تَحْلِيلٌ نَقْدِيٌّ لِخَصَائِصِ النَّصوص فِي أَحْلَامُ بَاسِمَةُ

بقلم: د. مرام أبو النادي
أَحْلَامُ بَاسِمَةَ كِتَابٌ مُنَوَّعٌ؛ فَقَدْ ضَمَّ مِنْ صُنُوفِ الْأَدَبِ مَا قَدَّمَ لَهُ الْأُسْتَاذُ زِيَادُ جِيُوسِي فِي مُقَدِّمَتِهِ وَ أَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْكَاتِبَةُ نَفْسُهَا وَصَرَّحَتْ بِاعْتِرَافٍ شَفِيفٍ بِأَنَّهُ مجموعة لِنُصُوصٍ أَدَبِيَّةٍ كَانَ التَّمَاهِي وَالتَّدَاخُلُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْأَدَبِيَّةِ، لِتُوَلِّدَ نُصُوصٍ تَنْبِضُ بِالْحَيَاةِ، وَتُعَبِّرُ عَنْ التَّجْرِبَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِمُنْتَهَى الْعُمْقِ وَالتَّنَوُّعِ، مِمَّا يَجْعَلُهَا تَعْكِسُ التَّحَوُّلَاتِ الْجَمَالِيَّةَ وَالْفِكْرِيَّةَ فِي الْكِتَابَةِ الْمُعَاصِرَةِ. فَأَجِدُ أَنَّ فِي هَذَا التَّنَوُّعِ اسْتِرْضَاءً لِذَائِقَةِ الْقُرَّاءِ؛ عِلْمًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي انْتِفَاءَ الْوَحْدَةِ الْعُضْوِيَّةِ وَالْمَوْضُوعِيَّةِ لِكُلِّ نَصٍّ مُسْتَقِلٍّ، فَالِاسْتِقْلَالِيَّةُ تَبْدَأُ مِنْ انْفِرَادِ كُلِّ نَصٍّ بِعُنْوَانٍ شَكَّلَ بَادِئَةٍ لَهُ؛ فَحَتَّى الْعَنَاوِينُ كَانَتْ مُحَقِّقَةً لِأَهْدَافٍ عِدَّةٍ أَهَمُّهَا: الْجَذْبُ، وَانْعِكَاسٌ لِرُوحِ وَجَوْهَرِ النَّصِّ، وَالدَّهْشَةُ الَّتِي قَدْ تَصْفَعُ مُخَيِّلَةَ الْقَارِئِ وَالَّتِي قَدْ تَظْهَرُ فِي بَعْضِ النُّصُوصِ وَبِقُوَّةٍ، عَدَا تِلْكَ الْعَنَاوِينَ الَّتِي تُشَكِّلُ نَوْعًا يَعْكِسُ خصائص الْوَمَضَاتِ.
وَإِنْ كَانَ التَّسَلْسُلُ مُعَيَّنًا لِي فِي تَرْتِيبِ الْخَصَائِصِ لِيَتِمَّ تَنَاوُلُهَا بِنَسَقٍ يَعْكِسُ مُحْتَوَى الْمُؤَلِّفِ الْأَدَبِيِّ؛ فَسَيَكُونُ كَمَا يَأْتِي:
أَوَّلًا: الشَّخْصِيَّاتُ: تَشْرِيحٌ لِلذَّاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَالْوُجُوهِ الرَّمْزِيَّةِ** لَا تُقَدِّمُ أَحْلَامُ بَاسِمَةَ شَخْصِيَّاتِهَا كَكَائِنَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الذَّاتِ الْكَاتِبَةِ، بَلْ تَصْهِرُهَا جَمِيعًا فِي بَوْتَقَةِ” الْأَنَا” السَّارِدَةِ، لِتُصْبِحَ وُجُوهًا مُتَعَدِّدَةً تَعْكِسُ أَبْعَادًا مُخْتَلِفَةً مِنْ نَفْسِهَا. فَالشَّخْصِيَّاتُ هُنَا لَيْسَتْ كِيَانَاتٍ رِوَائِيَّةً تَقْلِيدِيَّةً، بَلْ هِيَ “أَقْنِعَةٌ وِجْدَانِيَّةٌ” فِي مُوَاجَهَةِ الْعَالَمِ.:
