في تأمُّل تجربة الكتابة بيني وبين زياد خدّاش

فراس حج محمد| فلسطين
أجرى معي الكاتب زياد خدّاش حواراً لصالح صحيفة الأيام الفلسطينية[1]، وكان لهذا الحوار قصّة. التقيتُ مع زياد صبيحة يوم الأربعاء 3/7/2024 عرَضاً دون تخطيط في مكتبة الجعبة في رام الله، كنت مشغولاً بالتفتيش عن الكتب الصادرة حديثاً، وخاصة تلك التي تتعلق بالحرب على غزة. دخل وسلّم وتبادلنا المجاملات، وتحدّثنا عن التقاعد، دردشة قصيرة، ولم ينسَ- مازحاً- ما كنّا تواعدنا عليه مع بعض الأصدقاء؛ “عزومة على أكلة مسخّن في بيتي”. وقبل أن يُودع بعضاً من أغراضه الشخصية في المكتبة، أخبرني أنها فرصة لإجراء حوار معي بعد أن التحق بعمل جديد في الصحيفة غير زاويته الأسبوعية (الثلاثائيّة) في عمود “دفاتر الأيام”، وأكد أنه سيرسل لي الأسئلة اليوم، وشدد على أن تكون في حدود ألف كلمة، حتى لا يضطر المحرّر أن يُعدّل ويحذف؛ لأن المساحة محددة، كما حصل مع آخرين، فأبدوا نوعاً من الغضب أو الحرد. “نحن في غنىً عن هذا يا صديقي”. قال زياد باسماً.
اتفقنا على ذلك، وكنت سعيداً باللقاء، وأكثر سعادة بهذه المبادرة، لا سيما أنها من كاتبٍ وقاصٍّ وصحفي له حضوره الثقافي المهمّ عربيّاً وفلسطينيّاً، عدا أنّه يعمل لصالح صحيفة يومية ذات حضور عند المثقفين والكتّاب، ولا أخفيكم سراً أنه طموح لأيّ كاتب أن يقوم أحدهم- فما بالكم بزياد- بعمل حوار معه لصالح صحيفة وازنة عدا أنّها فلسطينية، ففلسطين بلدي، ومن حقي أن أكون فيها، كاتباً، ومعرّفاً بي، وبكتبي، ومشاريعي الثقافية الممتدة بين الحقول الأدبية، وبين النشاط التربوي والأكاديمي، والسياسي.
أرسل لي الأسئلة عبر الواتسآب تباعاً، سؤلاً، وراء سؤال، أبديت إعجابي بالأسئلة، فهي مختلفة، ومن زاوية أخرى تدفع إلى الاستفزاز، استفزازي أوّلاً للإجابة بحماسة دون التخلي عن شرط المساحة، واستفزاز المتلقي. كان زياد متوقّعاً أن تثير هذه “الدردشة” لغطاً وحواراً آخر مع الوسط الثقافي، إذ يرى حسب تلك الرسائل الصوتية التي أرسلها عبر الواتسآب تحمّسه للحوار، وأنه لا بد من تحريك المياه الراكدة، وأن يكون هناك نقاش حقيقي واشتباك فكري بين الكتّاب حول القضايا المطروحة، على غرار ما كان يحدث سابقاً فيما عرف بالمعارك الأدبية. لكنْ، لم يحدث شيء من هذا، هل خيّبتُ ظن زياد أم أن مزاج الكتّاب المحموم بسبب ما يجري في عموم الأرض الفلسطينية، وفي على وجه الخصوص، في غزة حال دون ذلك، فالوقت ليس وقت مناحرات أدبية؟
يتألف الحوار من ثمانية أسئلة، نشر منها ستة، (حُذف السؤالان الثالث والسابع)، نظراً للمساحة المحدودة الممنوحة لهذه الزاوية في صفحة “أيام الثقافة”. أحد الأصدقاء بعث لي رسالة يقول فيها: “تلصّصت على دردشتك مع زياد. أحببتها، ذكية وحميمة”، كما وصف الدكتور عادل الأسطة الحوار بأنه ممتاز، إلا أنه قصير”.
أضفتُ لهذه الدردشة سؤالين آخرين، الأول يتعلق برد فعل الناس والنقاد على نصوص الحب التي أكتبها، وكان قد اتصل بي خدّاش لأكتب له عن رأيي في “نصّ الحب في المشهد الشعري الفلسطيني”، وهو السؤال رقم (9)، وقد أدرج زياد قسماً كبيراً من الإجابة في مقالته الأسبوعية التي يكتبها لصالح صحيفة عُمان، وتناول فيها ديوان الشاعر المرحوم محمد دلة “مرثية الفارس الغريب”[2].
