ورقة موقف لمركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس”

ورقة موقف لمركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس”
العضو الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة
بمناسبة اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات
“إبادة التعليم”: أي حماية للتعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
رام الله
9/9/2025
الفهرس
الرقم | الموضوع | الصفحة |
1. | المقدمة | 3-5 |
2. | الخلفية العامة لاعتماد اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات | 6 |
3. | الإطار القانوني الدولي لحماية التعليم أثناء النزاعات | 7-9 |
4. | الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة | 9-10 |
5. | تعزيز تنفيذ إعلان المدارس الآمنة الذي اعتمد في أوسلو عام 2015، كإطار لحماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة. · أهداف إعلان المدارس الآمنة· أهمية الإعلان في السياق الفلسطيني· التزامات الدول الموقعة· التحديات التي تواجه التنفيذ· تعزيز التنفيذ في فلسطين | 11-13 |
6. | التوصيات | 14-15 |
7. | الخاتمة | 16-17 |
مقدمة
يصدر مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” هذه الورقة بمناسبة اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات،والذي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في28 أيار 2020 بقرارها رقم(74/275) ، حيث اعتمدت التاسع من أيلول يوماً دولياً لحماية التعليم من الهجمات.تأتي هذه الورقة في إطار جهود مركز “شمس” المستمرة لتعزيز وحماية الحق في التعليم في فلسطين، وتسليط الضوء على الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها هذا الحق الأساسي في ظل النزاع والاحتلال المستمر. وتهدف الورقة إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي والدولي، وتقديم مرجع حقوقي وقانوني يوضح حجم وخطورة الهجمات على المؤسسات التعليمية، بما فيها المدارس والجامعات، وما يترتب عليها من آثار إنسانية وتنموية عميقة.
كما يسعى مركز “شمس” من خلال هذه الورقة إلى تحفيز جميع الأطراف المعنية، من مؤسسات دولية ووطنية، وحكومة، ومنظمات مجتمع مدني، على العمل المشترك لحماية التعليم وضمان استمراريته حتى في أصعب الظروف. وتأتي هذه الورقة كجزء من عمل المركز في التوثيق والمناصرة ، استناداً إلى القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما يساهم في بناء نظام حماية شامل يحفظ حق الأجيال الفلسطينية في التعلم والنهوض بمستقبل أكثر عدالة وإنصافاً.
يشكل التعليم أحد الركائز الأساسية لبناء المجتمعات وضمان استدامة التنمية والازدهار، فهو ليس مجرد حق من حقوق الإنسان، بل يمثل الأساس الذي تقوم عليه النهضة الشاملة للأمم والشعوب. في أوقات النزاع المسلح، يصبح التعليم أكثر عرضة للخطر، حيث تتحول المدارس والجامعات إلى أهداف مباشرة أو غير مباشرة ، ويجد المعلمون والطلبة أنفسهم في قلب دائرة الصراع. هذه الحقيقة المؤلمة دفعت المجتمع الدولي إلى إدراك الحاجة الماسة إلى توفير حماية خاصة للتعليم، ليس فقط باعتباره مؤسسة، بل كحق إنساني جوهري لا يجوز المساس به تحت أي ظرف. ومن هنا برزت الحاجة إلى تخصيص يوم دولي لحماية التعليم من الهجمات، ليكون منصة لتسليط الضوء على خطورة استهداف العملية التعليمية، ولحشد الجهود الدولية من أجل وقف هذه الانتهاكات، والعمل على ضمان استمرار التعليم حتى في أحلك الظروف وأكثرها قسوة.
في هذا السياق، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2020 قرارا يقضي بتخصيص يوم التاسع من أيلول من كل عام يوماً دولياً لحماية التعليم من الهجمات. جاء هذا القرار بعد سنوات من العمل التراكمي الذي قادته منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، وبناء على تقارير موثقة كشفت عن حجم الدمار الذي يلحق بقطاع التعليم في مناطق النزاع. فقد أظهرت هذه التقارير أن استهداف المؤسسات التعليمية أصبح ظاهرة ممنهجة في العديد من النزاعات الحديثة، حيث يتم تدمير المدارس كلياً أو جزئياً، واستخدامها لأغراض عسكرية، وحرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعلم. وبذلك، أصبح هذا اليوم رمزاً عالمياً للمطالبة بحماية التعليم والدفاع عن حق الأجيال القادمة في بيئة تعليمية آمنة. إنه يوم لتذكير الحكومات والمجتمعات بأن التعليم ليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه في أوقات الأزمات، بل هو شريان حياة يجب حمايته مهما كانت التحديات.
