احتلال مدينة غزة جزء من خطة استراتيجية تنتهي بالتهجير.. د. هاني العقاد

حسم نتنياهو موضوع احتلال غزة قبل عقد اجتماع الكابينت الأمني والسياسي لقطع الطريق امام رافضيها او حتي إيجاد خطة بديلة يقترحها الجيش عبر رئيس الأركان جيش الاحتلال (ايال زامير) الذي هو أقرب لفهم طبيعة العمل العسكري الإسرائيلي في القطاع ومدي تحقيق الأهداف التكتيكية والسياسية والأمنية من وراء سيطرة الاحتلال على أكثر من %80 من مساحة القطاع , لم يبقي شارع في القطاع بأسره الا ودخلته دبابات الاحتلال ,ولم يبقي بيت دون ان تكون قد اصابته القذائف او صواريخ الطائرات فالبيت الذي لم يدمر كليا بات غير صالح للسكن ,ولم يبقي شارع لم تجرف فيه البني التحتية وتدمر شبكات المياه والمجاري والكهرباء , فكل مناطق القطاع أصبحت مناطق لا تصلح للحياة وتحتاج الى إعادة تأهيل جذري قد تستغرق سنوات بخلاف إعادة الاعمار . استمر اجتماع الكابينت الإسرائيلي لأكثر من عشرة ساعات حتي الساعات الاولي من فجر الجمعة 8\8\2025 لمناقشة خطة توسيع الحرب حسب مقترحات المستوي السياسي وكانت جلسة الكابينت عاصفة ومتوترة وتبادل فيها وزراء اليمين الاتهامات مع رئيس الأركان واتهموا الجيش بالفشل في هزيمة حماس وتفكيك بنيتها العسكرية , لم ينجح قادة الجيش في اقناع نتنياهو بخطورة العملية التي قد تحتاج الي وقت طويل وتكلف الكثير من الأموال ويمكن ان تتسبب في خسائر كبيرة على المستوي البشري والمادي للجيش هذا بخلاف انها سوف تتسبب بضرر سياسي كبير لإسرائيل على المستوي الدولي باعتبار ان إسرائيل لجأت لمزيد من القوة بهدف تنفذ عمليات تهجير قسري وتطهير عرقي وابادة جماعية.
اُقرت الخطة بأغلبية ساحقة لاعتمادها على خمسة مبادئ أولها نزع سلاح حماس؛ وثانيها إعادة جميع الأسرى الأحياء منهم والأموات؛ وثالثها نزع سلاح القطاع؛ ورابعها السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة؛ وخامسها ووجود حكومة مدنية بديلة غير تابعة لحماس أو السلطة الفلسطينية وهذه ليست مبادئ وانما اهداف تكتيكية مرحلية تتحقق اذا ما تقدت إسرائيل نحو الهدف الاستراتيجي والكبير وهو تهجير اكثر من نصف سكان القطاع للخارج ان لم يكن كلهم إذا ما أتيحت الفرصة لإسرائيل فعل ذلك دون عاصفة دولية في وجهها . الخطة اعتمدت كلمة “استيلاء “بدلا من” احتلال” حتي تتحلل إسرائيل من أي التزامات قانونية او تقع تحت مسؤولية تقديم خدمات مدنية للمواطنين الفلسطينيين حسب اتفاقات جنيف الأربع وتتضمن الخطة اجتياح مدينة غزة وتفريغها من السكان وتشتمل على ثلاثة مراحل , الاولي اغراق القطاع بالمساعدات الإنسانية والبضائع وادخالها الي مدينة غزة بالذات لأنهاء المجاعة التي صنعها الاحتلال بقصد وتخطيط ليس ليصل الي خطة احتلال مدينة غزة بل الهدف من وراء حرب التجويع كان اجبار المواطنين الفلسطينيين على النزوح والهجرة قسرا الي أماكن هو يريد السكان ان يتجهوا اليها بهدف القتل ,لكن بانقلاب الراي العام العالمي ضد هذه المجاعة وشعور إسرائيل وواشنطن ان المجاعة بدأت تشكل حالة ضغط على إسرائيل لوقف الحرب سمح بإدخال المساعدات والبضائع على الأقل ليشغل العالم عن ما يمكن ان ينفذه من خطط وسيناريوهات احتلالية مبنية على أساس التطهير العرقي.
