فلسطين.. القصيدة التي لا تنتهي…!*

نصٌ بقلم : د. عبد الرحيم جاموس ، والتحليل النقدي العميق للشاعرة والناقدة التأصيلية رانية فؤاد مرجية.

على بوابةِ الروح،
هناك حيثُ تنامُ الشمسُ ….
على أكتافِ الزيتون،
وتتنفَّسُ الأرضُ من رئةِ الجرح،
تولدُ فلسطينُ كلَّ صباحٍ …
كما تولدُ القصيدةُ …
من حبرِ الدم….
*
فلسطينُ …
جبهةُ القلبِ في وجهِ الظلام،
مئذنةٌ لا تنحني لريحِ الفاشية،
وأقحوانةٌ تشربُ الفجرَ …
من دمِ الشهداءِ الأحرار….
*
هناكَ،
حيثُ الحجرُ يغدو قُبلةً،
وحيثُ الطفلُ يكتبُ اسمه …
على جناحِ الرصاص،
يقفُ الزمنُ عندَ بوابةِ القدس …
كي يُسلِّمَ مفاتيحَه للأوفياء….
*
أما الساقطون،
فلا ظلَّ لهم في مرآةِ الأرض،
يمشونَ عُراةً من المعنى،
يشحذونَ رُكَبَهم على أعتابِ الذل،
ويغسلونَ وجوهَهم
بماءِ الصهينةِ والعار …
*
لكنَّ فلسطين،
تبقى القصيدةَ التي لا تنتهي،
والشرفُ الذي لا يُشترى،
والرباطُ الأخيرُ …
على سورِ الكرامة،
حتى ينهضَ القمحُ …
من بينِ أضلاعِ الجرح،
ويُعلَنَ الفجرُ …
أنَّ الأرضَ تعودُ لأصحابِها….

وها نحنُ،
ما بينَ شمسِ الشهادةِ وظلِّ الصمود،
نكتبُ اسمَها على جبينِ الأبد،
ونقسمُ:
لن تُطفأَ قناديلُ القدس …
ما دام في القلبِ نبضٌ …
وفي الروحِ أوطان ….!

د. عبدالرحيم جاموس
الرياض / السبت
9/8/2025

* بمناسبة الذكرى السابعة عشر لرحيل أيقونة
الثقافة والشعر محمود درويش .
فلسطين… القصيدة التي تتحدى النهايات
✍️ بقلم: رانية مرجية

قصيدة د. عبد الرحيم جاموس “فلسطين… القصيدة التي لا تنتهي” ليست مجرد نص شعري احتفائي بذكرى رحيل محمود درويش، بل هي امتداد طبيعي لمدرسة المقاومة الجمالية التي أسسها درويش نفسه، حيث تتداخل الصورة الشعرية مع الموقف الأخلاقي والسياسي، ويغدو النص فضاءً للذاكرة الجمعية، ومرآةً لنبض الأمة.

منذ السطر الأول، يضعنا الشاعر أمام فلسطين بوصفها كياناً حياً، يولد كل صباح “من حبر الدم” ويستنشق فجره من رئة الجرح، في تشخيص يجعل الأرض كائناً يتنفس، ويحوّل الوطن إلى قصيدة أبدية لا تتوقف عند حدث أو زمن. هنا تتجسد ثنائية البقاء والفداء، حيث تُروى الأرض بدم الشهداء وتُزهر رغم الظلام.

الصور الشعرية التي ينسجها جاموس تحمل طابعاً درويشياً في العمق والجرس: الزيتون على أكتاف الشمس، الحجر الذي يصبح قبلة، الطفل الذي يكتب اسمه على جناح الرصاص… كلها صور تربط بين البراءة والمقاومة، بين الجمال والقسوة، في معمار شعري يجعل من الحياة والموت وجهين لعملة واحدة اسمها الكرامة.

كما أن النص لا يكتفي بتقديس الفعل المقاوم، بل يرسم حدود الخيانة بحدة: “الساقطون” في مرآة الشاعر هم عراة من المعنى، يغسلون وجوههم بماء الصهينة والعار. هذه المفاضلة الأخلاقية الحادة بين من يحرسون المفاتيح ومن يبيعونها، بين من يربطون الليل بالفجر ومن يسلمون للظلام، تمنح النص بعداً سياسياً واضحاً، وتخرجه من حيز الغنائية الخالصة إلى ميدان الموقف.

في البنية الإيقاعية، يعتمد الشاعر على التوازي والترجيع (“فلسطين…”، “هناك حيث…”، “أما…”)، ما يمنح النص نفَساً إنشادياً قريباً من المعلقات الحديثة، ويجعله قابلاً للتلقي شفاهياً في فضاء جماعي، كما لو أنه دعوة متجددة للقَسَم أمام سور الكرامة.

أما الخاتمة، فهي ليست مجرد وعد بالتحرير، بل إعلان هوية وجودية: “لن تُطفأ قناديل القدس ما دام في القلب نبض وفي الروح أوطان”. بهذا يختم الشاعر نصه بدائرة مغلقة مفتوحة في آن؛ مغلقة لأنها تعيدنا إلى فكرة البداية – أن فلسطين هي القصيدة التي لا تنتهي – ومفتوحة لأنها تترك الباب مشرعاً على الأبدية، حيث يستمر النبض طالما بقي إنسان يرفض السقوط.

بهذا المعنى، ينجح د. عبد الرحيم جاموس في أن يكتب نصاً يليق بذكرى محمود درويش، لا بتقليده، بل بمتابعة خطه في جعل الشعر ساحة مقاومة، ومختبراً للكرامة، وفضاءً جمالياً يبرهن أن فلسطين، قبل أن تكون جغرافيا، هي فكرة إنسانية متجددة… قصيدة بالفعل، لكنها قصيدة مكتوبة بحبر الدم ووهج الروح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com