تبرز أهمية هذا اليوم من خلال الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، فهو يهدف إلى رفع مستوى الوعي العالمي بخطورة الهجمات على التعليم، والدعوة إلى وقف استهداف المدارس والجامعات، ومنع استخدامها لأغراض عسكرية، ومساءلة الأطراف التي تنتهك هذا الحق الأساسي. كما يسعى إلى تعزيز تنفيذ إعلان المدارس الآمنة الذي تم اعتماده في أوسلو عام 2015، والذي يمثل إطاراً دولياً لحماية المؤسسات التعليمية أثناء النزاعات المسلحة. ومن خلال هذا اليوم، يتم تشجيع الدول على تبني سياسات وإجراءات تضمن حماية العملية التعليمية بشكل شامل، بما يشمل حماية الطلبة والمعلمين والبنية التحتية التعليمية. كما يشكل هذا اليوم فرصة للمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لتوثيق الانتهاكات ورفعها إلى المحافل الدولية، وتفعيل آليات المساءلة التي تضمن عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
تكتسب قضية حماية التعليم أهمية خاصة في مناطق النزاع الممتدة زمنياً والمعقدة سياسياً، حيث يصبح التعليم هدفاً استراتيجياً للأطراف المتحاربة. فاستهداف المدارس لا يقتصر على تدمير المباني أو تعطيل العملية التعليمية، بل يمتد ليشمل استهداف المجتمعات نفسها من خلال كسر إرادة الأجيال القادمة وتجريدها من الأدوات التي تمكّنها من النهوض في المستقبل. ومن هنا، فإن حماية التعليم تمثل خط الدفاع الأول عن استمرارية المجتمع وقدرته على التعافي بعد انتهاء النزاعات. فالمؤسسات التعليمية التي تبقى قائمة أثناء النزاعات توفر ملاذاً نفسياً واجتماعياً للأطفال والشباب، وتمنحهم الأمل في حياة أفضل، كما تساهم في الحفاظ على الترابط الاجتماعي ومنع الانهيار الكامل للبنية المجتمعية. لذلك، فإن الهجمات على التعليم لا يمكن النظر إليها كأضرار جانبية للحرب، بل هي جرائم متعمدة تستهدف مستقبل الشعوب.
على الصعيد الفلسطيني، يكتسب هذا اليوم الدولي أبعاداً مضاعفة، نظراً للواقع المستمر من الاحتلال العسكري والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها قطاع التعليم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة. فقد شهدت فلسطين على مدى العقود الماضية سلسلة متواصلة من الاعتداءات على المدارس والجامعات والمعلمين والطلبة. في قطاع غزة، دمرت الهجمات الإسرائيلية مئات المدارس، وألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية التعليمية، مما أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من الطلبة من مواصلة تعليمهم. وفي الضفة الغربية، تتعرض المدارس للاقتحامات المستمرة من قبل قوات الاحتلال واعتداءات المستوطنين، كما يتم اعتقال الطلبة والمعلمين، ويُحرم العديد من الأطفال من الوصول إلى مدارسهم بسبب الحواجز العسكرية وإجراءات الإغلاق. هذه الانتهاكات لا تمثل مجرد خروقات فردية، بل هي سياسة منهجية تهدف إلى تعطيل العملية التعليمية وتقويض حق الشعب الفلسطيني في بناء مستقبل مستقل وآمن.
إن اعتماد اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات يشكل فرصة مهمة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، ووضعها في إطارها القانوني الدولي الذي يحمّل قوة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية. فالقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، ينص بوضوح على حماية الأعيان المدنية، ويحظر استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية. كما أن استهداف المدارس يشكل جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ومن هذا المنطلق، فإن المجتمع الدولي مطالب ليس فقط بإدانة هذه الانتهاكات، بل باتخاذ خطوات عملية لمحاسبة مرتكبيها وضمان عدم تكرارها.
