مركز “شمس” يصدر ورقة موقف بمناسبة يوم العمال العالمي

تدمير سبل العيش: العمال الفلسطينيون ضحايا الحرب والحصار

المقدمة
أصدر مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” ورقة موقف بمناسبة يوم العمال العالمي، تحت عنوان: “تدمير سبل العيش: العمال الفلسطينيون ضحايا الحرب والحصار”، والتي تناولت بالتحليل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها العمال الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على الإبادة الجماعية والعقوبات الجماعية والحرمان الممنهج من الحق في العمل والعيش الكريم، مطالبة كافة الجهات المعنية محلياً ودولياً بالتدخل العاجل لضمان احترام وحماية حقوق العمال الفلسطينيين.
وقال مركز “شمس” أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اعتمد الاحتلال سياسة العقوبات الجماعية بحق العمال الفلسطينيين، حيث تم منع جميع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948م. وقد ترتب على ذلك فقدان آلاف العمال الفلسطينيين لمصادر دخلهم ومعيشتهم، نتيجة لممارسات منظمة شملت منعهم من التوجه إلى أعمالهم، وسحب تصاريح العمل، والاستهداف المباشر بإطلاق النار أثناء محاولتهم العبور من خلال الفتحات في الجدار الفاصل. وقد انعكست هذه السياسات سلباً على واقع القوى العاملة الفلسطينية، وأثرت بعمق على حياتهم اليومية وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
في السياق ذاته، شكّل العدوان على قطاع غزة وما رافقه من عمليات إبادة جماعية أثراً بالغاً على القوى العاملة، إذ أدى الدمار الواسع الذي طال المنشآت الاقتصادية إلى فقدان العمال لوظائفهم وفرص عملهم. كما أن موجات النزوح والتهجير القسري لما يقارب مليوني مواطن غزّي، إلى جانب الحصار المشدد والإغلاق المستمر، قد فاقمت التدهور الاقتصادي والاجتماعي في القطاع، مما ساهم في مفاقمة معاناة السكان وأدى إلى شلل شبه كامل في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية.

انتهاكات الاحتلال بحق العمال الفلسطينيين
وأوضح مركز “شمس” أنه في اليوم الذي يحتفل به العالم بعيد العمال العالمي في الأول من مايو/أيار سنوياً تقديراً وعرفاناً للتفاني والعطاء الذي يقدمه العمال في مسيرة البناء والتنمية في المجتمعات، والدور الأساسي الملقى على عاتقهم في بناء وعمارة الدول في كافة القطاعات الإنتاجية، تأتي هذه المناسبة على الشعب الفلسطيني للعام الثاني على التوالي ومازال العامل الفلسطيني محروم من عمله، ومن الحصول على لقمة عيشه بسبب الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تتمثل في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على الشعب الفلسطيني، وممارساته اليومية من القتل والتدمير والحصار والإغلاق وإقامة الحواجز وسحب التصاريح ومنع الحركة والتنقل، وحرمان أكثر من (200) ألف عامل فلسطيني من التوجه إلى أماكن عملهم في داخل الأراضي المحتلة في العام 1948م. ومصادرة أراضي المزارعين في الضفة الغربية ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وفلاحتها، وتوسيع الاستيطان على حساب الأراضي الزراعية في الضفة الغربية مما حرم آلاف العمال من عملهم ورزقهم وقوت يومهم.