كما أضفتُ السؤال (10) من وحي دردشة مع زياد حول الكتابة الأيروسية أو الإباحية بعد أن أعدّ مقالته الأسبوعية لصالح صحيفة عُمان[3] حول كتاب “سر الجملة الاسمية”. يرى أنني يجب أن أضيف بعداً فلسفياً على تلك الغرائز التي تناسب البدايات، فنحن خرجنا من هذه المرحلة، حيث يكون الإنسان مجنوناً وغرائزياً، ويريد أن يحتفل بالمشهد، لكن الآن يجب أن تصبح غرائزيتك وإباحيتك فلسفية، تربطها بمسائل أخرى كالحب والسياسة، ويقول: “يوجد في بعض المقاطع الإباحية التي توردها نوع من الابتذال؛ بمعنى أن الموضوع مكرر، والأوصاف وطريقة الحديث، فهناك بُعْد ومداخل للحسية فيها بعد فني وجمالي أكثر، أنا كنت مثلك كاتباً مجنوناً وإباحياً، وعندي مشاريعي في المستقبل، قرأت الخراط[4] وأثّر فيّ، وكنت أفهم الغرائزية خطأ، يبدو لي أن تكرار الحديث عن الحسية بشكل متواصل دون إضافات وربطها بالفكرة والفلسفة لا يجعلها جيدة في ذاتها”.
لم يكن زياد على علم بما حدث معي عام (2016) من تحقيق بشأن مقال “أجمل ما في المرأة ثدياها“، عندما نشرته على صفحة الفيسبوك مقروناُ بلوحة “الفتاة التي أرضعت أباها”، وتفاجأ بهذه المسألة، ووعدته أن أحدّثه بالتفصيل عن تلك الأزمة التربوية الأخلاقية القاسية، ولعلّه سيقرأها قريباً في كتابي “الوقوع في اللهب” الذي أعددته من أجل توثيقها والتوثيق لكل المقالات التي سببت إزعاجاً في الوسط التربوي.
صدّر خدّاش الحوار في جريدة الأيام بهذه المقدمة: “هو أبرز من شاكس وأكثر الشعراء والساردين الذين يرفضون ما يعتقدونه تشويشاً لنقاء الكتابة، يعمل فراس مفتشاً[5] في وزارة التربية والتعليم، في نصوصه لا نرى المفتّش، يخفيه بذكاءِ مَنْ يعرف أن هذه المهنة لا تناسب الأديب، في رصيده كتب كثيرة، جُلّها في مقارعة السائد، وتدمير المتفق عليه الذي لا يعجبه، حتى حسين برغوثي لم يسلم من آرائه، هذه دردشة مع فراس حج محمد:
- فراس، المعظم يقول إنك مجنون تكتب ما يخطر في بالك، وتبحث عن الممنوع والمحرج. هل هذا هو مفهومك للأدب؟
أولاً، دعني أشكرك مرتين، الأولى على هذا الحوار، والأخرى على هذه الافتتاحية بسؤال الجنون. كل ما هو خارج عن المألوف يوصف بالجنون، سعيد بهذا الوصف. إذ إنني أحب كالمجانين تحريك المياه الراقدة ولفت الانتباه إلى ما يجب أن يُلتفت إليه بطريقة لافتة، دفعاً للتفكير ومساءلة الذات، وإذا تحقق هذان الشرطان مع شرط أدبية النص فإنني أستطيع القول إنني أنتجت أدباً جيداً، وهذه الثلاثة أركان تشكّل مفهوم الأدب، كمفهوم عام، لكنني أصنعه بطريقتي لتكون لي بصمتي الخاصة في كتابته.
- أنت موجه أو مفتش بالتعبير القديم في مدارس فلسطين. في الكتابة أيضا تفتّش وتوجّه. كيف نفرق بين السياقين؟
أعاني أغلب الوقت من ازدواجية في الشخصية، ما بين المشرف التربوي (المفتش) وما بين الكاتب الناقد، وهما وظيفتان تلتقيان عند حافّة مهمة وهي الانتباه إلى الإيجابيات والسلبيات في كلا العملين التربوي والأدبي تبدو المنفعة متبادلة، فتقييم التعليم يعتمد على ملكات نقدية، والكتابة النقدية أو الإبداعية تقبس من رسالية العمل الإشرافي، إلا أن لكل منهما مجاله وأبجديات عمله، ويختلفان في المصطلح المستخدم والإجراءات المتبعة للتنفيذ.
