القتل من أجل كيس طحين …!.. نص. بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

لم أكن أريد أن أكتب عن الموضوع …
كنتُ أريدُ أن أراقبَ بصمت،
كظلٍّ لا يلامس التراب،
لكنّ المشهدَ خنقَني،
وسكّن الهواءَ في صدري
برائحةِ دمٍ ممزوجٍ بالخبز…
*
آلافُ الأجسادِ تدافعَت،
كأنّها أمواجٌ تنكسرُ
على أسلاكِ الجوع…
رجال، نساء، أطفال،
يتسابقون على كيسِ طحينٍ واحد،
كأنّه بابُ الخلاص،
أو تذكرةٌ نحو الموت….
*
المكانُ مسوّرٌ كحلبةِ وحش،
لكنّ الوحشَ ليس أسدًا،
إنّه الجوعُ
يعضُّ بلا أنياب،
ويضربُ دون اختيار …
*
مئةُ شهيدٍ في نهارٍ واحد…
الأرقامُ لا تمشي،
بل تُحمَلُ على الأكتاف،
على ألواحٍ خشبية،
وفي عرباتٍ صدئة،
إلى مقابرِ الانتظار….
*
رأيتُ امرأةً
تحملُ الطحينَ
كأنّه نصرُها الوحيد،
ضحكتْ…
لكنّ رصاصةً
أنزلتْ الضحكةَ على الأرض،
وسقطتْ….
طفلُها ضمَّ جسدَها،
وآخرُ ضمَّ الكيس،
وثالثٌ صرخَ بلا صوت….
*
من يوزّع الطحين….؟
ليس المرضى أولًا،
ولا الأمهات،
بل الأقوى،
الأشرس،
من يشقُّ الصفوفَ
ويمشي فوقَ الجثثِ إن لزم الأمر….
*
كلُّ يومٍ،
ذاتُ الحلبةِ،
ذاتُ العيونِ المفزوعة،
ذاتُ الأكفانِ البيضاء
المبلولةِ بالدقيق.
*
أنا أكتبُ الآن…
لكنّ الورقَ أضعفُ
من أن يحملَ هذه المجازر.
أفكّرُ في الأمّ التي نزفت،
وفي طفلٍ
يحسبُ أنّ الطحينَ يُعيدُ الحياة….
*
كيسُ الطحين …
تحوّلَ إلى تابوتٍ صغير،
وفي كلِّ كيسٍ
روايةُ قتيلٍ
لم يعرفهُ العالم…
ولا سمعهُ أحد….!
د.عبدالرحيم جاموس
الرياض 20/6/2025 م
Pcommety@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com