تأثير حرب الإبادة الجماعية على العمال في الضفة الغربية وقطاع غزة
وفقاً للإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فمنذ السابع من أكتوبر 2023، فإن حوالي (500) ألف عامل فقدوا عملهم بسبب العدوان الإسرائيلي من بينهم حوالي (200) ألف عامل كانوا يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، وارتفعت نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى (75) %، إضافة إلى الخسائر الشهرية للعمال والتي تقدر بحوالي (350) مليون شيكل شهرياً، إذ كان لدى (18,500) عامل من غزة تقريباً تصاريح للعمل في إسرائيل، رغم أن عدد من كانوا في إسرائيل يومها ليس واضحاً للحصول على تصاريح، يخضع المتقدمون من غزة لتدقيق أمني صارم، وتم إلغاء هذه التصاريح بشكل كامل. حيث أجبرت تلك الظروف الصعبة الكثير من العمال في قطاع غزة على بيع أثاث منازلهم وممتلكاتهم الخاصة لتغطية النفقات الأساسية اللازمة لمجالات الطعام والعلاج الطبي، في الوقت ذاته تشهد الحياة الاقتصادية ركوداً كبيرا،ً وارتفاعاً لأسعار المواد الغذائية بسبب الحصار والإغلاق المفروض على قطاع غزة، وأما في الضفة الغربية فإن الحال ليس أفضل بكثير، فمنع العمال من العودة إلى عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948م وجعل الحركة الاقتصادية في ركود كبير، ومنع الحركة والتنقل بين مدن وبلدات الضفة الغربية وانتشار الحواجز كان له تأثيرات سلبية على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية، ما أجبر الكثير من العمال على وقف تدريس أبنائهم في الجامعات بسبب التكاليف العالية للدراسة والأقساط وتكلفة التنقل والحركة في الضفة الغربية.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن الواقع العمالي في فلسطين للعام 2024 يزداد سوءً حيث أظهرت نتائج مسح القوى العاملة في قطاع غزة في الربع الرابع من العام 2024 إلى ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى حوالي 68% مقابل حوالي 45% في الربع الثالث من العام 2023، كما أشارت نتائج هذا المسح إلى انخفاض نسبة المشاركة في القوى العاملة لتصل إلى حوالي 30% مقابل 40% في الربع الثالث 2023؛ أي قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما أظهرت النتائج تضرر فئة الشباب (15-29) سنة بشكل كبير؛ فحوالي ثلاثة أرباع الشباب (74%) أصبحوا خارج التعليم والتدريب وسوق العمل.
ووفقاً لذلك، فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل في الضفة الغربية إلى (313) ألفاً في العام 2024، مقارنة مع حوالي (183) ألفاً في العام 2023، كما ارتفعت معدلات البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في الضفة الغربية في العام 2024 إلى حوالي (31%) مقارنة مع حوالي (18%) في العام 2023. وعلى مستوى الجنس، فقد بلغ معدل البطالة للذكور في الضفة الغربية 31.7% مقابل 30.1% للإناث في العام 2024. كما انخفض عدد العاملين (لا يشمل العاملين في الخارج) من حوالي (815) ألف عامل في العام 2023 إلى حوالي (681) ألف عامل في العام 2024؛ أي ما نسبته 20%.
كما انخفض عدد العاملين من الضفة الغربية في الداخل بشكل كبير جداً ما بين العامين 2023 و2024 بحوالي (85) ألف عامل نتيجة الإغلاقات المشددة التي فرضها الاحتلال عقب العدوان على قطاع غزة، فبلغ العدد الإجمالي للعاملين في إسرائيل حوالي (21) ألف عامل في العام 2024، مقارنة مع حوالي (107) آلاف عامل في العام 2023. كما انخفض عدد العاملين في المستعمرات الإسرائيلية من حوالي (16) ألف عامل في العام 2023 إلى (15) ألف عامل في العام 2024.
كما بلغت نسبة العمالة غير المنظمة حوالي (61%) في الضفة الغربية في العام 2024، مقارنة مع (62%) في العام 2023 (أي العاملين في القطاع غير المنظم، إضافة إلى المستخدمين بأجر، الذين لا يحصلون على أي من الحقوق في سوق العمل؛ سواء مكافأة نهاية الخدمة/تقاعد، أو إجازة سنوية مدفوعة الأجر، أو إجازة مرضية مدفوعة الأجر)؛ بواقع (67%) للذكور، مقابل (38%) للإناث، كما بلغت نسبة العاملين في القطاع غير المنظم في الضفة الغربية حوالي (46%) ، بواقع (52%) للذكور و (25%) للإناث، مقابل (47%) في العام 2023.