الْأَبُ: النَّوَاةُ الْغَائِبَةُ الْحَاضِرَةُ يَتَجَاوَزُ الْأَبُ كَوْنَهُ مُجَرَّدَ شَخْصِيَّةٍ أَبَوِيَّةٍ لِيَصِير “رَمْزًا كَوْنِيًّا” يَشْمَلُ فِكْرَةَ الْمَنْعَةِ وَالْحِمَايَةِ الضَّائِعَةِ، وَجِذْرَ الْهُوِيَّةِ، وَوِعَاءَ الذَّاكِرَةِ الْجَمِيلَةِ الْمُؤْلِمَةِ. غِيَابُهُ الْجَسَدِيُّ هُوَ “الثُّقْبُ الْأَسْوَدُ “فِي قَلْبِ النَّصِّ، يَجْذِبُ كُلَّ الْمَشَاعِرِ حَوْلَهُ، بَيْنَمَا حُضُورُهُ الطَّيْفِيُّ كَصَوْتٍ دَاخِلِيٍّ أَوْ ذِكْرَى هُوَ الْجَاذِبِيَّةُ الَّتِي تَمْنَعُ السَّارِدَةَ مِنْ الِانْفِلَاتِ إِلَى الْيَأْسِ. إِنَّهُ رَمْزٌ لِلْوَطَنِ الضَّائِعِ، لِلَجَنَةِ الطُّفُولَةِ الْمَفْقُودَةِ، مِمَّا يُضَاعِفُ مِنْ حُمُولَتِهِ الرَّمْزِيَّةِ وَيَجْعَلُ مِنْهُ مِحْوَرَ الْكَوْنِ النَّصِّيِّ؛ فالِابْنَةُ “زِينَةُ”: اسْتِعَارَةُ الِاسْتِمْرَارِ وَالْأَمَلِ إذ تُمَثِّلُ زِينَةُ “اَلْجِسْرَ الْحَيَّ” بَيْنَ مَاضِي الْأَبِ وَحُلْمِ الْمُسْتَقْبَلِ. هِيَ التَّجْسِيدُ الْمَادِّيُّ لِفِكْرَةِ أَنَّ الْحَيَاةَ أَقْوَى مِنْ الْمَوْتِ، وَأَنَّ الْخَيْطَ لَا وَأَنَّ الْخَيْطَ لَا يَنْقَطِعُ. لَيْسَتْ مُجَرَّدَ طِفْلَةٍ، بَلْ هِيَ “الْمَشْرُوعُ الْوُجُودِيُّ” لِلْكَاتِبَةِ، الثَّمَرَةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْخَرَابَ الشَّخْصِيَّ وَالْجَمَاعِيَّ لَمْ يَقْتُلْ قُدْرَةَ الرُّوحِ عَلَى الْعَطَاءِ وَالْإِنْجَازِ. وُجُودُهَا هُوَ أَقْوَى رَدٍّ عَلَى الْفَقْدِ، مِمَّا يَجْعَلُهَا لُبَّ الْعَمَلِ وَجَوْهَرَهُ الْفَلْسَفِيَّ وَالشُّعُورِيَّ الْحَبِيبُ: ظِلُّ التَّنَاقُضِ وَالْوَجَعِ:** شَخْصِيَّةُ الْحَبِيبِ مُشَبَّعَةٌ بِالتَّنَاقُضِ، فَهِيَ نَافِذَةُ الْأَمَلِ وقَبْرُ الْخِذْلَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ. حُضُورُهُ يَلْمَعُ كَوَمْضَةٍ قَدْ تُعِيدُ بَعْضَ الدِّفْءِ، وَلَكِنَّ غِيَابَهُ أَوْ خِيَانَتَهُ هُوَ إِعَادَةُ تَمْثِيلٍ لِجَرِيمَةِ الْفَقْدِ الْأُولَى (فَقْدِ الْأَبِ). هَذَا التَّذَبْذُبُ بَيْنَ الْجَذْبِ وَالدَّفْعِ، بَيْنَ الْبَهْجَةِ وَالْوَجَعِ، يَجْعَلُهُ شَخْصِيَّةً دِرَامِيَّةً بِامْتِيَازٍ، تُجَسِّدُ صِرَاعَ الذَّاتِ بَيْنَ حَاجَتِهَا لِلْحُبِّ وَخَوْفِهَا مِنْ الْأَلَمِ الشَّخْصِيَّاتُ الثَّانَوِيَّةُ: أَصْدَاءُ الدَّاخِلِ الْأَصْدِقَاءُ، الْجِيرَانُ، وَالْمَارَّةُ لَا يَمْلِكُونَ مَلَامِحَ رِوَائِيَّةً مُكْتَمِلَةً، لِأَنَّ وَظِيفَتَهُمْ لَيْسَتْ سَرْدِيَّةً