من حكاوي الحرب: قصة واقعية من غزة.. ✍ بقلم/ خالد جوده

ترددت كثيرًا قبل كتابة هذه الكلمات، ليس لأنها مجرد سرد لحكاية عابرة، بل لأنها تحمل وجعًا يعتصر القلب، وجعًا يعكس مأساة شعبٍ بأكمله. كأي فلسطيني وصحفي، أحمل في دمي جينات هذا الشعب العظيم، وأجد نفسي مضطرًا لنقل هذه القصة رغم ثقلها، لأنها ليست مجرد كلمات، بل واقع يعيشه أهل غزة.
القصة تبدأ وسط الدمار
في غزة، حين يتم قصف مكان يأوي عائلة، يفرّ الناجون إلى المجهول، ويُستشهد من يُستشهد، ويبقى تحت الأنقاض كثيرون. في أحد هذه القصفات، اختلطت أشلاء الشهداء في المكان المقصوف، وبعد عام من المأساة، تم إبلاغ الزوجة باستشهاد زوجها، فما كان منها إلا أن نزحت مع أطفالها جنوبًا بحثًا عن الأمان.
بعد أن سمح الاحتلال بعودة السكان، اجتمعت العائلة، واقتنع الجميع أن الحل الأمثل هو أن يتزوج أخ الشهيد من أرملته حتى يجمع أبناء أخيه في كنف العائلة، خاصة وأنهم يعيشون في غرفة صغيرة وفي ظروف شديدة القسوة. انتظرت الزوجة عامًا كاملًا، وأتمّت عدتها وفق الشريعة الإسلامية، ثم تزوجت من الأخ، وبعد ثلاثة أشهر حملت الزوجة.
مأساة جديدة وسط الحرب
لكن جحيم الحرب والجوع والتشريد لم يكن كافيًا ليُحاصر هذه العائلة، إذ أضاف الاحتلال إلى حزنهم حزنًا جديدًا . حين تم الإفراج عن مجموعة من الأسرى، تبين أن الزوج الأول لا يزال على قيد الحياة ، وتم إطلاق سراحه. اختفى الأخ، وانهارت الأسرة أمام هذا الواقع المرير، الذي لا يعرف أحد كيف يُعالجه؛ لا الشرع ولا الأعراف ولا القيادة السياسية.
الاحتلال وحده يتحمل مسؤولية هذه الكارثة، لكنه ليس الوحيد في هذه المعادلة، فنحن أيضًا نُثقل كاهلنا بقيادات بالية لا تُدرك حجم الألم الذي يعيشه الناس، ولا ترى سوى مصالحها الخاصة، بعيدًا عن معاناة شعبها.
ما وراء الستار: واقع أكثر قسوة
ليست هذه القصة من نسج الخيال، إنها من زوايا الخيام الممزقة، ومن أرصفة الشوارع في غزة. ولن نتحدث عن آلاف حالات الزواج من القاصرات ، حيث أصبح الآباء غير قادرين على توفير الطعام لبناتهم، فبات الزواج وسيلة للبقاء، وصار المهر مجرد علبة فول أو بضع حبات طماطم . هذه الحقائق قد تبدو قاسية، لكنها حقيقية ، وهي تحدث الآن في غزة.
رسائل إلى العالم
رسالتي إلى الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية : حان الوقت لحصر أسماء الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، لتجنب مآسٍ مشابهة لما حدث في هذه القصة.
رسالتي إلى العائلات والعشائر الفلسطينية : التأني في اتخاذ القرارات المصيرية، لأن الأم الفلسطينية ليست مجرد فرد في المجتمع، بل هي جوهرة النضال الفلسطيني ، وهي الطفلة، والرضيعة، والجنين الذي يتم اغتياله في قلب أمه.
🔹 ملاحظة : هذه القصة حقيقية ، لكن الواقع أقسى بكثير . حاولت تجريدها من بعض المفردات القاسية حتى تصل العبرة للعائلات، ويُصبح تداولها جزءًا من الوعي الشعبي الذي يخدم القضية الفلسطينية.