هذا اليوم لا يمثل مجرد مناسبة رمزية، بل هو دعوة عالمية لاتخاذ إجراءات ملموسة تضع حداً لظاهرة استهداف التعليم. إنه فرصة لإعادة التأكيد على أن التعليم يجب أن يظل محمياً حتى في أوقات النزاعات المسلحة، وأن حماية المدارس والمعلمين والطلبة هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره. كما يشكل هذا اليوم مناسبة للتأكيد على أن حماية التعليم ليست واجباً أخلاقياً فحسب، بل هي التزام قانوني يستند إلى قواعد القانون الدولي. فاستمرار استهداف التعليم دون مساءلة يقوض أسس النظام الدولي القائم على حماية حقوق الإنسان، ويشجع على تكرار الانتهاكات في أماكن أخرى من العالم.
إن الاحتفاء باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات يجب أن يتجاوز الخطابات والبيانات الرمزية، ليترجم إلى خطط عمل وسياسات فعالة تعالج الأسباب الجذرية لهذه الهجمات. ويشمل ذلك تعزيز ثقافة احترام القانون الدولي، وتقديم الدعم للدول التي تواجه تحديات في حماية قطاع التعليم، وتطوير آليات إنذار مبكر لمنع وقوع الهجمات قبل حدوثها. كما يتطلب ذلك تعزيز التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لتوثيق الانتهاكات وجمع الأدلة ومتابعة القضايا أمام المحاكم الدولية. ومن خلال هذه الجهود، يمكن تحويل هذا اليوم إلى أداة فعالة للدفاع عن التعليم وضمان استمراريته حتى في أصعب الظروف.
في النهاية، يشكل اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات مناسبة للتفكير الجماعي في مستقبل الأجيال القادمة، وللتأكيد على أن حماية التعليم هي حماية لمستقبل البشرية بأسرها. إنه تذكير بأن الحروب والنزاعات مهما كانت دوافعها لا تبرر استهداف المدارس ولا حرمان الأطفال والشباب من حقهم في التعلم. ومن خلال الالتزام الدولي الجاد بمبادئ هذا اليوم، يمكن بناء عالم أكثر إنصافا وأمنا، حيث يبقى التعليم منارة أمل للأجيال، ورمزا لصمود الشعوب في وجه العنف والدمار
الخلفية العامة لاعتماد اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات
اعتماد اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات جاء نتيجة مسار طويل من الجهود الحقوقية والدولية لمواجهة ظاهرة خطيرة تهدد السلم والأمن الدوليين، حيث شهدت العقود الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في استهداف المدارس والجامعات والمعلمين والطلبة من خلال القصف المباشر أو الاستخدام العسكري للمؤسسات التعليمية، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية وحرمان أجيال كاملة من حقها في التعلم، وتدمير المجتمعات وإضعاف قدرتها على النهوض.
وثقت تقارير الأمم المتحدة، ومنها تقارير اليونيسيف واليونسكو، حجم هذه الانتهاكات في مناطق النزاع مثل سورية واليمن وأفغانستان وفلسطين، حيث فقد ملايين الأطفال فرصهم في التعليم نتيجة تدمير المدارس أو النزوح القسري، وتعرض المعلمون للقتل والاعتقال والتهجير. وقد أثبتت هذه التقارير أن استهداف التعليم لم يعد نتيجة جانبية للنزاعات، بل إستراتيجية متعمدة لكسر إرادة الشعوب وزرع الخوف واليأس في نفوس الأجيال القادمة.
في هذا السياق،اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في28 أيار 2020 القرار رقم(74/275) الذي خصص يوم 9 أيلول يوماً دولياً لحماية التعليم من الهجمات، ليكون منبراً عالمياً لحشد الجهود الدولية وتذكير الدول بمسؤولياتها. جاء هذا القرار امتداداً لإعلان المدارس الآمنة المعتمد في أوسلو عام 2015، لكنه وفر إطاراً أوسع لتعزيز الوعي والمساءلة وضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.