- أصدرت كتابا مهماً “استعادة غسان كنفاني” برأيك ما مدى أهمية هذه الاستعادات لرموزنا الثقافية؟
جاء الكتاب في فترة ركود سياسي واجتماعي عام، وبدأ الضعف يدبّ في فكر المثقفين ومواقفهم، هكذا كنت أرى، وسبق الكتاب مجموعة من المقالات حول دور المثقف في الحياة، جعلتها فيما بعد فصلاً افتتاحياً فيه، لأنني أردت استعادة غسان المثقف بالدرجة الأولى لا غسان الأديب. ففكرة الاستعادة بحد ذاتها تتجاوز مفهوم الرجوع إلى أدب الأديب إلى ضرورة استحضار نهجه ومقولاته لتكون دليلاً في غمرة الإحباط العام. أعتقد أن أمثال غسان كنفاني في هذا المفهوم قلائل في الأدب الفلسطيني، إذ لا تمثل الاستعادة الرجوع إلى ما كتبوا لنعيد طباعة كتبهم إنما استعادة النهج والاستفادة منه في الحاضر. غسان كنفاني كان يمثل مشروعاً وطنياً وسياسياً وثقافياً مختلفاً، وأظن أن من يُقارن به قليل، بل ونادر جداً.
- تسكن في قرية وتتواجد في رام الله باستمرار. كيف تقرأ رام الله يا فراس سياقاً، تاريخاً، ومعماراً وثقافة ومؤسسات ثقافية؟
أحب الريف حباً جماً، وأنفر من المدن بعامة، ولا أحب حياة الناس فيها، لكنني كنت مضطراً في أحيان إلى التعايش مع أجواء المدن، ومنها رام الله. لا أعرف هذه المدينة كما تعرفونها، أعرف فيها مكتبة أو اثنتين، ومقهىً واحداً أو اثنين، لكنني أعرف ما فيها من حركة ثقافية، وما ينشر فيها من كتب، وما يصدر فيها من صحف، وما يقام بها من فعاليات. هذه الأجواء هي التي ربطتني بالمدن، نابلس ورام الله والخليل وغيرها، وهي بالتالي شكّلت جزءاً من معارفي منذ دخلت إلى تلك الأجواء وتعرفت إلى ناسها المثقفين تحديداً. وأعتقد أنه لولا هذه الحركة الثقافية لا حاجة لي لأية مدينة في العالم مهما كانت عريقة أو جميلة.
- تبدو مشغولا بالحب في نصوصك. وأحب إصرارك على ذلك. لماذا برأيك لا يوجد في فلسطين كتاب حب بالمعنى العاطفي الهستيري للكلمة؟
منذ نشرت ديواني الأول “أميرة الوجد” بلورت مشروعي الشعري ليكون شعراً وجدانياً، شعر حب بالتحديد، بدأت كلاسيكياً. وعذرياً (كما وصف الكاتب إبراهيم جوهر الديوان)، ثم تدرجت لأتحدّث عن كل ألوان الحب بكل الألوان الشعرية، حتى ما أطلقت عليه العاطفي الهستيري، لتكتمل صورة الحب في دواويني العشرة من البراءة والقداسة حتى الغرق في الأيروتيكية. بهذا التوصيف كنت أعوّض النقص الحادّ في شعر الحبّ الفلسطيني، وأنفر منذ كنت عضواً في أحد الأحزاب[6] من توظيف الشعر سياسياً وأيديولوجياً كما قد يفعل الشعراء الآخرون. إنّ غرق الشعراء في الهستيريا السياسية المحتدمة يومياً ربما السبب في صناعة الشعر على هذه الصورة. أضف إلى أن القرّاء يستغربون منك شاعرَ حبٍّ، وإن كنت شاعراً جيداً وينتقدونك، لكنهم يمدحونك ويقبلون على ما تكتب من شعر مقاومة حتى لو كان شعراً رديئاً، ولتتأمل عمق هذه المأساة، فإن محمود درويش عندما أصدر ديوان “سرير الغريبة” وجدت كثيرين يصفونه بصفات أفقدته “نياشين الشاعر المقاوم”. الأمر يعود إلى التركيبة الذهنية والنفسية للمتلقي.
