المغرب أَكَلَ عليها وشرِب

تطوان : مصطفى منيغ

المغرب الرَّسمي له في القضية مواقف اغلبها ناسخة نفسها عن نفسها ، ورسائل مُرسَلَة لمن لهم رأي ومن ليس لهم رأي عبر الدنيا كلها ، إنه مؤيد للفلسطينيين في مطلبهم سلميا في تحرير أرضهم وإقامة دولة فلسطينية لها علمها ، وأنه مدعّْم خيرياً بما تجود به أريحيته المعروفة ومُسيِّراً لما يُوضع من صدقات في صندوق القدس الخاص بالأخيرة حفاظاً عليها ، تلك الصدقات المالية المجهولة المصدر كمقاديرها ، من طرف الممتدة إقامتهم من المحيط إلى الخليج وكأنها من الأسرار الواجب عدم إفشائها ، وبالتالي يسمح للشعب المغربي أحزاباً سياسية كانت أو منظمات نقابية أو جمعيات وهي بالآلاف أعدادها ، بنظام وانتظام التظاهر تضامناً مع المسألة الفلسطينية بكل مضامينها ، وهنا ينتهي الأمر ومن أراد التفلسف بالاستفسار فيما هو أكبر من ذلك وأهم من الأحسن الابتعاد عن الأجوبة المعطاة وأحوالها ، من طرف الحاكمين المطلعين عن سبب الأسباب وليست كلها ، المسألة واضحة في جوهر السياسة الرسمية المُعتمدة مند عقود أرادها المغرب حلاًّ له ولها ، التخلِّي ما أمكن عن التدخل بالعنف اتجاه أية معاملة لا تستمد من القوانين الدولية حقها ، كأنه ينأى عن فهم ما يقع من سلوكيات لا تقيم بها بعض الدول ما تعنيه هذه القوانين من تطبيق العدالة بين المتخاصمين مكتفية تلك الدول بما تراه ولو عن خطأ في مصلحتها ،  ليس لأنه عاجز عن الفهم لكنه اختار طريقاً وإن كان صعباً المسير فوقها ، فهي ألأضمن لمن أراد عن طيب خاطر وتحدي اجتيازها ، ارتكازاً على مسؤولية لا دخل للعواطف في قواعدها ، بل مقتضيات الاستمرار على نهجٍ من الاستقرار الداخلي بأقل الخسارة الممكنة المضبوطة على نسبة لا تتحداها ، خاصة والمغرب ربع سكان إسرائيل مرتبط قانوناً بانتمائهم له كحالة لا يمكن تغييرها ، مهما غابوا عن أصلهم الأصلي عائدون اليه بنفس الأسماء والماضي وما إلى ذلك من أشياء ليس المجال الآن لشرحها ، وكل هؤلاء ما غيَّروا قيد أنملة من انتمائهم المفتخرين به وتكريس المُنْتَسَب لتراثه الحضاري أكانوا داخل تل أبيب أو نيويورك أو فيينا أو باريس أو مراكش أو وزان فتطوان او أي مدينة بين القارات الخمس سكنوها ، وهم يهود لهم ملة كما شاؤوا أبا عن جد يعتنقونها ، المغرب متسامح ومع أديان أخرى متمتعة بحرية تشييد دور عبادتها ، وحراسة مقابرها ، واحترام حرمة مقدساتها ، إلى هنا إدراك لب المعنى قد انتهى حتى بما يليها ، بالنسبة لمن يرفض واقع المنطق عن مجريات الأحداث المتجدِّدة وفروض تطوراتها ، إسرائيل بالنسبة لغالبية الشعب المغربي مكروهة وكاتب هذا المقال واحد منهم الأشد غضباً عليها ، لكن بين المغرب وإسرائيل يهود مغاربة لا يمكن مسحهم من الجنسية المغربية إلا بشروط بين يدي العاهل المغربي كلها ، ولا أحد سواه حق التدخل في أدق تفاصيلها ، هناك من يُظهر عدم رضاه عن التطبيع مع تلك الدولة الكيان المصطنع علماً أن ذاك البعض مَن وقَّع على وثيقة التطبيق وبنودها ، و في مقدمتهم حزب العدالة والتنمية بزعامة العثماني رئيس الحكومة ساعتها ، و كل التباكي عن الفاعل مجرَّد مسرحية عنوانها ، الانتخابات المقبلة ونتائجها ، لكن الشعب المغربي قوي الذاكرة لا ينسى من حاربه في إرادته وتصرَّف عكس ما يريد بها ، تاركا ما يحدث في غزة جالباً العار لمن يذكر على لسانه تلك الاتفاقية بما لها وما عليها . معادلة لا يعادلها أي تعديل غير انتظار فرج مالك الموجودات من بدايتها لنهايتها .