يهدف اليوم الدولي إلى رفع مستوى الوعي بخطورة استهداف التعليم، ومساءلة الأطراف المنتهكة، ومنع استخدام المؤسسات التعليمية لأغراض عسكرية، وتطوير خطط حماية واستجابة عاجلة. كما يتيح فرصة لتسليط الضوء على الأزمات الكبرى مثل ما يحدث في فلسطين وسوريا واليمن، حيث تتحول المدارس إلى ساحات حرب.
يمثل هذا اليوم اعترافاً بأن حماية التعليم مسؤولية جماعية، وأن أي تقاعس عن ذلك يهدد استقرار النظام الدولي بأسره عبر موجات النزوح والتطرف. وهو ليس مجرد مناسبة رمزية، بل دعوة لاتخاذ إجراءات عملية وضمان حق كل طفل في التعلم بأمان. إنه تتويج لنضال حقوقي ودبلوماسي طويل، ونقطة انطلاق نحو نظام عالمي يضع التعليم في صميم استراتيجيات السلام والتنمية، باعتباره استثماراً أساسياً في مستقبل الإنسانية.
الإطار القانوني الدولي لحماية التعليم أثناء النزاعات
يشكل الإطار القانوني الدولي لحماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة منظومة متكاملة من القواعد والمبادئ التي تهدف إلى ضمان استمرار العملية التعليمية وحماية المدارس والجامعات والمعلمين والطلبة من آثار الحرب والعنف المسلح.ويقوم هذا الإطار على ركيزتين أساسيتين،هما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلى جانب مجموعة من الاتفاقيات والإعلانات الدولية التي تعزز هذه الحماية، مثل إعلان المدارس الآمنة وغيره من المبادرات العالمية.
القانون الدولي الإنساني، الذي يمثل مجموعة القواعد المنظمة لسلوك الأطراف في النزاعات المسلحة، يشكل حجر الأساس في هذا المجال. فقد وضعت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، خصوصا البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، أحكاما واضحة لحماية المدنيين أثناء النزاعات، بما في ذلك المؤسسات التعليمية. فالمادة (48) من البروتوكول الأول تؤكد مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، بما يعني أنه يحظر استهداف أي منشأة مدنية، مثل المدارس، ما لم تتحول إلى هدف عسكري بشكل مباشر. كما تنص المادة (52) على حماية الأعيان المدنية بشكل عام، وتوضح أن المدارس تعتبر محمية ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية. ويعد استهدافها في هذه الحالة انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني قد يرقى إلى جريمة حرب.
وبالإضافة إلى ذلك، تلزم اتفاقيات جنيف أطراف النزاع باتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان استمرار التعليم، خاصة للأطفال. فالمادة (50) من اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحرب، تنص على أن تقوم قوة الاحتلال بتيسير عمل مؤسسات التعليم وضمان استمرار التعليم للأطفال في الأراضي المحتلة، حتى في ظل ظروف النزاع. كما تنص المادة (24) من البروتوكول الإضافي الأول على ضرورة اتخاذ تدابير خاصة لحماية الأطفال وضمان توفير التعليم لهم، ما يعكس الطبيعة الإلزامية لحماية التعليم وليس مجرد التزام أخلاقي أو طوعي.
وفي موازاة القانون الدولي الإنساني، يشكل القانون الدولي لحقوق الإنسان إطاراً دائماً لحماية الحق في التعليم في جميع الأوقات، سواء في السلم أو الحرب. فالتعليم منصوص عليه كحق أساسي في عدة معاهدات دولية، أبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966، حيث تنص المادة (13) منه على أن “تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التعليم”، وتؤكد على وجوب أن يكون التعليم متاحا وميسرا للجميع دون أي شكل من أشكال التمييز، حتى في أوقات الأزمات والنزاعات.
كما تضمن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 حماية خاصة للأطفال في مجال التعليم، حيث تنص المادة (28) على حق الطفل في التعليم وتؤكد على التزام الدول باتخاذ تدابير لضمان استمرار العملية التعليمية. وتوضح المادة (38) من الاتفاقية أن على الدول الأطراف احترام القواعد الإنسانية التي تنطبق على النزاعات المسلحة، واتخاذ التدابير لحماية الأطفال المتأثرين بهذه النزاعات، بما في ذلك ضمان حقهم في التعلم في بيئة آمنة.