سياسة قتل العمال واعتقالهم
استخدم الاحتلال أساليب مختلفة في ملاحقة العمال الفلسطينيين والاعتداء عليهم وقتلهم وإعدامهم، إضافة إلى استخدام سياسة التجويع بحق العمال وعائلاتهم عبر منعهم من الوصل إلى أماكن عملهم، إضافة إلى اعتقال الآلاف منهم، فوفقاً للإحصاءات الصادرة عن نقابات عمال فلسطين فإن الاحتلال قتل من العمال في عام 2023 (117) عامل، وفي عام (2024) (56) عامل خلال تواجدهم في أماكن عملهم أو أثناء محاولتهم الوصول إلى عملهم، وتم اعتقال حوالي (8,500) من صفوف العمال الفلسطينيين من الضفة والقطاع منذ 7/10/2023 المسجلين، وقد تعرضوا للتعذيب والتنكيل والضرب والتجويع ولظروف معيشية قاسية في سجون الاحتلال، إذ تم اعتقالهم من أماكن عملهم في الأراضي المحتلة عام 1948م أو من مراكز الإيواء بالضفة، وتم اعتقال (360) من الكوادر الصحية، منهم ثلاث أطباء تم إعدامهم داخل السجون، و(48) معتقلين من الصحفيين و(26) حالة اعتقال من الدفاع المدني.
قوانين وإجراءات جديدة ضد العمال
أقرّ الكنيست الإسرائيلي، في القراءة التمهيدية، مشروع قانون يفرض عقوبات مشددة على العمال الفلسطينيين وكل من يدخل إسرائيل دون الحصول على تصاريح رسمية. ووفقاً لمشروع القانون، فإن كل من يتم ضبطه داخل إسرائيل دون تصريح عمل يواجه عقوبة بالسجن لمدة قد تصل إلى أربع سنوات، ففي الاعتقال الأول يكون الحد الأدنى للعقوبة عام واحد. وفي حال تكرار المخالفة للمرة الثانية، يرتفع الحد الأدنى للعقوبة إلى عامين، أما في حال التكرار للمرة الثالثة، فيُفرض حد أدنى للسجن لا يقل عن ثلاثة أعوام. وقد طُرح هذا المشروع من قبل نواب من حزب “الليكود” الحاكم، وحظي بدعم بعض أحزاب المعارضة.
وفي سياق متصل، أقر الكنيست الإسرائيلي، في القراءة النهائية بتاريخ 3 نيسان/أبريل 2024، القانون رقم (3510) الذي ينص على مضاعفة العقوبات والغرامات المالية على من يقوم بنقل فلسطينيين لا يحملون تصاريح دخول إلى إسرائيل عبر مركباتهم. ووفقاً لهذا القانون، تتراوح العقوبة بين حد أدنى مدته أربع سنوات وحد أقصى يصل إلى سبع سنوات، بالإضافة إلى فرض غرامة مالية مقدارها 40 ألف شيكل على الأفراد، و160 ألف شيكل على الشركات. وقد تم طرح هذا القانون من قبل حزب “القوة اليهودية” المتطرف، ولقي تأييداً من أحزاب داخل الائتلاف الحاكم وأحزاب معارضة.
وفي السياق ذاته، تواصل السلطات الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، منع العمال الفلسطينيين من التوجه إلى أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، وهو إجراء يؤثر على قرابة 150 ألف عامل، حيث تم وقف تصاريح العمل التي كانت بحوزتهم.

النساء العاملات
وفقاً للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن النساء يشكلن 49% من إجمالي السكان في فلسطين، حيث بلغ عددهن (2.71) مليون أنثى في نهاية عام 2024، وتشير الإحصاءات إلى التوزيع في الضفة الغربية (1.65) مليون وقطاع غزة (1.06 مليون)، وعلى الرغم من أن المرأة الفلسطينية تلعب دورًا مهماً في الاقتصاد إلى أن مشاركتها بقيت منخفضة، إذ بلغت نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل (18.7%) عام 2024، مقابل (70.9%) للرجال.
وقد ساهمت ظروف الحرب والعدوان وفرض الحصار والإغلاق والاجتياحات على تدمير المشاريع الاقتصادية التي تديرها النساء في الضفة الغربية، بسبب منع الحركة والتنقل بين المدن والبلدات الفلسطينية وعدم القدرة على تأمين مستلزمات الإنتاج وعدم القدرة على تسويق المنتجات، وفي قطاع غزة فإن حرب الإبادة والتهجير القسري أدت إلى تدمير كافة المرافق الاقتصادية التي تديرها النساء وأدت إلى فقدان النساء العاملات لوظائفهن أيضاً.

