ما زال خطر التهجير ماثلاً، فليحذر الفلسطينيون- د. ماهر الشريف

بينما تواصل حكومة بنيامين نتنياهو حرب الإبادة على قطاع غزة، مركّزة هجمات جيشها على مدينة غزة حالياً، ويدعو وزير المالية فيها والمسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة إلى ضم 82% من مساحة هذه الضفة إلى إسرائيل، يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “مفاوضات معمقة” تدور بين إدارته وحركة “حماس”، ويطرح اقتراحاً جديداً لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، في الوقت الذي يُكشف النقاب عن تفاصيل الخطة الأميركية بِشأن السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه، ويدور “كباش إعلامي” بين إسرائيل ومصر حول فتح معبر رفح من الجانب المصري لتسهيل تهجير الفلسطينيين.
تصعيد الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة وتداعياته على سكانها
بعد أن أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في 5 أيلول/سبتمبر الجاري، “أن أبواب جهنم قد فتحت” في مدينة غزة”، بدأ جيش الاحتلال في اليوم نفسه في استهداف أبراج المدينة، بغية إجبار السكان على النزوح، زاعماً أن حركة “حماس” قد أقامت في هذه الأبراج “بنى تحتية” لتنفيذ هجمات ضد قواته.
وبحسب محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء في مدينة غزة، الذي يشعر بقلق شديد، فإن “الوضع خطير للغاية؛ بصراحة من أسوأ ما شهدناه، إذ اشتدت الهجمات الإسرائيلية على المدينة التي يعيش فيها مليون شخص، وازدادت معها الخسائر البشرية والدمار والتشريد القسري، وفي الأيام الأخيرة، كان هناك تركيز كبير للقصف على خيام ومنازل النازحين في غرب المدينة، ونستقبل كل يوم عشرات الجرحى بسبب عمليات القصف هذه، التي تحدث كل ساعة وكل دقيقة تقريباً”، مشيراً إلى وجود عدد كبير من القتلى والمفقودين تحت الأنقاض (1).
وعن استهداف الأبراج في المدينة، يقول إياد عماوي، منسق المساعدات الإنسانية لبعض المنظمات غير الحكومية، إن مدينة غزة “صغيرة جداً ومكتظة بالسكان، لذا فإن معظم مبانيها عمودية وليست أفقية، وعندما يتم تدمير برج واحد فيها، فهذا يعني أننا نفقد مئات المنازل في لحظة واحدة لأن الكتل المحيطة بها تدمرها أيضاً انفجارات القذائف التي تمحو أحياء بأكملها”، مقدّراً أنها “استراتيجية إسرائيلية للسيطرة من خلال التدمير والتخويف والقصف المستمر، وذلك لإجبار الناس على المغادرة”.
ووفقاً لبعض التقديرات، فإن حوالي 70 ألف فلسطيني وفلسطينية قد فروا من المدينة في غضون أسبوع وتوجهوا نحو الجنوب، لكن أولئك الذين بقوا لا يعرفون إلى أين يذهبون في القطاع الذي نزح معظم سكانه مرات عديدة، كما أن آخرين لا يملكون الموارد اللازمة لذلك ويكتفون بالانتقال بضعة كيلومترات، وهذا هو حال عبد الرحمن الذي يقول: “أنا من جباليا وقد نزحت مع عائلتي إلى الشمال الغربي، على بعد سبعة كيلومترات في الحي المصري، لقد كان من الصعب جداً الخروج تحت النيران والقصف، وكان ذلك محفوفاً بالمخاطر؛ وقد اضطررت، بغية الوصول إلى هنا، إلى دفع 1000 شيكل، أي 250 يورو”، وهو يعيش اليوم في خيمة يصعب الوصول فيها إلى المياه، ويخشى أن يضطر إلى المغادرة مرة أخرى. أما سهيلة، فهي لم تعد قادرة على التحمل، وذلك بعد أن تلقت أوامر بالإخلاء عدة مرات، واليوم لم يعد لديها أي شيء، تقول: “تم تهجيري أربع مرات تحت نيران الطائرات من دون طيار والدبابات؛ غادرنا منازلنا من دون أن نأخذ أي شيء معنا، لا ملابس ولا أحذية، نحن حفاة؛ أنا هنا، على أنقاض منزل دمرته القذائف، ننام على الأرض من دون مراتب أو بطانيات، لكنني اضطررت إلى المغادرة، إذ كنا خائفين جداً من الضربات والقصف” (2).
