامل على الهوية الوطنية الفلسطينية، وعلى مشروع الدولة والاستقلال. وفي المقابل، تقف م.ت.ف. اليوم أمام مسؤولية تاريخية في الحفاظ على وحدانية التمثيل، ومواجهة هذه التحديات بموقف وطني موحد، يسعى لإعادة بناء البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، وتحقيق الشراكة السياسية، بما يضمن إعادة الاعتبار لمشروع التحرر الوطني.
تستعد منظمة التحرير الفلسطينية لعقد اجتماع مجلسها المركزي في ٢٣ و٢٤ أبريل الجاري، لبحث هذه التحديات الكبرى، ولتجديد التأكيد على التمسك بالثوابت الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف: العودة، والمساواة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ويجب أن يكون هذا الاجتماع محطة حاسمة لتجديد شرعية المنظمة وتعزيز مكانتها، والعمل على فتح أبوابها لكل القوى الوطنية على قاعدة التعددية والشراكة والتمثيل.
إننا في هذه اللحظة الحرجة، ندعو حركة حماس إلى الوقوف أمام مسؤولياتها الوطنية، والتخلي عن سلوكها التفردي والتحالفات التي تُوظَّف أحيانًا لخدمة أجندات غير فلسطينية، وأن تعلن بوضوح أنها ليست بديلاً ولا منافسًا للمنظمة، بل شريكًا في المشروع الوطني، على قاعدة وحدة القرار والتمثيل في إطار م.ت.ف.
إن دروس التاريخ الفلسطيني تثبت أن الانتصار كان دومًا ثمرة للوحدة والالتفاف الشعبي حول مشروع وطني جامع، وأن كل محاولات التشتيت والانقسام كانت مدخلًا للهزائم والنكبات. لقد دفع الشعب الفلسطيني على مدار قرن من الزمان ثمناً باهظاً من دمه وأرضه وحقوقه في سبيل الحفاظ على هويته الوطنية، ولن يغفر التاريخ، ولا الأجيال القادمة، لأي طرف يضع مصلحته الفئوية فوق مصلحة الوطن.
فلنُعِد الاعتبار لصوت الشعب، ولنُحيِ الميثاق الوطني الذي جمعنا، ولنجعل من وحدة التمثيل السياسي عنوانًا للمرحلة القادمة، وسبيلاً للتحرر والاستقلال. فالمستقبل لا يُكتب إلا بإرادة موحدة، وصوت واحد، وقيادة واحدة تعبّر عن الكل الفلسطيني، في الداخل والشتات.
د. عبد الرحيم جاموس
19/04/2025
Pcommety@hotmail.com