وتدعم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) هذا الإطار من خلال إلزام الدول بضمان حق الفتيات في التعليم، بما يشمل الحالات التي تتعرض فيها النساء والفتيات إلى خطر مضاعف أثناء النزاعات المسلحة، إذ غالبا ما يتم استهدافهن بشكل مباشر أو يتم حرمانهن من فرص التعلم بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية.
كما أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 تؤكد في المادة (22) على حق اللاجئين في التعليم، وهو نص ذو أهمية كبيرة في حالات النزاعات التي ينتج عنها موجات نزوح ولجوء جماعي، حيث يكون التعليم واحدا من الحقوق الأساسية التي يجب حمايتها وتقديمها بشكل عاجل.
إلى جانب هذه المعاهدات، ظهر إعلان المدارس الآمنة الذي تم اعتماده في أوسلو عام 2015 كإطار دولي طوعي يعزز حماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة. وجاء هذا الإعلان استجابة للتزايد الكبير في الهجمات على المدارس والجامعات حول العالم. ويهدف إلى وضع مبادئ توجيهية واضحة للدول لتفادي استخدام المدارس لأغراض عسكرية، وتطوير سياسات وطنية لضمان حماية المؤسسات التعليمية. كما يشجع الدول على تعزيز آليات المساءلة القانونية لمحاسبة المسؤولين عن استهداف التعليم أو تحويل المدارس إلى مقار عسكرية. ومن خلال هذا الإعلان، تم وضع مجموعة من الالتزامات العملية، مثل توفير برامج تدريبية للقوات المسلحة حول حماية التعليم، ووضع تشريعات وطنية تمنع أي استخدام غير مدني للمؤسسات التعليمية.
كما تدعم اليونسكو عبر برامجها ومبادراتها الدولية جهود حماية التعليم في أوقات النزاع، وقد أصدرت عدة وثائق ومعايير دولية تؤكد على أن التعليم يجب أن يكون دائما في مأمن من العنف والتدمير. وتعمل اليونسكو بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة الأخرى على رصد الانتهاكات وتوثيقها، وهو ما يوفر قاعدة أدلة مهمة يمكن استخدامها في آليات المساءلة الدولية.
إن هذا الإطار القانوني المتكامل لا يقتصر على حماية البنية التحتية التعليمية، بل يمتد ليشمل ضمان استمرارية العملية التعليمية نفسها. فالقانون الدولي يقر بأن التعليم في أوقات النزاع يعد ضرورة إنسانية، وليس مجرد خدمة عامة. ولهذا، فإن الدول مطالبة باتخاذ تدابير عاجلة لضمان توفير التعليم البديل في حالات تعذر الوصول إلى المدارس التقليدية، مثل التعليم عبر الوسائط الرقمية أو في مراكز مؤقتة آمنة.
وتؤكد قرارات مجلس الأمن الدولي هذا الالتزام بشكل مباشر، فقد تبنى المجلس القرار رقم (1998) لعام 2011 الذي ينص على إدراج الأطراف التي تقوم باستهداف المدارس أو المستشفيات في النزاعات ضمن قائمة الأطراف التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال. ويعتبر هذا القرار خطوة مهمة لرفع مستوى الحماية الممنوحة للمؤسسات التعليمية، ويوفر أساساً قانونياً لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها على أعلى المستويات الدولية.
من خلال هذا الإطار، يصبح استهداف المدارس جريمة مزدوجة، فهي تمثل خرقا لكل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي بعض الحالات قد ترقى إلى جرائم حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فالمادة (8) من النظام تعتبر تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة لأغراض تعليمية، والتي لا تكون أهدافا عسكرية، جريمة حرب تستوجب الملاحقة الجنائية الدولية.
وبهذا، يتضح أن حماية التعليم أثناء النزاعات ليست مسألة أخلاقية أو سياسية فقط، بل هي واجب قانوني دولي متعدد الأبعاد، يستند إلى منظومة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تضع التزامات محددة على عاتق الدول والأطراف الفاعلة. إن هذا الإطار يهدف في مجمله إلى ضمان أن تظل المؤسسات التعليمية أماكن آمنة، وأن يستمر التعليم كحق أساسي يحافظ على الأمل ويبني جسور السلام حتى في أكثر الظروف قسوة وتعقيدا.
الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة
تتعرض العملية التعليمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لاستهداف شامل وممنهج من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهو استهداف متعدد الأبعاد ويشمل القصف،الحصار،الاقتحامات، الاعتقالات، التخويف،والتدمير المتعمد للبنية التحتية التعليمية،إضافة إلى الاعتداءات اليومية التي ينفذها المستوطنون. هذه الأفعال لا يمكن تصنيفها كحوادث عرضية، بل هي سياسة مدروسة تهدف إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني وحرمان أجياله من حقهم في التعليم، بما يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي الإنساني ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية للفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 9 أيلول 2025 إلى استهداف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع التعليم في فلسطين بشكل ممنهج، حيث تم في قطاع غزة تدمير كامل لـ(63) مبنى جامعياً و(172) مدرسة حكومية، إضافة إلى تعرض (118) مدرسة حكومية لأضرار نتيجة القصف والتخريب، وأكثر من (100) مدرسة تابعة للأونروا للقصف والتخريب. وبلغ عدد شهداء الكوادر التعليمية من المدارس في قطاع غزة (750) شهيداً والجرحى (3,111) جريحاً، فيما استشهد من طلبة المدارس (17,469) طالباً وطالبة وأصيب (25,679)، ومن طلبة الجامعات (1,271) شهيداً و(2,683) جريحاً، بينما استشهد من كوادر الجامعات (228) وأصيب (1,421). أما في الضفة الغربية، فقد اقتُحمت وخُرّبت (8) جامعات، وتعرضت (152) مدرسة للتخريب، وأُزيلت (30) مدرسة بالكامل أزيلت من السجل التعليمي. مع طلبتها ومعلميها نتيجة تهجير التجمعات بفعل اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال. كما استشهد من كوادر المدارس (5) وأصيب (21) واعتقل (187)، ومن طلبة المدارس استشهد (110) وأصيب (751) واعتقل (379)، ومن طلبة الجامعات استشهد (35) وأصيب (231) واعتقل (413).
وإلى جانب قصف وتدمير المدارس والجامعات، استهدفت قوات الاحتلال البنية التحتية الأساسية المرتبطة بالتعليم، فقد قصف الطرق المؤدية إلى المدارس، ما أعاق حركة الطلاب والمعلمين، كما دمر شبكات المياه والكهرباء حول المدارس، ومنع دخول مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار، مما أدى إلى بقاء عشرات المدارس المدمرة دون ترميم، ليُضاف ذلك إلى معاناة الطلبة والمعلمين، ويجعل استئناف العملية التعليمية شبه مستحيل، الأمر الذي يعمّق الأزمة ويضاعف آثارها الكارثية على المجتمع الفلسطيني بأسره.
كما تكشف هذه الأرقام المروعة حجم المأساة التي يتعرض لها قطاع التعليم في فلسطين، إذ لم يقتصر العدوان الإسرائيلي على تدمير المباني التعليمية والبنية التحتية، بل امتد ليستهدف أرواح الطلبة والمعلمين ويقوض مستقبل أجيال كاملة. فحرمان مئات الآلاف من الطلبة من حقهم الأساسي في التعليم يمثل جريمة مضاعفة، حيث يتم قتل الحاضر بتصفية العقول، واغتيال المستقبل بحرمان الأطفال والشباب من فرص التعلم والنهوض بمجتمعهم. إن هذا الاستهداف الممنهج لا يترك أي مجال للشك بأنه سياسة مقصودة تهدف إلى شل العملية التعليمية وتدمير الهوية الوطنية الفلسطينية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية، وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ما يجعله جريمة حرب مكتملة الأركان تتطلب تحركًا عاجلاً لمحاسبة مرتكبيها ووضع حد لإفلاتهم من العقاب
تعزيز تنفيذ إعلان المدارس الآمنة الذي اعتمد في أوسلو عام 2015، كإطار لحماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة.