وتذكر إيمان كرزون، من جهتها، الأماكن التي مرت بها خلال نزوحها المتكرر، فتقول: “مدينة غزة، بيت لاهيا، رفح، خان يونس، المواصي ذهاباً وإياباً، كبندول سخيف”، وتروي “الليالي التي لا تنتهي في المدن المدمرة، والصباحات التي تقضيها في البحث عن مياه صالحة للشرب، وعن مكان لنصب خيمة”، وتتنهد وتضيف: “هنا، لا أحد يغادر بمحض إرادته: نحن نفعل ذلك عندما نكون مهددين بالموت، كان الموت أمام أعيننا وأعين أطفالنا”. تتذكر هذه الأم عمليات التهجير القسري السابقة، وصوراً لن تنساها أبداً: “الجثث المحترقة التي صادفتها في الطريق، وكبار السن الذين تم التخلي عنهم لأن سيارات الإسعاف لم تعد قادرة على الوصول إليهم، والمشي من الفجر حتى غروب الشمس والعودة إلى مدينة غزة، عندما يسمح الجيش بذلك، لكننا لم نجد سوى الأنقاض والرماد، منزلنا، ملابس أطفالنا، ذكرياتنا، كل شيء قد تم محوه” (3).
بتسلئيل سموتريتش يريد ضم 82% من مساحة الضفة الغربية
بينما يستعد العديد من الدول للاعتراف بدولة فلسطين في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، هددت حكومة الحرب الإسرائيلية بالرد على هذه الخطوة بضم الضفة الغربية المحتلة.
كان من المقرر أن يرأس بنيامين نتنياهو، في 4 أيلول/سبتمبر الجاري، اجتماعاً رفيع المستوى لبحث إمكانية تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية أو على أجزاء منها، إلا أنه، وفقاً لتقارير صحفية، تم تأجيل هذا الاجتماع. من جانبه، تحدث وزير المالية والمسؤول عن الإدارة المدنية في وزارة الحرب بتسلئيل سموتريتش عن المضي قدماً في هذه الخطة، مقترحاً فرض السيادة الإسرائيلية على 82% من أراضي الضفة، حيث يعيش حالياً ثلاثة ملايين فلسطيني وأكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي. وفي خطته، يترك سموتريتش لإدارة الفلسطينيين الذاتية ست مدن رئيسية، بما في ذلك نابلس ورام الله.
وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تمت فيه الموافقة على مبدأ خطة الاستيطان في منطقة E1، التي تنص على بناء 3400 وحدة سكنية في هذه المنطقة الواقعة شرق مدينة القدس المحتلة، بما يمنع أي تواصل جغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها (4). وقد حذّرت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل سنة 2020، يوم الأربعاء في الثالث من هذا الشهر، من أيّ محاولة إسرائيلية لضمّ أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، واصفةً ذلك بـ”الخط الأحمر”. وقالت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، في بيان: “منذ البداية، اعتبرنا اتفاقيات (إبراهيم) وسيلة لمواصلة دعم الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة إلى دولة مستقلة؛ كان هذا موقفنا في سنة 2020، ولم يتغير حتى اليوم” (5).
ترامب: يجب وقف الحرب لأنها تضر بإسرائيل، ونجري مفاوضات مع “حماس”
بعد أن فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على السلطة الفلسطينية ومنعت رئيسها والوفد الفلسطيني إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة من الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، أقدمت على فرض عقوبات على ثلاث منظمات حقوقية فلسطينية، هي”الحق” و”الميزان” و”المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان”، وذلك في بيان أصدره وزير الخارجية ماركو روبيو، زاعماً أن هذه المنظمات “شاركت بصورة مباشرة في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع مواطنين إسرائيليين واعتقالهم أو احتجازهم أو مقاضاتهم” (6).