بَلْ” نَفْسِيَّةٌ انْعِكَاسِيَّةٌ هُمْ “مَرَايَا عَابِرَةٌ” تَعْكِسُ عَلَيْهَا السَّارِدَةُ أَحْزَانَهَا، آمَالَهَا، وَحَيْرَتَهَا. ظُهُورُهُمْ عَابِرٌ كَوَمَضَاتٍ، يُشْبِهُ ظُهُورَ شَخْصِيَّاتٍ فِي حُلْمٍ، يَحْمِلُونَ دَلَالَةً شُعُورِيَّةً تَفُوقُ وُجُودَهُمْ الْمَادِّيَّ، مِمَّا يُعَمِّقُ مِنْ طَابَعِ النُّصُوصِ التَّأَمُّلِيَّةِ وَالْمُنْغَلِقَةِ عَلَى عَالَمِهَا الدَّاخِلِيِّ
ثَانِيًا: فِيما يَتعَلّق بِمُقوّمٍ منْ مُقوّمَاتِ النّصّ الَّثْريّ الْأَحْدَاثُ: وَمَضَاتُ السَّرْدِ وَتَفْجِيرِ الدِّرَامَا فِي التَفاصيلِ الصغيرة
يَخْلُو الْعَمَلُ مِنْ الْحَبْكَةِ الْخَطِّيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، لِيَحُلَّ مَحَلَّهَا “جَمَالِيَّاتُ التَّقْطِيعِ حيثُ اللَّوْحَاتُ السَّرْدِيَّةُ المكثفة الأحداث هِيَ “وَمَضَاتٌ” أَوْ” إِيحَاءَاتٌ” تُلَمِّحُ إِلَى قِصَّةٍ أَكْبَرَ، تَارِكَةً لِلْقَارِئِ مُهِمَّةَ رَبْطِهَا وَتَخَيُّلِ مَا بَيْنَ السُّطُورِ.
الْفَقْدُ: النَّغَمَةُ الْأَسَاسِيَّةُ الْمُتَعَدِّدَةُ الْإِيقَاعَاتِ:** الْفَقْدُ هُوَ اللَّازِمَةُ الَّتِي تَعْزِفُ عَلَيْهَا النُّصُوصُ عَلَى أَوْتَارٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَقْدُ الْأَبِ، الْوَطَنَ، الْحَبِيبَ، الْبَرَاءَةَ، الأحلام. الْأَحْلَامَ. لَكِنَّ هَذَا الْفَقْدَ لَا يُقَدَّمُ بِشَكْلٍ نَمَطِيٍّ؛ فَهُوَ أَحْيَانًا صَاعِقٌ وَمُفَاجِئٌ، وَأَحْيَانًا كَامِنٌ وَمُزْمِنٌ مِثْلَ وَجَعٍ قَدِيمٍ. كُلُّ نَصٍّ هُوَ إِعَادَةُ اكْتِشَافٍ لِطَبَقَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ جُرْحٍ لَمْ يَنْدَمِلْ أَبَدًا.*** التَّفَاصِيلُ الْيَوْمِيَّةُ: تَصْعِيدٌ إِلَى مُسْتَوَى الْمَلْحَمَةِ الْوُجُودِيَّةِ:** الْمَوْهِبَةُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْكَاتِبَةِ تَكْمُنُ فِي قُدْرَتِهَا عَلَى** “تَأْيِينِ الْعَالَمِ”** (تَحْوِيلِهِ إِلَى شَيْءٍ لَهُ وُجُودٌ وَذَاتِيَّةٌ). لِقَاءٌ عَابِرٌ، نَظْرَةٌ مِنْ نَافِذَةٍ، زَهْرَةٌ تَذْبِلُ عَلَى الشُّرْفَةِ، كُلُّ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ الْعَابِرَةِ تُسْحَبُ مِنْ سِيَاقِهَا الْعَادِيِّ لِتَدْخُلَ فِي سِيَاقٍ دِرَامِيٍّ مُكَثَّفٍ، فَتُصْبِحُ مَجَازًا لِلْحَيَاةِ، الْمَوْتِ، الصُّمُودِ، أَوْ الْخِذْلَانُ. هَذِهِ التَّحْوِيلَاتُ تَمْنَحُ النُّصُوصَ عُمْقًا فَلْسَفِيًّا يَجْعَلُ مِنْ الْيَوْمِيِّ أَمْرًا مِيتَافِيزِيقِيًّا.
