المطران حنا: السلام لا يبنى على حطام الشعوب بل من خلال احترام حرية الانسان وكرامته وحقه في العيش بسلام

القدس المحتلة- البيادر السياسي: – استقبل سيادة المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في كنيسة القيامة وفدا كنسيا من الولايات المتحدة الامريكية والذين وصلوا في زيارة تضامنية مع شعبنا الفلسطيني وبهدف اللقاء مع المرجعيات الروحية المسيحية والمناداة بوقف حرب الإبادة في غزة .
وقد قدم سيادته للوفد شرحا تفصيليا عن أحوال المسيحيين في هذه الأرض المباركة والمقدسة وما يتعرضون له من استهداف كما هو حال كل أبناء الشعب الفلسطيني.
وقال سيادته بأن نداءنا الوحيد في هذه الأوقات العصيبة التي نعيشها هو انه يجب ان تتوقف حرب الإبادة لكي ينعم أبناء غزة بحياة افضل فمأساة غزة لا يمكن ان تستمر وان تتواصل وآن لهذه المحنة ان تنتهي.
نوجه نداءنا ورسالتنا لكل الكنائس المسيحية في العالم شرقا وغربا بضرورة التحرك السريع من اجل وقف مأساة غزة وما هو مطلوب ليس فقط اطلاق المواقف والبيانات الرافضة للحرب والتي لا نقلل من أهميتها بل وجب ان تكون هنالك مبادرة يطلقها رؤساء الكنائس في العالم لكسر الحصار والتوجه لغزة فورا وتقديم المؤن والمعونات والاشياء الضرورية والتي يحتاجها اهل غزة لكي يبقوا على قيد الحياة.
اذا ما استمرت المجاعة في غزة سيفقد الكثيرون حياتهم وهنالك من يموتون من الجوع ومن يموتون قتلا ، ولكن وجب التحرك السريع من اجل وقف هذه المعاناة وهذه الكارثة .
لقد حدثني صديق من غزة وهو أستاذ جامعي مؤمن بالسلام ويعيش في حي قريب من الكنائس وغالبية اصدقاءه من المسيحيين حيث قال انه خلال ثلاثة أسابيع خسر نصف وزنه كما وقال لي بأن امنيته الوحيدة في هذه الأوقات ان يحصل على كيس طحين لكي يبقى ابنائه على قيد الحياة .
مأساة غزة المروعة لا يمكن وصفها بالكلمات واعتقد بأن الكنائس المسيحية في كل مكان يجب ان تقوم بدور نبوي استنادا على التعاليم والقيم المسيحية والانجيلية في مؤازرة المنكوبين والمظلومين والعمل على رفع الظلم عنهم.
أقول للمسيحيين في العالم بأنكم عندما تطالبون بوقف حرب الإبادة انما تعبرون عن مسيحيتكم الحقة وعندما تناصرون شعبنا الفلسطيني المظلوم انما تعبرون عن قيمكم الايمانية والروحية النبيلة ، فالمسيحية تعلمنا الا نكون صامتين متفرجين امام المظالم التي ترتكب بحق أي انسان لان الصمت في هذه الحالة هو اشتراك في الجريمة.
ارفعوا صوتكم عاليا في كل مكان في هذا العالم منادين بوقف الحرب ومنادين بتحقيق العدالة المغيبة في هذه الديار والتي هي سبب كل الكوارث التي حلت بنا فمن يتجاهل القضية الفلسطينية ومن يسعى لتصفية القضية الفلسطينية هذا لا يريد السلام ولا يسعى من اجل السلام فالسلام لا يبنى على حطام الشعوب وحريتها وكرامتها بل من خلال إعطاء الحقوق المشروعة لاصحابها ولكي يعيش شعبنا بأمن وامان وسلام في وطنه وفي ارضه المقدسة .
كنائسنا نادت وتنادي دائما بالسلام وزيارة بعض رؤساء الكنائس لغزة حملت الكثير من الرسائل التضامنية والإنسانية النبيلة كما ان المواقف الرسمية الصادرة من الكنائس تنادي بوقف الحرب .
المسيحيون في هذه الديار هم متمسكون بانتماءهم لمسيحيتهم ومتمسكون بانتماءهم لشعبهم المظلوم ونحن نقول بأننا لا نؤيد الحروب ونتمنى ان تتوقف الحروب الى الابد غير مأسوف عليها ، فالحروب هي شر مطلق لا يستفيد منها الا تجار الحروب وتجار الأسلحة والذين يتفننون بقتل الأبرياء وامتهان حرية وكرامة الانسان .
عندما تعودوا الى بلدكم قولوا للقابع في البيت الأبيض بأن سياسته لا تساعد في تحقيق السلام فمن يؤيد الحرب ومن يؤيد الممارسات الظالمة بحق شعبنا ومن يبرر الظلم انما هذا لا يريد سلاما ولا يسعى من اجل السلام وهذا ما يجب ان يقال للكثيرين من حكام هذا العالم: اعملوا من اجل السلام وليس من اجل تكريس الاحتلال والقمع والظلم والاستبداد الممارس بحق شعبنا .
أجاب سيادته على عدد من الأسئلة والاستفسارات وقدم للوفد وثيقة الكايروس الفلسطينية .