وبينما كانت الإدارة الأميركية تتخذ هذه الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين، كان رئيسها يجدد، في مقابلة مع صحيفة “ديلي كالر”، دعمه حملة إسرائيل العسكرية على مدينة غزة، لكنه يؤكد أن على الإسرائيليين إنهاء الحرب لأنها تضر بهم، إذ سُئل خلال تلك المقابلة عن قلقه بشأن تراجع الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، بما في ذلك داخل الحزب الجمهوري، فأجاب: “أنا على علم بذلك”، وأكد أن إسرائيل كانت تتمتع “بأقوى لوبي في الكونغرس قبل خمسة عشر أو عشرين عاماً، لكن هذا لم يعد صحيحاً اليوم”، وقال: “كان هناك وقت، إذا كنت تريد أن تصبح سياسياً، فلا يمكنك أن تقول شيئاً سيئاً [عن إسرائيل]”، إذ كانت إسرائيل تمتلك “أقوى لوبي رأيته في حياتي… كانت تسيطر سيطرة كاملة على الكونغرس لكن إسرائيل تضررت، وخصوصاً في الكونغرس، وأنا متفاجئ بعض الشيء لرؤية تراجع الدعم لإسرائيل في الكونغرس”، وأضاف: “لذلك سيتعين عليهم إنهاء هذه الحرب، مع أن هذا يضر بإسرائيل لا شك في ذلك، ربما يكونون في طريقهم للفوز بالحرب، لكنهم لا يفوزون بمعركة العلاقات العامة، كما تعلمون، وهذا يضر بهم” (7).
من ناحية أخرى، أكد دونالد ترامب، في الخامس من هذا الشهر، أن إدارته تجري مفاوضات “معمقة للغاية” مع حركة “حماس”، من دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل عن طبيعة المحادثات أو القنوات التي تجري من خلالها، لكنه شدد على “أن إطلاق سراح الرهائن يمثل أولوية فورية لواشنطن”، وقال: “نجري مفاوضات معمّقة مع حماس، هذا خيار إسرائيل”، مضيفاً أن هناك “32 قتيلًا و20 رهينة على قيد الحياة”، مع شكوكه في أن بعضهم ربما لقي حتفه مؤخراً. وكشفت هيئة الإذاعة الإسرائيلية “كان”، في السابع من هذا الشهر، أن الولايات المتحدة “نقلت مبادئ اتفاق شامل مقترح إلى حماس، وأن هذا ليس مقترحاً رسمياً شاملاً، بل هو مبادئ توجيهية عامة تهدف إلى توجيه المفاوضات المستقبلية” (8).
ترامب يقترح “صفقة” جديدة ويوجّه “تحذيراً أخيراً” إلى “حماس”
في السابع من هذا الشهر، نشر دونالد ترامب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي الخاص به أعلن فيها أن إسرائيل “وافقت على صفقة أسرى جديدة مدعومة أميركياً”، ووجّه “تحذيراً أخيراً” لحركة “حماس” لدفعها إلى قبول هذه الصفقة، وكتب: “الجميع يريد عودة الرهائن إلى ديارهم، الجميع يريد إنهاء هذه الحرب! وافق الإسرائيليون على شروطي، وحان الوقت لحماس لقبولها أيضاً، لقد حذّرتُ حماس من عواقب عدم قبولها؛ هذا تحذيري الأخير، ولن يكون هناك أي تحذير آخر!”.