… المغرب منكب حالياً على الاستعداد لمواجهة صعاب لا يمكن التقليل من تأثيرها ، إن تُركت دون مراقبة قوة وسرعة زحفها صوبه لإغراقه بسلسلة إجراءات ، منها الدفاع عن النفس لأقصى ما يملك ، وما يتطلبه هذا “الأقصى” من تعبئة شاملة لجبهته الداخلية ، مادام الأمر مرتبط بوجود دولة وأمة ، وعلى رأس من يكن له العداء الشديد الجمهورية الجزائرية بنظامها العسكري الخالي ، التي لا تترك فرصة إلا وتستغلها في تشويه سمعة المغرب ، والأخذ من استقراره ما تخطِّط له بديلاً ، بدفع جهاز مخابراتها المتمركز بعضه في مدينة وجدة المغربية ، لابتداع افتراءات وترويجها بغرض زحزحة هذا الاستقرار ، في إطار حرب باردة نفسية ، تمهِّد لما هو أكبر الاقتتال بالسلاح ، وللجزائر منه ما اقتنته خصيصاً لملاءمة قربها من مرمى الهدف حسب تعبيرها ، وفق مفاجأة تتهيأ لها ، متطابقة مع تلك التي نفذتها إسرائيل في حربها مع إيران مؤخراً ، لكنها تعامت أن إسرائيل واقفة مع المغرب ، وستقف معه أكثر في حينه لربح الشعب في صفها ، و الامارات ستصرف من صناديقها السيادية على جعل المغرب في تلك الحالة ينتصر ، والولايات المتحدة الأمريكية ستصفع الجزائر صفعة لن تتركها حتى الالتفات للوراء ، بل لتقف مجمَّدة في مكانها ، لتتحوَّل لسخرية تاريخ يُروَى ، إذ لأمريكا مصالح إستراتيجية مع المغرب لا يمكن للجزائر الغوص في معرفة خباياها ، ومعظم أوربا ستنحاز للحق المغربي لأنها مالكة الحقيقة والمعلومات الصحيحة ، مؤيدة بحكم محكمة العدل الدولية في شان الصحراء ، بكونها مغربية الانتساب والجذور ، ومسائل أخرى لا نريد تذكير الجزائر بها ، لتتأكد أن سياسة المغرب سخرت كل جملة صحيحة خاطبت برموزها العالم وبمختلف اللغات حتى غير الحيَّة منها ، لتحافظ على وحدة المملكة المغربية من طنجة إلى الكويرة ، لذا عالجت مشكل الصراع العربي الإسرائيلي ، في إطار التوافق بين تأييدها للفلسطينيين في حدودٍ مسموح بها ، ومصالح رافعة شعار الوطن فوق كل اعتبار ، ولولا الجزائر لتبدَّلت السياسة ، إلا أن الجارة الشرقية خادمة ناجحة لإسرائيل ، حينما تضغط على المغرب ، ليختاط مع كل خطوة يخطوها في هذا الصدد ، وبتصرفات الجزائر هته جلبت على نفسها خصومة دولة  مالي ودول كثيرة افريقية ، ولم يبقى لها سوى موريتانيا التي حاولت في اجتماع عسكري في تندوف ، عقدته لجرها نحو  عداء بلا مبرِّر للمغرب ، لكن موريتانيا أعقل من تونس ، وأدرى بمصلحتها مع مَن ، إن أرادت أن تختار ، مركّزة في هذا الاختيار على تحكيم الحق مالك الحقيقة المُطلقة .

… السياسة المغربية المكرَّسة من الألف إلى الياء ، يمثل فيها الوزير مهمة ساعي البريد لا غير ، متى طُلِبَ عَجَّلَ بالحضور ، فيتسلَّمَ المعلومة وينسحب ليُنفِّذ بالحرف الواحد المطلوب  ، مقبِّلاً الأيادي مرتين ، إحداهما مع حضوره ، وثانيهما عند الانصراف ، مبدياً الطاعة مُخفِيا “طاعتين”، بإحداهما يحافظ على استمرار وظيفته ، والثانية لتأهيله لها بالصمت ، مكتفياً بتلقي الأوامر والسرعة في فهم محدودية ما يجب عليه فهمه ، دون زيادة أو نقصان.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في

سيدني – أستراليا

212770222634

https://assafir-mm.blogspot.com/

aladalamm@yahoo.fr

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com