المتآمر على فلسطين هو متآمر على الامة كلها
كل انسان عنده قيم أخلاقية نبيلة يشعر بالصدمة والالم والحزن على ما يرتكب بحق أهلنا في قطاع غزة من جرائم مروعة بحق الإنسانية .
ففي الوقت الذي فيه كل شعوب الأرض تأكل وتشرب وتعيش حياتها الطبيعية ، وهذا حقهم فإن اكثر من مليوني انسان في قطاع غزة يحرمون من ابسط مقومات الحياة ولا يجدون قوتا لابناءهم وماء صالحا للشرب ودواء لمرضاهم .
ان الحال الذي وصلت اليه غزة اليوم يشير وبشكل واضح الى حالة تقهقر وتراجع في القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة لدى الكثيرين في هذا العالم الذين تخلوا عن انسانيتهم وعن قيمهم وهذا ما اوصلنا الى ما وصلنا اليه في القطاع .
اين هم العرب من كل هذا ولا اقصد بذلك الحكام فقط بل الشعوب فكيف يمكن ان تكون هنالك مظاهرات كبرى في العالم في العواصم والمدن العالمية دون ان نرى وان نلحظ مظاهرة سلمية واحدة في عواصم عربية .
كيف يمكن ان تكون هنالك مظاهرات كبرى في تل ابيب يشارك فيها العرب واليهود معا مطالبين بوقف الحرب في حين ان الشعارات التي رفعت في مظاهرة تل ابيب لم نراها ولم نسمع بها في أي عاصمة من العواصم العربية ، وبالطبع هنالك بعض الاستثناءات دون ان نعمم .
ما هو سبب ما وصلنا اليه وما هو سبب حالة الوهن والضعف العربي وهل بالفعل تخلى العرب عن فلسطين ، وانا اعتقد جازما بأن بعضهم بالفعل قد تخلى عن فلسطين وأصبحت فلسطين ليست موجودة في قاموسهم وهم يفكرون بتطبيع للعلاقات واتفاقيات ابراهيمية حتى وان كان هذا على حساب كرامة الامة وقضيتها الأولى .
لا يمكن ان يتم اصلاح الحال العربي الا من خلال الاعتراف بمواضع الوهن والخلل فإنكار هذا الحال لا يؤدي الى تغييره والى إصلاحه والنعامة التي تضع رأسها في الرمال تظن انها في عالم اخر في حين انها في عالم الرمال .
متى سيصحو العرب من كبوتهم وانا اعود وأكرر انني لا اعمم ومتى سيكتشف العرب عدوهم من صديقهم ومتى سيكتشفون أيضا بأن المتآمر على فلسطين هو متآمر عليهم أيضا ، فلا تظنوا ان من يستهدف غزة بالحرب والتجويع يمكن ان يكون لكم صديقا .
فلا تنبهروا من التصريحات الدبلوماسية ومن الابتسامات الصفراوية فهي كلها تأتي للتغطية على ما هو اعظم واخطر بحق هذه الامة .
لو توحد العرب في مناداتهم بوقف حرب الإبادة لتوقفت ولكنهم يبدو انهم ليسوا موحدين لا حول مسألة حرب الإبادة ولا حول أي مسألة وطنية أخرى ، فبعضهم يعمل على الرموت كونترول من القابع في البيت الأبيض والذي يريد فقط جلب الأموال والتي تستعمل في التدمير والتنكيل وتأجيج الحروب والصراعات في اكثر مكان في العالم وخاصة استهداف شعبنا الفلسطيني .
مأساة غزة كشفت الكثير من الوجوه التي كنا نظن انها جميلة ولكن الحرب كشفت لنا قبحا ما بعده قبح لوجوه تخلت عن انسانيتها وقيمها وعروبتها .
من يتحمل مسؤولية حرب الإبادة ليس فقط الاحتلال الممعن في قمعه وظلمه بل هنالك شركاء معروفون وغير معروفون ولعل الشركاء الغير معروفون هم اخطر من المعروفين ، وهنالك الصامتون وصمتهم قاتل لا يقل خطورة عن المشتركين بشكل مباشر في حرب الإبادة .
عار والف عار ان تجوب العواصم العالمية مظاهرات حاشدة للمطالبة بوقف الحرب اما الشارع العربي ففي سبات عميق باستثناء بعض الاحرار الذين لم ولن تخلوا منهم الساحة العربية .
شكرا لغزة لانك اظهرتي من هو صديقنا ومن هو عدونا ومن هو المدافع عنا ومن هو المتآمر علينا ، شكرا لغزة لانك كشفتي الكثير من الوجوه القبيحة والتي كنا نتمنى الا تكون ذلك .
نتمنى ان يتغير الحال العربي وان كان البعض متشائمون فيما يتعلق بهذا الملف ولكنني على الصعيد الشخصي لست متشائما ولست متشائلا فالحال العربي يمكن ان يتغير نحو ما هو افضل ونتمنى ان نشهد صحوة امام هذا المد الهائل من المؤامرات والمشاريع الاستعمارية لكي يكون العرب اكثر عروبة وإنسانية وحرصا على قضاياهم الوطنية وعلى اقطارهم ودولهم التي هي ليست بمنأى على المؤامرات فالمتآمر على فلسطين هو متآمر على الامة كلها .
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 8/8/2025