وبينما ردّت “حماس”، في بيان، بأنها “مستعدة للجلوس فوراً على طاولة المفاوضات لمناقشة إطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إعلان واضح بإنهاء الحرب، وانسحاب كامل من قطاع غزة، وتشكيل لجنة فلسطينية مستقلة لإدارة القطاع”، أشاد منتدى عائلات الرهائن في إسرائيل في بيان بما وصفه بـ “إنجاز حقيقي”، وأضاف: “الضمان الشخصي من رئيس الولايات المتحدة خطوة تاريخية غير مسبوقة، ومن شأن هذا الاتفاق أن يُعزز تسوية إقليمية أوسع، ويضمن إطلاق سراح جميع الرهائن، ويسمح للجنود وجنود الاحتياط بالعودة إلى ديارهم”. وبحسب شبكة CNN، فإنه من غير الواضح حالياً ما إذا كانت الخطة التي ذكرها دونالد ترامب “تتألف من سلسلة من المبادئ التوجيهية لاستئناف المفاوضات أم خطة شاملة لوقف إطلاق النار”.
أما صحيفة “هآرتس”، فقد أشارت إلى أن اقتراح الرئيس الأميركي “يهدف إلى ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الحرب، بحيث يتم تسليم الرهائن الثمانية والأربعين، أحياءً كانوا أم أمواتاً، إلى إسرائيل في اليوم الأول من وقف إطلاق النار، وستجمّد إسرائيل هجومها على مدينة غزة، كما ينص الاتفاق على إطلاق سراح آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين”، على أن تبدأ، بمجرد سريان وقف إطلاق النار، مفاوضات “إنهاء الحرب فوراً بقيادة دونالد ترامب، ولن يُستأنف القتال أثناء استمرار المفاوضات”. وقد أصدر مكتب بنيامين نتنياهو بياناً جاء فيه: “تدرس إسرائيل بجدية اقتراح الرئيس ترامب؛ ويبدو أن حماس ستواصل رفضه” (9).
تفاصيل الخطة الأميركية بشأن مستقبل قطاع غزة
يبدو أن الرئيس الأميركي، الذي يظهر رغبة في وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بغية إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، ما زال مصمماً على خطته الرامية إلى السيطرة على القطاع المنكوب وتهجير سكانه. ففي 31 آب/أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” هذه الخطة التي تتكوّن من 38 صفحة، وتنص على وضع أراضي القطاع تحت الإدارة الأميركية لمدة عشر سنوات لتحويلها إلى “مركز سياحي وتكنولوجي”، على أن “يحصل أولئك الذين يوافقون على المغادرة على 5000 دولار نقداً بالإضافة إلى مساعدة تغطي أربعة أعوام من الإيجار وسنة من الطعام”، بينما يحصل ملاك الأراضي على “عملات رقمية” لاستخدامها في “تمويل حياة جديدة في مكان آخر أو لاستبدالها بشقة في إحدى المدن الست أو الثماني “القائمة على الذكاء الاصطناعي” التي سيتم بناؤها في القطاع، إلى جانب مصانع السيارات الكهربائية والفنادق التي ستقام بفضل استثمارات عامة وخاصة. وخلال فترة إعادة الإعمار، التي تستغرق عشر سنوات، يوضع القطاع تحت إدارة كيان يسمى “صندوق إعادة إعمار غزة” قبل أن يفسح المجال لـ ”كيان فلسطيني جرى إصلاحه وتجريده من التطرف”. وبينما يرى بعض المحللين أن هذه الخطة “تندرج أساساً في نطاق الخيال العلمي”، يرى آخرون أنها “تقول الكثير عن رؤية ما بعد حماس وفقاً للحكومة الإسرائيلية، التي تحلم بقطاع غزة خالٍ من الفلسطينيين، كما تقول الكثير أيضاً عن رؤية الرئيس الأميركي، المصمم على القيام بأعمال تجارية في كل مكان ممكن، بما في ذلك في مناطق الحروب، في أوكرانيا كما في القطاع الفلسطيني” (10).
التهجير ما زال هدف حكومة الحرب الإسرائيلية
أعلن مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى، في الثالث من هذا الشهر، أنه يتوقع أن يغادر “مليون شخص” مدينة غزة ويتوجهون نحو جنوب القطاع، وأضاف: “نريد تحديد منطقة إنسانية” لهؤلاء النازحين، تمتد من المخيمات الوسطى إلى المواصي جنوباً، وتشمل الجزء الشرقي من القطاع. وتخوفاً من تهجير مئات الآلاف من النازحين نحو الحدود المصرية، نشرت مصر، بحسب مصادر، قوات في شمال سيناء يبلغ تعدادها حوالي 40 ألف جندي، وهو ضعف العدد المسموح به (22 ألف جندي) بموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل سنة 1979 (11).