- كتابك الرهيب (نسوة في المدينة) الصادر عن دار جسور للنشر وصل إلى ما فوق سقف البوح الأدبي الصادر عن تجارب حقيقية. من خلال قراءتك لردود أفعال القراء. كيف تعاملت الذائقة الفلسطينية التي لم تعتد على هكذا بوح؟
أعتقد أن كثيرين قرأوا الكتاب وأحبوا ما فيه، سراً لا علانية، أحد القرّاء كان يقرأ فيه مع زوجته في غرفة النوم قبل الشروع في العلاقة الحميمة، جاءني في يوم من الأيام وقصّ عليّ القصة، وأن زوجته تدعو لي. أسعدني ذلك بالطبع، لكنها سعادة منقوصة؛ فالكتاب ليس كتاباً جنسياً بالدرجة الأولى، وإن اعتمد على العوالم السرية بين الرجال والنساء إلا أنه يحمل مؤشراً على حياة افتراضية يغرق فيها الناس إلى حد الوهم المطلق، لأنني عندما كتبت الكتاب بعد صحوة من غياهب هذا العالم أدركت خطورة أن تتحول الحياة الاجتماعية واللذة الحسية إلى مجرد سيل إلكتروني صوتي وصوري وكتابي، ومع ذلك لم أجد من شتمني أو انتقدني كما كان يتوقع صديقي رائد الحواري عندما أطلعته على المسودة، وكان يقترح أن أطبع منه عشرين نسخة لتُوزّع على الأصدقاء الموثقين فقط.
- ابتسامتك الجميلة التي تتجول بها في أروقة معارض الكتب في فلسطين تتناقض مع قائمة الحظر الطويلة عندك في وسائل التواصل. كيف تردّ؟
الناس في مواقع التواصل الاجتماعي مجرد أشباح، ولدوا هناك بالنسبة لي وإن غادروني لا شيء يربطني بهم، ولا حنين لأي منهم، عدا أصدقائي ومعارفي الذين أعرفهم في الواقع. فمثلا النساء الواردات في كتاب “نسوة في المدينة” الآن لا أتذكر أية امرأة منهنّ إلا من التقيتهن في المقاهي والفنادق والمطاعم. فلذلك من السهل أن تُقلّل من أفراد هذا المجتمع عندما يصبحون عبئاً نفسياً. أما الناس في الواقع وفي معارض الكتب فأنا أكون في أهم مكان بالنسبة لي؛ الكتب من حولي، والكتّاب والمعارف والأصدقاء. فتسيطر عليّ أجواء السرور فأظل منتشياً ومبتسماً.
- لديك آراء صادمة في تجربة حسين برغوثي الأدبية.
لهذه المسألة وجوه متعددة، أولا ما تحدثت به عن حسين البرغوثي جاء في سياق مبالغة أصدقائه في الحديث عنه في ذكراه (ذكرى وفاته)، ودعني أكشف لك سراً أن أحد الشعراء (الأصدقاء) أمدني بما كتبه عن حسين البرغوثي، فلم تعجبني كتابته. ثانياً قرأت البرغوثي منذ أمد بعيد عندما كانت تُنشر نصوصه في مجلة الكرمل ومجلة الشعراء، ولم يكن يستهويني الغموض في كتاباته. أشعر أنها عائق حقيقي للفهم لشخص مثلي تربّى على كلاسيكيات الأدب، والكتب الدينية. لم أكن أفهم ما يقول؛ لأنه لا مفاتيح للدلالة لديه، أو أنني أنا الذي لم أكن أملك تلك المفاتيح. الغريب في الأمر أنني عندما أعود الآن إلى ما كتب تبقى عصية على الفهم. إجمالا أطمح أن يكون الأدب سهلاً عالي المستوى، ليس طائشاً في سطحيته، ولا غارقا في غموضه البائس.
- سألنا الكاتب والشاعر فراس حج محمد وهو صاحب كتب شجاعة توغلت عميقاً داخل عوالم الممنوع في الكتابة الفلسطينية عن تجربته في مواجهة جملة (إحنا في إيش وأنت في إيش)
لا شيء يستفز القرّاء كما يستفزهم موضوع الحب والجمال وعلاقة الرجل مع المرأة، فترى القراء مهووسين بالمتابعة والتعليق، والتلصّص وبناء الأفكار فيما بينهم وبين أنفسهم، لا سيما إذا كان أحد الطرفين مجهولاً في النصوص، فيبادرون ويسألونك من تقصد أو لعلها فلانة، ويأخذون بقراءة “مخابراتية”، وقد يوفقون أحيانا في اقتناص معلومة لم يحترس لها الشاعر المتغزّل، لتبدأ عملية تبئيرية فيضعون الطرفين تحت المراقبة الدائمة. (للأسف نجح بعضهم باختراق عوالمي والكشف عن أولئك النساء، فأصبح الأمر محرجاً جداً في مجتمع يعاني من أمراض الحبّ)
وهناك مظهر آخر يتم فيه مهاجمة كاتب النصوص الغزلية، وخاصة الفلسطيني، بدعوى أن الفلسطيني لديه ما يشغله عن الحب، والوقت ليس وقت غراميات، “والعالم عم تموت”، هكذا قيل لي مرات كثيرة، ولكن تزداد النقمة عليك إذا كان النص مفخّخاً بالأيروسيات، فيُدخلك القرّاء في دائرة الأخلاقيات، والحلال والحرام، وانتهاك الأعراض، لتبدأ معركة أخرى، تحضر فيها الغوغائية، وعدم فهم النص، والانحراف في التأويل، وخاصة لشخص مثلي يعمل في سلك التربية والتعليم، لتزداد عبارات التنمر، والطرد من جنة الأخلاق الفاضلة، وتصبح شخصاً خطراً على المجتمع التربوي برمته.
