المجلس التأسيسي الفلسطيني والدستور المؤقت: من الشرعية الوطنية إلى الدولة تحت الاحتلال.. بقلم/ المحامي علي أبو حبلة

تعيش القضية الفلسطينية مرحلة دقيقة ومعقدة، يتداخل فيها الاحتلال والاستيطان مع الانقسام الداخلي وتراجع فعالية المؤسسات الوطنية، ما أفرز حالة فراغ سياسي ودستوري بات يهدد وحدة الشعب الفلسطيني ومستقبل مشروعه التحرري. وفي خضم هذه الأزمة تبرز الدعوة إلى مجلس تأسيسي انتقالي ينبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية، ويتم تضمينه في الدستور المؤقت لدولة فلسطين تحت الاحتلال، باعتباره الإطار الجامع القادر على إعادة بناء الشرعية الوطنية وتوحيد مؤسسات الوطن الفلسطيني.

المجلس التأسيسي كإطار جامع

إن المجلس التأسيسي ليس مجرد هيئة تشريعية انتقالية، بل هو مشروع وطني جامع ينبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. ويمثل تشكيله خطوة أساسية لإعادة الاعتبار للمنظمة كإطار جامع يضم مختلف القوى والفصائل والمستقلين، ويمنحها شرعية متجددة قائمة على المشاركة الوطنية والديمقراطية.

تتمثل مهام المجلس التأسيسي في صياغة النظام الدستوري المؤقت، وممارسة الصلاحيات التشريعية والرقابية خلال المرحلة الانتقالية، وإدارة عملية الانتقال من السلطة الوطنية الفلسطينية إلى مؤسسات الدولة، والإشراف على إجراء الانتخابات العامة للرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني، بما يضمن إعادة بناء النظام السياسي على أسس سليمة.

الدستور المؤقت كمرجعية للمرحلة الانتقالية

لا يمكن لأي مرحلة انتقالية أن تنجح دون إطار دستوري واضح ينظم السلطات ويحدد الحقوق والواجبات. ومن هنا تأتي أهمية الدستور المؤقت لدولة فلسطين تحت الاحتلال، الذي يتضمن نصاً خاصاً بتشكيل المجلس التأسيسي الانتقالي وصلاحياته، ويحدد مدة ولايته بثلاث سنوات قابلة للتجديد في حال تعذر إجراء الانتخابات لأسباب قاهرة مرتبطة بالاحتلال.

هذا الدستور المؤقت يؤكد على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره، وعلى وحدة الجغرافيا الفلسطينية بما يشمل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ويربط بين الداخل والشتات من خلال منظمة التحرير والمجلس الوطني، بما يعزز وحدة الشعب وقضيته.

الغطاء العربي والإسلامي والدولي

حتى ينجح المجلس التأسيسي وتترسخ شرعيته، لا بد أن يقترن تأسيسه بغطاء عربي وإسلامي وإقليمي ودولي. فجامعة الدول العربية مطالبة بإصدار قرار يدعم المجلس ويؤكد الاعتراف به كهيئة شرعية انتقالية تمثل الشعب الفلسطيني. ومنظمة التعاون الإسلامي بدورها مطالبة بتأكيد مركزية قضية فلسطين والقدس ودعم مؤسساتها الانتقالية.

كما أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وسائر الدول الداعمة للحقوق الفلسطينية مدعوة للاعتراف بالمجلس التأسيسي الانتقالي باعتباره تعبيراً عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وضماناً لانتقال منظم نحو الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

من السلطة إلى الدولة

إن المجلس التأسيسي ليس مجرد أداة إدارية لتسيير شؤون الحكم، بل هو جسر العبور من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة. فهو الذي سيضع الأسس الدستورية لمؤسسات الدولة، وينظم عملية التحول من الوضع المؤقت الذي فرضته اتفاقيات أوسلو إلى واقع سياسي ودستوري جديد يعيد الاعتبار للحقوق الوطنية ويؤطرها في مؤسسات شرعية معترف بها عربياً ودولياً.

المقترح الدستوري: مادة تشكيل المجلس التأسيسي وصلاحياته

المادة (…):

  1. يُنشأ بموجب هذا الدستور مجلس تأسيسي انتقالي منبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
  2. يتكون المجلس من ممثلين عن الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية والنقابية والنسوية، إضافة إلى ممثلين عن التجمعات الفلسطينية في الشتات، بما يضمن التمثيل الشامل للشعب الفلسطيني.
  3. يتولى المجلس المهام الآتية:

ممارسة الصلاحيات التشريعية والرقابية خلال المرحلة الانتقالية.

منح الثقة للحكومة الانتقالية ومساءلتها وسحب الثقة منها وفق الأصول.

وضع النظام الدستوري المؤقت وإعداد مسودة الدستور الدائم لعرضه على الاستفتاء الشعبي.

الإشراف على التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني.

إدارة عملية الانتقال من السلطة الوطنية الفلسطينية إلى مؤسسات الدولة وفق أحكام الدستور المؤقت.

ضمان وحدة الأرض والشعب وحماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال.

  1. تحدد مدة ولاية المجلس بثلاث سنوات غير قابلة للتمديد إلا بقرار من ثلثي أعضائه وموافقة المجلس الوطني الفلسطيني في حال تعذر إجراء الانتخابات بسبب ظروف قاهرة مرتبطة بالاحتلال.

الخاتمة والديباجة الدستورية

إن تشكيل المجلس التأسيسي الانتقالي المنبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية، وتضمينه في الدستور المؤقت لدولة فلسطين، هو استحقاق وطني لا بديل عنه لإعادة بناء الشرعية وتوحيد الجغرافيا والمؤسسات، وحماية الهوية الوطنية في مواجهة الاحتلال ومشاريعه التصفوية.

ديباجة الدستور المؤقت لدولة فلسطين

نحن الشعب الفلسطيني،

إيماناً بحقنا الثابت في تقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة على كامل ترابنا الوطني، وتجسيداً لهويتنا العربية الفلسطينية التي لا تزول بزوال الاحتلال، واستناداً إلى قرارات الشرعية الدولية التي أقرت حقوقنا غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حق العودة،

وإذ نؤكد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات، والإطار الجامع الذي يعبّر عن وحدة شعبنا ونضاله وتضحياته،

وانطلاقاً من واجبنا في بناء نظام سياسي ديمقراطي يقوم على سيادة القانون والفصل بين السلطات وضمان الحريات العامة والعدالة الاجتماعية،

وإذ ندرك أن مرحلة التحرر الوطني تقتضي إدارة انتقالية موحدة تقودها مؤسسات شرعية جامعة، وتضمن الانتقال من السلطة الوطنية إلى مؤسسات الدولة الفلسطينية،

نصدر هذا الدستور المؤقت باعتباره الإطار الناظم للمرحلة الانتقالية، والضامن لوحدة الأرض والشعب، والمرتكز لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com