الْأَحْدَاثُ الْوَطَنِيَّةُ: تَوْطِينُ الْوَجَعِ؛ فلَا تَظْهَرُ فِلَسْطِينُ وَيَافَا وَالْقُدْسُ كَإِشَارَاتٍ سِيَاسِيَّةُ مُبَاشَرَةٍ أَوْ شِعَارَاتٌ، بَلْ كَأَحْدَاثٍ وِجْدَانِيَّةٍ فِي حَيَاةِ الذَّاتِ، هِيَ ذِكْرَيَاتُ طُفُولَةٍ، رَائِحَةُ أَرْضٍ، صَوْتُ أُمٍّ، مَنْزِلٌ مَفْقُودٌ. هَذَا التَّنَاوُلُ يَجْعَلُ الْقَضِيَّةَ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الْبِنْيَةِ النَّفْسِيَّةِ لِلشَّخْصِيَّةِ/ الْكَاتِبَةِ، وَيُحَوِّلُهَا مِنْ قَضِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ إِلَى “تِرَاجِيدْيَا إِنْسَانِيَّةٍ” يَشْعُرُ بِهَا أَيُّ قَارِئٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ خَلْفِيَّتِهِ
ثَالِثًا: عُنْصُرُ الدَّهْشَةِ: صَدْمَةُ الِانْزِيَاحِ الْجَمَالِيِّ الدَّهْشَةُ هُنَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مُفَاجَأَةٍ، بَلْ هِيَ” اِنْزِيَاحٌ” مُذْهِلٌ عَنْ الْمَسَارِ الْمُتَوَقَّعِ لِلصُّورَةِ أَوْ الْجُمْلَةِ، لَحْظَةٌ مِنْ الصَّدْمَةِ الْجَمَالِيَّةِ الَّتِي تُعَلَّقُ فِي ذِهْنِ الْقَارِئِ، فانْزِيَاحُ الْمَعْنَى مثلا إذ تَبْدَأُ الْجُمْلَةُ بِلُغَةٍ بَسِيطَةٍ وَصْفِيَّةٍ، ثُمَّ تَنْقَلِبُ فَجْأَةً إِلَى مَعْنًى مَأْسَاوِيٍّ أَوْ صُورَةٍ قَاسِيَةٍ. هَذَا الِانْزِيَاحُ يَخْلُقُ تَنَاقُضًا بَيْنَ الشَّكْلِ الْهَادِئِ وَالْمَضْمُونِ الْعَاصِفِ، مِمَّا يُضَاعِفُ مِنْ التَّأْثِيرِ الْعَاطِفِيِّ.