المرحلة الثانية تتضمن اصدار أوامر لسكان مدينة غزة بضرورة اخلاء المدينة والتوجه نحو خانيونس والمخيمات الوسطي ووضعت سقف زمني لذلك حدوده السابع من أكتوبر 2025 كتاريخ يرمز الي هجوم حماس في ذات التاريخ , أوامر النزوح التي ستصدر لم تكن الاولي من نوعها فقد صدرت قبل ذلك أوامر نزوح لكل سكان مدينة غزة والشمال بالانتقال الي جنوب الوادي أي وادي غزة في بداية الحرب عام 2024 واعتقد الناس حينها ان هذا فقط لفترة قصيرة ومن ثم سيعودون الي مساكنهم الا ان هذا الحال استمر لأكثر من عام حتي تم ابرام اتفاق هدنة يناير 2025 وتوقفت الحرب وعاد الناس ليجدوا بيوتهم عبارة عن اكوام من الركام واقاموا فوقها خيام وتأقلموا على العيش بين الأنقاض. المرحلة الثالثة تقضي بحصار مدينة غزة فترة ما حتى يستسلم من تبقي فيها من مقاتلين تابعين للفصائل الفلسطينية وبعدها سيدخل الجيش الي عمق المدينة يقضي على من تبقي فيها من مدنيين ومقاتلين تحت الأرض وفوق الأرض. المراحل الثلاثة مراحل نظرية أكثر منها عملية لان هناك صعوبات كبيرة ستعترض تنفيذ الخطة او فيما يتعلق بمدي استجابة السكان للنزوح الي منطقة الوسط والجنوب ,لهذا فانا اعتقد ان إسرائيل سوف تستخدم طاقة نارية كبيرة وتقتل الالاف قبل ان يقتنع الناس بالنزوح جنوبا لأنهم يعرفوا انهموا ذاهبون الى المجهول وخاصة انهم لم يملكوا في الوقت الحالي أي مقومات للحياة في مناطق النزوح الجديدة ولم تعد هناك مناطق فارغة تستوعب ما يقارب المليون فلسطيني في مناطق الوسط والجنوب التي هي بالأصل مكتظة بالنازحين. خطة احتلال مدينة غزة ليست مجرد خطة تكتيكية لأجل المفاوضات واجبار حماس للأبداء مزيد من المرونة وتقديم التنازلات على الطاولة فقط , بل خطة استراتيجية كبيرة متدرجة لها عدة مراحل نهايتها مرحلة التهجير, وهي خطة ستنقل الفلسطينيين من مرحلة التجويع الي التهجير باعتبار نقل كامل سكان غزة والشمال الي الجنوب سيهيئ المشهد للتهجير خارج القطاع بالذات ان هذه المرحلة هي تستبق سيناريو التهجير الذي وضعته إسرائيل في اول الحرب .الحقيقة ان نتنياهو لا يعنيه خلال هذه المرحلة الاسري ولا استعادتهم احياء وهي ليس من اوليات خطته العسكرية لان هدف تدمير حماس وانهاء وجودها العسكري وهزيمتها هي اهداف ثانوية واهداف ستتحقق تباعا ولا تعني شيء امام هدف تهجير الفلسطينيين وتفريغ مدينة غزة وضمها لإسرائيل وهو المبدأ الذي لم يذكر في مبادئ الخطة الخمسة التي عرضهم نتنياهو في الكابينت على الوزراء.
براي ان هذه الخطة تركت مساحة ضئيلة للمفاوضات وعمل الوسطاء لان تنفيذها سيستغرق عدة شهور بتدرج وبطيء يمنح بعض الوقت للمفاوض الحمساوي للتفكير في المراحل القادمة ويمنح فرصة لتدخل امريكي إيجابي على مستوي الضغط على حماس وهذا لا يعني ان الخطة يمكن ان يتم الغائها قبل ان تحقق إسرائيل تنازلات من قبل حماس يمكن ان تحققها بلا عمل عسكري كبير. كما ان الخطة عند تنفيذها سترفع مستوي الرفض الدولي لهذه الحرب وسوف تكون هناك خطوات مؤلمة لإسرائيل كفرض حظر على تصدير السلاح اليها من قبل الكثير من الدول الأوروبية وفض شراكات وانهاء اتفاقيات تفاهم المشترك مع الاتحاد الأوروبي بالإضافة الي كندا وأستراليا والنرويج والبرازيل وقد يصل الامر لمزيد من الضغط الشعبي على إدارة ترمب من قبل الشارع الأمريكي الذي هو بالأساس رافض أساس لاستمرار هذه الحرب على الفلسطينيين وتجويعهم وتهجيرهم .علي مستوي الرفض الدولي والعربي لهذه الخطة فقد وجهت مصر في الساعات الأخيرة تحذير شديدة اللهجة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، عبر قنوات دبلوماسية مباشرة، بشأن مغبة تنفيذ خطة احتلال كامل لقطاع غزة وأكدت المصادر أن مصر ترفض بشكل قاطع أي اجتياح بري شامل للقطاع، معتبرة أن مثل هذه الخطوة تمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي المصري، وقد تضع معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979 على المحك ,ليس مصر وحدها وانما كافة الدول العربية منها الأردن والسعودية والامارات وكافة دول الخليج العربي وشمال افريقيا وكافة دول العالم عدا إدارة ترمب الجمهورية لأنها شريكة إسرائيل في هذه الحرب , كل تلك الدول اعتبروا تنفيذ هذه الخطة سيشكل كارثة إنسانية كبيرة للفلسطينيين في غزة ويزيد المأساة وبالتالي ان لم تضغط هذه الدول لوقفها بقوة الموقف الدولي فأنها ستؤدي لسقوط الالاف من الضحايا المدنيين في غزة بالإضافة لإحداث تغيير جغرافي وديموغرافي مقصود وهذا يعتبر انتهاك جسيم لكافة القوانين الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني .
خانيونس – المواصي