غياب الحماية الاجتماعية للعمال
الحماية الاجتماعية، هي حق أساسي من حقوق العمال، وتتمثل في توفير الرعاية الصحية للعمال وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية، وتأمين كرامة العمال، وفي السياق الفلسطيني فإن منظومة الحماية الاجتماعية غائبة عن العمال الفلسطينيين، فلا يوجد شبكة أمان اجتماعي للعمال في حالات العجز والبطالة والمرض والإعاقة، فعندما يصبح العامل الفلسطيني غير قادر على العمل وتوفير الدخل فإنه يدخل حالة من العوز والفقر المدقع، فغياب منظومة الحماية الاجتماعية الفلسطينية، وعدم وجود رؤية إستراتيجية وطنية واضحة للحماية الاجتماعية، يترك العمال الفلسطينيين في حالة من الضياع والذهاب إلى المصير المجهول بدون أية ضمانات اجتماعية في المستقبل وخاصة في حالات المرض والعجز.
وفي ظل هذا الواقع الذي فرضه الاحتلال والآثار الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، فقد أصبح من الضرورة والواجب إنجاز إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية، وتحقيق الوعي الاجتماعي ومواجهة كافة أشكال الفقر وإعادة التفكير في رؤية التنمية المستقبلية، وتفعيل القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والتركيز على المشاريع المدرة للدخل من أجل تحقيق دخل مستقر للأسر الفلسطينية بعيداً عن تحكم الاحتلال بقوت العمال ومصدر رزقهم.
خسائر القطاعات الاقتصادية في قطاع غزة
وفقاً للتقديرات الصادرة عن مركز الإعلام الحكومي في قطاع غزة، فإن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي تُقدّر بمليارات الدولارات، مما يشكل كارثة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ القطاع. وقد أسفر العدوان عن تدمير شامل وممنهج لخمسة عشر قطاعاً حيوياً من البنية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك: القطاع الإسكاني والمنزلي، القطاع الخدمي والبلديات، القطاع التجاري، القطاع الصناعي، القطاع الحكومي، القطاع الزراعي، القطاع الصحي، القطاع التعليمي، القطاع الإعلامي، القطاع الترفيهي والفندقي، قطاع الاتصالات والإنترنت، قطاع النقل والمواصلات، وقطاع الكهرباء.
وقد أدت عمليات الاستهداف الممنهج لهذه القطاعات إلى انهيار البنية التحتية الاقتصادية بشكل شبه كامل، مما تسبب في توقف الأنشطة الإنتاجية والخدمية وأدى إلى شلل اقتصادي واسع النطاق. وتبعاً لذلك، فقد آلاف العمال الفلسطينيين في قطاع غزة مصادر دخلهم وفرص عملهم، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تدهور مستويات المعيشة وزيادة معدلات الفقر والبطالة، فضلاً عن تعميق الأزمة الاجتماعية والإنسانية.
كما ساهم هذا التدمير الواسع في تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل قطاع غزة، إذ باتت غالبية السكان تعتمد على المساعدات الإغاثية لتأمين احتياجاتها الأساسية. ويُضاف إلى ذلك أن تدمير القطاعات الحيوية، ولا سيما القطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه، قد أضعف قدرة المجتمع المحلي على الصمود والتعافي في المستقبل القريب، مما ينذر بمخاطر طويلة الأمد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة.

عمال قطاع غزة
أشارت البيانات الصادرة عن مركز الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إلى أن عمّال القطاع يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة جداً في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي تجاوزت (75)%، وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من (90)% واستمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، في ظل ظروف معقدة وقاسية يعيشها العمال في القطاع، مع استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فقد بلغت نسبة البطالة في القطاع 75% مع مطلع العام 2024، مقارنة بـ 46% في العام 2023 أي قبل حرب الإبادة الجماعية، إضافة إلى ذلك فقد أكثر من(200) ألف عامل من بينهم حوالي (5000) صياد أسماك بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال في البحر ويمنع الصيادين من الصيد ويطلق النار عليهم ويقتلهم بشكل دائم ومستمر في كل محاولة قيامهم برحلة صيد في البحر.
تم طرد عمال قطاع غزة الذين كانوا يعملون في الأراضي المحتلة عام 1948م من قبل الاحتلال وألقى بهم على حواجز الضفة الغربية، وهم يتواجدون اليوم في عدد من محافظات الضفة الغربية، وتم توزيعهم على عدد من مراكز الإيواء في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ولكنهم يعيشون ظروفاً صعبة اقتصادية واجتماعية ونفسية، وقد تعرضوا للاعتقال والتحقيق وتم التنكيل بهم وضربهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يتم إطلاق سراحهم على الحواجز العسكرية في الضفة الغربية.

