ليتذكّروا…!

نصّ بقلم: د. عبد الرحيم جاموس / وقراءة وتحليل وتعليق الأستاذ الفاضل الشاعر والناقد عادل جوده المحترم وله كل الشكر والتقدير والاحترام.

ليتذكّروا…
أنَّ الجلادَ لا يخلعُ ثوبَه،
وأنَّ الدمَ إذا صرخَ في شوارعِ غزّةَ …
يصحو التاريخُ من سباتِهِ،
ويهتفُ:
ما زالت الضحيّةُ تنزفُ،
وما زالَ السيفُ مرفوعًا …
فوقَ رقابِ القَتَلةْ….
*
ليتذكّروا…
أنَّ أوجاعَ الأمهاتِ …
ليست أرقامًا في نشراتِ الأخبار،
بل نداءٌ يطرقُ جدارَ الضميرِ …
حتى ينهار…
*
ليتذكّروا…
أنَّ الأطفالَ في المخيّماتِ …
يحملونَ أحلامًا أكبرَ من الأسلاك،
ويكتبونَ بالدمعِ نشيدًا …
لا تمحوهُ دباباتُ الليلْ،
ولا طائراتُ النارْ…
*
أيُّها العالمُ الأعمى…
كم هربتَ من مرآتكَ،
وكم استبدلتَ الحقيقةَ …
بدمىً من ورقٍ،
وغَضَضتَ الطرفَ عن جُرحٍ …
يُشرعُ أبوابَهُ …
في وجهكَ كلَّ صباح…
*
ليتذكّروا…
أنَّ الضحيّةَ لنْ تصمتَ،
لنْ تُساوِمَ على وجعِها،
ولنْ تبيعَ حقَّها في العدالةْ…
*
فالصرخةُ من غزّةَ …
تملأُ الأكوانْ،
والنارُ من تحتِ الركامِ …
تكتبُ وصيّةَ الشهداءِ:
لا عدلَ بلا حساب،
ولا سلامَ بلا قصاصْ،
ولتسقطْ كلُّ ضمائرَهم الميتة..!

د. عبدالرحيم جاموس
الرياض / الثلاثاء
19/8/2025 م

قراءة أدبية رائعة ومؤثرة للنص:
‏ “ليتذكّروا…!” – بقلم د. عبد الرحيم جاموس

‏يُقدِّم الشاعر والكاتب د. عبد الرحيم جاموس في نصه “ليتذكّروا…!” لوحةً شعريةً حارقةً تنبض بالوجع الإنساني وتُصوّر مأساة الشعب الفلسطيني – خصوصًا في قطاع غزة – بأسلوبٍ أدبيٍّ رفيع يجمع بين القوة والبلاغة والحزن والغضب في توازنٍ نادر يُظهر عمقًا فكريًا وصدقًا عاطفيًا.

‏ أولًا: البنية الفنية والأسلوب البلاغي

‏يُبنى النص على تكرار عبارة “ليتذكّروا…” كمقطعٍ متكرر، تُستخدم كـلحنٍ تراجيدي يتردد في آذان القارئ كنداءٍ مُلحّ كصرخةٍ تُطلق من أعماق الضمير الجمعي. هذا التكرار ليس مجرد أسلوب بلاغي بل هو تذكيرٌ مُتكررٌ بالضمير الإنساني النائم يُحاول إيقاظه من غفلته ويُطالب العالم بالعودة إلى مسؤولياته الأخلاقية.

‏ويُستخدم الشاعر الصورة الشعرية القوية مثل:
‏- “الدم إذا صرخ في شوارع غزة…” – هنا يُعطى الدمُ صوتًا وكأنه كائنٌ حيٌ يُعلن عن مظلوميته فيُصبح الصرخ صوتَ التاريخ نفسه.
‏- “السيف مرفوع فوق رقاب القتلة” – صورةٌ ترمز إلى عدالةٍ مُؤجّلة لكنها حاضرة تُهدّد بالانقضاض في لحظة الحساب.

‏كما يُوظّف الشاعر التناقض البلاغي (المفارقة) ببراعة، مثل:
‏- “العالم الأعمى” – تناقضٌ يُشير إلى أن العالم يرى لكنه لا يرى، يعلم لكنه يتجاهل.
‏- “دمى من ورق” – استعارةٌ قويةٌ للإعلام المُزيّف أو الخطاب السياسي الباهت الذي يُحلّ محل الحقيقة.

‏ثانيًا: الصور الشعرية والرموز.

‏يُعتمد النص على رموزٍ عميقة الدلالة:
‏- غزة:
‏ ليست مجرد مكان جغرافي بل رمزٌ للصمود وللدم الذي لا يجف، وللذاكرة التي ترفض النسيان.
‏- الأمهات:
‏يُصوّر أوجاعهن “ليست أرقامًا” بل “نداء يطرق جدار الضمير” فيُحول الشاعر المعاناة من إحصائية باردة إلى صوتٍ حيٍّ يُطالب بالعدالة.
‏- الأطفال في المخيمات:
‏يحملون “أحلامًا أكبر من الأسلاك” ويكتبون “بالدمع نشيدًا” – صورةٌ تُجسّد الأمل في قلب اليأس وتحول البكاء إلى فعلٍ مقاومٍ ونشيدٍ خالدٍ لا تمحوه الدبابات.

‏ثالثًا: الرسالة الإنسانية والسياسية

‏يتجاوز النص حدود الشكوى إلى **الاتهام الصريح:
‏—“أيُّها العالمُ الأعمى… كم استبدلتَ الحقيقةَ بدمىً من ورقٍ…”

‏هنا يُوجّه الشاعر سهامه إلى الصمت الدولي وإلى تغاضي الإعلام والسياسيين ويُدين ما يمكن تسميته بـ”الاستبدال الأخلاقي”:
‏حيث تُستبدل المأساة الحقيقية برواياتٍ مُحرّفة وتُحوّل الجرائم إلى “نشرات أخبار” عابرة.

‏لكن النص لا يُقرّ بالهزيمة، بل يُعلن أمُحرّ
‏— “الصرخة من غزة تملأ الأكوان”

‏فالضحايا رغم القتل والدمار ما زالوا يُغيرون العالم ليس بالسلاح بل بصوتهم وبذاكرة شهيدٍ يُكتب وصيته بالنار من تحت الركام.

رابعًا: الخاتمة الرمزية والواثقة

‏يُختتم النص بوصية الشهداء:
‏— “لا عدلَ بلا حساب ولا سلامَ بلا قصاصْ ولتسقطْ كلُّ ضمائرَهم الميتة..”

‏جملةٌ قصيرةٌ…لكنها تحمل ثقل التاريخ وتُعلن أن السلام الحقيقي لا يُبنى على النسيان بل على
‏ المحاسبة والعدالة.
‏ كما أن سقوط “الضمائر الميتة” هو حتمية أخلاقية
‏ لا مفر منها.

‏ // الخلاصة: نصٌّ يُوقظ الضمير

‏”ليتذكّروا…” ليس مجرد قصيدة بل نداء أخلاقي وشهادة أدبيةعلى جريمة مستمرة.
‏ يُجسّد د…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com