وبعد أن جددت القاهرة “إدانتها ورفضها تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، تحت أي ذريعة، قسراً كانت أم طوعاً، من خلال استمرار استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية ومختلف مناحي الحياة”، صرّح رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، في الخامس من هذا الشهر، أن وزارة الخارجية المصرية “تُفضّل سجن سكان غزة الراغبين في مغادرة منطقة الحرب رغماً عنهم”، وأشار إلى “حرية اختيار كل فرد مكان إقامته”، مُضيفاً أن هذا “حق أساسي من حقوق الإنسان في جميع الظروف، وخصوصاً في أوقات الحرب”.
وفي موقف جديد حازم، حذّر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحفي مع فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة “الأونروا”، في القاهرة في السادس من هذا الشهر، من أن “معبر رفح مُخصص لدخول الأفراد والمساعدات إلى غزة، ولن يكون معبراً للتهجير القسري للفلسطينيين”، وأوضح أن “مصر لن تشارك في أي ظلم يلحق بالشعب الفلسطيني ولن تُساهم في ترحيله، وأن موقف مصر من هذه القضية ثابت وغير قابل للتغيير”، مضيفاً بأنه “لا يُمكن إجبار سكان غزة على مغادرة قطاع غزة بحجة التهجير الطوعي، ذلك إن اقتراح التهجير الطوعي للفلسطينيين عبثي، وإن مسألة الترحيل خط أحمر بالنسبة لمصر، ولا يُمكن قبولها” (12).
خاتمة
يرى سيباستيان بوسوا الباحث البلجيكي في القضايا الجيو سياسية وفي شؤون العالم العربي أن التباعد المتزايد بين الحكومة والجيش في إسرائيل هو “أمر ملموس بالفعل في مجتمع إسرائيلي مُجزأ، وتتعالى فيه الأصوات، وخصوصاً بين عائلات الرهائن، الذين يتهمون بنيامين نتنياهو باستغلال مأساتهم لتعزيز بقائه السياسي”. وبينما أطلقت الحكومة الإسرائيلية “عملية شاملة تهدف إلى القضاء على حماس وإعادة فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غزة – وهي استراتيجية باهظة التكلفة، إنسانياً وسياسياً”، تتبلور “مشاريع إعادة إعمار وتأهيل اقتصادي، تبدو خيالية أحياناً وتُذكّر بـ”ريفييرا غزة”، على غرار مشاريع العقارات التي روّج لها دونالد ترامب”.
ويتساءل الباحث نفسه: “لكن كيف يُمكن بناء “دبي” على البحر الأبيض المتوسط على أنقاض وعلى خراب من دون حل سياسي قائم؟”، و “ما هو مستقبل هؤلاء الآلاف من الشباب المحكوم عليهم بالفقر والتطرف والموت بسبب بقائهم في غزة؟ “، ليخلص إلى أن إسرائيل “تبدو الآن عالقة في حربٍ ضبابية الحدود”؛ فما بين “وهم النصر العسكري الشامل وإغراء إعادة الإعمار على الطريقة الأميركية، لا تزال غزة أرضاً عالقة بين الأنقاض والأحلام الوهمية”؛ بينما “يهدف المشروع الذي تحييه الإدارة الأميركية أيضاً إلى إخفاء غياب البديل السياسي، الذي تتحمل إسرائيل مسؤوليته” (13).
وبينما يريد آخرون رسم مستقبل القطاع المنكوب، ومعه مستقبل القضية الفلسطينية، يشل الانقسام الداخلي الفلسطينيين عن التدخل الفاعل كي يجعلوا “اليوم التالي” في غزة يوماً فلسطينياً، وفلسطينياً فقط.
* باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.