حماية العمال في القانون الدولي
يُعد الحق في العمل من الحقوق الأساسية المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، حيث منح هذان النظامان القانونيان حماية واسعة لهذا الحق، مؤكدين على ضرورة ضمان حرية العمل، وحركة العمال، ووصولهم الآمن إلى أماكن عملهم، إضافة إلى توفير فرص عمل لائقة لهم. ومع ذلك، انتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسات العقوبات الجماعية ضد العمال الفلسطينيين، ما أدى إلى مصادرة حقهم في العمل عبر ممارسات منهجية تمثلت في سياسة الإغلاق، ومنع حرية التنقل، والاعتداءات المباشرة، مما يشكل انتهاكًا صارخًا لكل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لقد أدت هذه الممارسات إلى تدمير الجوانب الاقتصادية والمعيشية للسكان الفلسطينيين، من خلال معاقبة المدنيين بصورة جماعية عبر حرمانهم من مقومات حياتهم الاقتصادية وعلى رأسها حقهم في العمل. ويُعد ذلك انتهاكًا واضحًا للمواد القانونية الدولية ذات الصلة؛ حيث أكدت المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948م أن “لكل شخص حق العمل، وحق في أجر متساوٍ على العمل المتساوي، وفي الحماية من البطالة، وحقُّ إنشاء النقابات والانضمام إليها.” كما يُشكل هذا السلوك خرقاً للمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966م، التي تنص على أن “لكل شخص الحق في العمل، بما يشمل الحق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية”، وتُلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير المناسبة لضمان صون هذا الحق، بما في ذلك إنشاء برامج تدريبية وتقنية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وتوفير عمالة كاملة ومنتجة.
إلى جانب ذلك، تندرج سياسات الإغلاق الجماعي، والحصار الاقتصادي، وتجويع السكان ضمن جرائم الحرب المنصوص عليها في المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م، والتي تعتبر “تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بما يشمل حرمانهم من المواد الضرورية لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات الإغاثية”، جريمة حرب تستوجب الملاحقة والمساءلة الدولية. علاوة على ذلك، تُعتبر هذه السياسات خرقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المؤرخة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948م، حيث نصت المادة (2) منها على أن جريمة الإبادة الجماعية تشمل “إخضاع جماعة قومية أو إثنية أو دينية عمداً لظروف معيشية يقصد بها تدميرها الكلي أو الجزئي.”
كما تمثل هذه الانتهاكات خرقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1907م، وبالتحديد المادة (3) التي تنص على أن “الطرف المتحارب الذي يخل بأحكام الاتفاقية يكون ملزماً بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن أفعال أشخاص تابعين لقواته المسلحة”، إضافة إلى خرق للبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف، الذي أكد في المادة (14) على “حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال.” بذلك، فإن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق العمال الفلسطينيين تمثل جملة من الانتهاكات الجسيمة والمنهجية للقانون الدولي، وتستدعي محاسبة ومساءلة قانونية أمام الهيئات الدولية المختصة.