الِانْزِيَاحُ فِي الشَّكْلِ الْبِنَائِيِّ: حيث اسْتِخْدَامُ جُمَلٍ قَصِيرَةٍ، مَقْطُوعَةٍ، أَشْبَهَ بِأَنْفَاسٍ، ثُمَّ تَتْبَعُهَا جُمْلَةٌ طَوِيلَةٌ مُوحِيَةٌ، أَوْ الْعَكْسُ. هَذَا التَّلَاعُبُ بِالْإِيقَاعِ يَخْلُقُ حَالَةً مِنْ التَّوَجُّسِ وَالتَّرَقُّبِ، التَّنَاقُضُ الْمُوَلِّدُ لِلطَّاقَةِ؛ حيث الْجَمْعُ بَيْنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ، الْأَمَلِ وَالْيَأْسِ، الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ، دَاخِلَ نَفْسِ النَّصِّ أَوْ حَتَّى نَفْسِ الْجُمْلَةِ. هَذَا التَّعَايُشُ بَيْنَ النَّقَائِضِ لَا يُلْغِيهِمْ إنما يَخلقُ طاقةً دراميّة.
رَابِعًا: اللُّغَةُ وَالصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ: التَّكْثِيفُ وَالِانْزِيَاحُ وَالْمُفَارَقَةُ** لُغَةُ أَحْلَامٍ بَاسِمَةٍ هِيَ لُغَةٌ مُستلة مِنْ الْأَعْمَاقِ تَمْتَازُ بِالْكَثَافَةِ الشِّعْرِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى قَوْلِ الْكَثِيرِ بِالْقَلِيلِ.
اللُّغَةُ: في الْقَصِيدَةُ النثرية تتطلب أن تكونَ الجمل قَصِيرَةٌ، مُكَثَّفَةٌ، ذَاتُ إِيقَاعٍ دَاخِلِيٍّ. كَثِيرٌ مِنْهَا يَحْمِلُ عُمْقًا يُحِيلُهُ إِلَى أُمْثُولَةٍ وجودية أو حِكْمَةٍ، لَيْسَ لِأَنَّ الْكَاتِبَةَ وَعْظِيَّة: بَلْ لِأَنَّ تَجْرِبَتَهَا الْعَمِيقَةَ تَبَلْوَرَتْ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ الْمُكَثَّفَةِ.
أَمَّا اللُّغَةُ عمومَا فَقَدْ كَانَتْ عَلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنْ الشَّاعِرِيَّةِ فَالْعَاطِفَةُ عَلَى تَنَوُّعِ عَبَاءَاتِهَا كَانَتْ تَفِيضُ بِالْبَلَاغَةِ وَالصُّوَرِ الْبَيَانِيَّةِ؛ فَأَظْهَرَتْ الْحُزْنَ كَمَا يَجِبُ، كَمَا الْخِذْلَانُ كَمَا الْحُبِّ.
أَحْلَامٌ بَاسِمَةَ هُوَ عَمَلٌ عَابِرٌ لِلتَّصْنِيفَات ِيَجْمَعُ بَيْنَ صِدْقِ السِّيرَةِ الذَّاتِيَّةِ، وَكَثَافَةِ الْقَصِيدَةِ، وَعُمْقِ الْفَلْسَفَةِ، وَجَمَالِيَّاتِ الْقِصَّةِ الْقَصِيرَةِ جِدًّا. قُوَّتُهُ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْوِيلِ التَّجْرِبَةِ الشَّخْصِيَّةِ جِدًّا إِلَى تَجْرِبَةٍ كَوْنِيَّةٍ، يَشْعُرُ الْقَارِئُ بِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ تَجْرِبَتِهِ هُوَ. إِنَّهُ نَصٌّ مَوسُوعي فِي مَشَاعِرِهِ، يُقَدِّمُ جُرْعَةً نَادِرَةً مِنْ الصِّدْقِ الْعَاطِفِيِّ مُغَلَّفَةً بِغِلَافٍ فَنِّيٍّ رَفِيعٍ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يَسْتَحِقُّ الْقِرَاءَةَ وَالتَّأَمُّلَ وَالدِّرَاسَةَ كَعَلَامَةٍ فَارِقَةٍ فِي الْأَدَبِ الَّذِي يُكْتَبُ مِنْ الْقَلْبِ وَيُخَاطِبُ الْقَلْبَ وَالْعَقْلَ مَعًا.
“عمَّان 27/8/2025”