أما النقاد والناقدات فالأمر مختلف لديهم، فلم يحدث أن هاجمني ناقد أو ناقدة لنص غزلي كتبته[7]، حتى لو كان ذا صفة أيروسية مباشرة، بل كانوا يأخذون النصوص لأبعاد معرفية وفلسفية تسعدني جدّاً، ويرون في النص ما لم يره القارئ العادي، وإن وصفوني مثلاً بالجرأة والشجاعة، متوقعين نقمة المجتمع عليّ بسبب هذه النصوص، ولا أعدو الحقيقة لو قلت إن هؤلاء النقاد كانوا يشكلون شبكة أمان لي أحتمي بها في وجه بركان المجتمع المتربص.
- عندي ملاحظة: تبدو الغرائزية في بدايتها واضحة لديك في النصوص، كيف يمكن تفسير هذا؟
هذا موضوع مهم وحيوي لا يخلو منه كتاب لي. ناقشته كثيراً في كتبي، وفي بعض المقالات، الأمور بالنسبة لي هي تعبير عن حالة إنسانية، لم أفكر بتجميلها أو تحميلها بعداً أكثر من اجتماعيتها في سياقها المولودة فيه، بمعنى أنني التزمت بواقعيتها، لا ببدائية المعنى الغرائزي.
بالتأكيد ستجد كل شيء، في كتاباتي الموزّعة في كتب كثيرة، حتى هذا البعد الفلسفي الذي تتحدث عنه. وكل ما كتبته في النهاية ما هو إلا اقتراح للتعبير عن هذه الأفكار. قرأت (جورج باتاي)[8] وما كتبه عن الأيروسية، كتابه في هذا الموضوع جيد وأفادني كثيراً، مع أنه صعب، كما أن له ديوان شعر ومجموعة قصصية قرأتهما، لأرى كيف يكتب الفيلسوف عن الجنس، وركز على البعد الحسي المباشر في المجموعة والديوان، لكنه فلسف الأمر في كتابه الأيروسية، كما اطلعت على كتاب “الفلاسفة والحب- الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار”، ويضم عشر فلاسفة يتحدثون عن الحب، وقاربوا موضوع الجنس، فيما كتبوه لمحبوباتهم أو عنهنّ، ولا يخلو ذلك من هذه البدائية وتلك الغرائزية.
على العموم، لا بدّ من قراءة كل ما كتبتُه في هذا الموضوع ليكون الحكم أكثر دقة وصوابيّة، على الرغم من أن ملاحظتك في محلها في بعض ما كتبت واطلعتَ عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] نشر الحوار في عدد (10454)، بتاريخ: 7/1/2025.
[2] جريدة عُمان، عدد 15427، الخميس، 9/1/2025.
[3] إدوار الخراط روائي وقاصّ مصري إسكندراني ولد بـ (16 مارس 1926) وتوفي بــ (1 ديسمبر 2015)
[4] يقصد الروائي المصري إدوار الخرّاط.
[5] التسمية المعتمدة في وزارة التربية هي المشرف التربوي، ولعلّ زياد أطلق لقب المفتش ومرة “الموجّه” ليعبر عن تلك العلاقة غير الودية التي كانت بينه وبين المشرفين التربويين، كونهم أداة من أدوات المراقبة، والحدّ من الإبداع
[6] حزب التحرير (الإسلامي)، بقيت منتميا للحزب أكثر من (17) عاماً، وتركت العمل الحزبي والسياسي في العام 2012.
[7] عدا ما حدث معي من قراءات هجومية لديوان “ما يشبه الرثاء” من بعض أعضاء ندوة اليوم السابع المقدسية.
[8] فيلسوف ومفكر فرنسي، ولد في (10 سبتمبر 1897) وتوفي في (8 يوليو 1962) تناولت كتاباته مواضيع مثل الإثارة الجنسية والتصوف والسريالية.