التوصيات
يطالب مركز “شمس” جميع الجهات أدناه بضرورة التدخل العاجل واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق العمال الفلسطينيين، وضمان حقوقهم وكرامتهم وفقاً للقانون الدولي .
أولًا: للسلطة الوطنية الفلسطينية
1. تطوير إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تشمل العمال كافة، تضمن التأمين ضد البطالة، والحوادث المهنية، والمرض، والعجز، والتقاعد، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة الناتجة عن العدوان.
2. تعزيز برامج التمكين الاقتصادي عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا سيما المشاريع الموجهة للعمال المسرحين وللعائلات الأكثر تضرراً من العدوان والحصار.
3. إنشاء صندوق طوارئ لدعم العمال الفلسطينيين المتضررين من فقدان وظائفهم، خصوصاً العمال الذين كانوا يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948م.
4. اعتماد سياسات وطنية لإعادة تأهيل العمال المسرحين من خلال برامج تدريب مهني وإعادة تأهيل نفسي واجتماعي.
5. تفعيل الدور الدبلوماسي لحشد الدعم الدولي لملاحقة الاحتلال الإسرائيلي قانونياً بسبب انتهاكاته الممنهجة بحق العمال الفلسطينيين، بما يشمل رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً: للنقابات العمالية الفلسطينية
1. تعزيز قدرات النقابات في الدفاع عن حقوق العمال من خلال حملات مناصرة قانونية وإعلامية مستمرة محلياً ودولياً.
2. توثيق الانتهاكات بحق العمال الفلسطينيين بشكل مهني ومنهجي وإعداد تقارير دورية يتم إرسالها إلى المنظمات الدولية ذات العلاقة مثل منظمة العمل الدولية ومجلس حقوق الإنسان.
3. توسيع مظلة العضوية النقابية لتشمل أكبر عدد من العمال، خاصة العاملين في القطاعات غير الرسمية، وتقديم خدمات الدعم القانوني والاجتماعي لهم.
4. بناء تحالفات دولية مع النقابات العالمية لتدويل قضية العمال الفلسطينيين وفضح ممارسات الاحتلال بحقهم.
5. التوعية بالحقوق العمالية عبر حملات مستمرة تستهدف العمال والعاملات في مختلف القطاعات، مع التركيز على حقوق العمل اللائق.
ثالثاً: للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية
1. ممارسة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف جميع الانتهاكات بحق العمال الفلسطينيين، وضمان احترام حقوقهم الأساسية وفقاً للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
2. توفير الدعم الطارئ للعمال الفلسطينيين من خلال برامج الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة لضمان توفير الاحتياجات الأساسية للعائلات المتضررة من فقدان الدخل.
3. دعم برامج بناء القدرات الخاصة بالعمال والنقابات الفلسطينية بما يشمل التدريب المهني، تعزيز فرص العمل البديلة، وتمكين النساء العاملات.
4. التوثيق والمساءلة عبر تفعيل الآليات الدولية لمساءلة الاحتلال عن ممارساته ضد العمال، بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.
5. تشجيع برامج التنمية الاقتصادية المستدامة في الضفة الغربية وقطاع غزة للحد من معدلات البطالة المرتفعة، وتقليل الاعتماد على سوق العمل الإسرائيلي.
رابعاً: للمجتمع المحلي الفلسطيني
1. تعزيز ثقافة التضامن المجتمعي مع العمال المتضررين من فقدان وظائفهم، عبر مبادرات دعم مجتمعية مباشرة مثل حملات التبرعات والإغاثة الاجتماعية.
2. تشجيع المبادرات الاقتصادية المحلية القائمة على العمل التعاوني والاقتصاد الاجتماعي، بما يخلق بدائل اقتصادية مستقلة عن الاحتلال.
3. توسيع المشاركة المجتمعية في دعم الحملات المناهضة للانتهاكات ضد العمال الفلسطينيين عبر وسائل الإعلام التقليدي والرقمي.
4. رفع الوعي الاجتماعي بأهمية دعم القطاعات الإنتاجية الوطنية مثل الزراعة والصناعة والحرف التقليدية، لتعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل داخلية.
5. دعم التعليم والتدريب المهني لأبناء العمال المتضررين، لتأهيل جيل قادر على الانخراط في سوق العمل المحلي وتقليل نسب البطالة المستقبلية.

خامساً : لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية
1. رصد وتوثيق انتهاكات حقوق العمال من خلال تطوير برامج مهنية لرصد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد العمال الفلسطينيين، وتوثيقها وفقاً للمعايير الدولية، من أجل استخدامها كأدلة في حملات المناصرة والمسار القانوني الدولي.
2. دعم مشاريع تنموية صغيرة ومتوسطة لعمال فقدوا وظائفهم، خاصة في القطاعات الإنتاجية (كالزراعة والصناعات اليدوية)، لضمان تحقيق مصادر دخل بديلة ومستدامة تساهم في تعزيز الصمود الاقتصادي.
3. دعم مشاركة النساء العاملات من خلال إطلاق مبادرات تركز على إعادة دمج النساء العاملات المتضررات من العدوان في سوق العمل، وتقديم برامج دعم نفسي واجتماعي واقتصادي لهن، خاصة في قطاع غزة والمناطق المهمشة في الضفة الغربية.
4. رصد ومواجهة التشريعات الإسرائيلية العنصرية من خلال متابعة ومراقبة مشاريع القوانين والسياسات الإسرائيلية الجديدة التي تستهدف العمال الفلسطينيين، وتقديم تقارير تحليلية توثق أثر هذه القوانين على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع العمل على تقديم اعتراضات قانونية دولية بشأنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com