يمثل إعلان المدارس الآمنة الذي تم اعتماده في العاصمة النرويجية أوسلو عام 2015 خطوة محورية في الجهود الدولية الرامية إلى حماية العملية التعليمية أثناء النزاعات المسلحة، حيث جاء هذا الإعلان استجابةً للتزايد المقلق في الهجمات التي تستهدف المؤسسات التعليمية حول العالم، وما ينجم عنها من آثار كارثية على الأجيال القادمة. فقد كشفت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية خلال العقدين الأخيرين عن تحول المدارس إلى ساحات صراع، يتم فيها تجنيد الأطفال، أو استخدامها كمقار عسكرية، أو استهدافها بالقصف والتدمير، ما يشكل تهديداً مباشراً لحق الأطفال والشباب في التعليم والأمن والحماية.
إعلان المدارس الآمنة هو إطار طوعي وليس ملزماً قانونياً، لكنه يكتسب أهمية استثنائية كونه يشكل مرجعاً أخلاقياً وسياسياً للدول الراغبة في تعزيز حماية التعليم. وقد أُطلق هذا الإعلان من خلال مبادرة مشتركة بين الحكومتين النرويجية والأرجنتينية، وحظي منذ اعتماده بدعم متزايد من المجتمع الدولي، حيث انضمت إليه حتى عام 2024 أكثر من (118) دولة، بما في ذلك عدد من الدول العربية مثل فلسطين وقطر والسودان واليمن. ويهدف الإعلان إلى وضع قواعد توجيهية واضحة تضمن بقاء المدارس والجامعات أماكن آمنة، وتحظر استخدامها لأغراض عسكرية من قبل أي طرف في النزاع.
أهداف إعلان المدارس الآمنة
يركز الإعلان على عدة أهداف رئيسية تشكل حجر الزاوية لحماية العملية التعليمية في أوقات الحرب، أبرزها:
- منع استخدام المدارس والجامعات لأغراض عسكرية، مثل تحويلها إلى ثكنات أو مخازن للأسلحة أو مراكز قيادة، وهو ما يعرّضها لخطر التحول إلى أهداف عسكرية مشروعة.
- توفير الحماية المادية للمدارس والطلبة والمعلمين عبر تطوير أنظمة مراقبة وإجراءات أمنية تتناسب مع القوانين الدولية.
- تعزيز المساءلة القانونية من خلال التحقيق في الانتهاكات وملاحقة مرتكبي الجرائم المتعلقة باستهداف المؤسسات التعليمية أمام المحاكم الوطنية والدولية.
- تطوير سياسات وطنية لحماية التعليم تتضمن خطط طوارئ واستراتيجيات لإعادة الإعمار السريع في حال تدمير المدارس أو تعطيلها.
- تشجيع الدول على التعاون الدولي وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات لحماية العملية التعليمية أثناء النزاعات.
أهمية الإعلان في السياق الفلسطيني
في الحالة الفلسطينية، يكتسب إعلان المدارس الآمنة أهمية استثنائية نظراً للواقع المعقد الذي يعيشه قطاع التعليم تحت الاحتلال الإسرائيلي. فالمؤسسات التعليمية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس تتعرض لانتهاكات يومية، تشمل القصف المباشر، الاقتحامات، الاعتداءات على الطلبة والمعلمين، وفرض قيود على المناهج الدراسية.
- في غزة، حيث تم تدمير مئات المدارس والجامعات خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في 2023 و2024، يمثل الإعلان أداة للمطالبة الدولية بحماية هذه المؤسسات ومنع استخدامها كأهداف عسكرية أو كملاذات للعمليات القتالية.
- في الضفة الغربية والقدس، يتيح الإعلان قاعدة قانونية وأخلاقية لمواجهة سياسات الاحتلال التي تسعى لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال التحكم بالمناهج، واعتقال الطلبة والمعلمين، ومنع وصول الأطفال إلى مدارسهم عبر الحواجز العسكرية.
- كما يمكن استخدام الإعلان كمرجع أساسي في توثيق الانتهاكات ورفعها إلى المحافل الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، مما يساهم في تعزيز آليات المساءلة.
التزامات الدول الموقعة
انضمام دولة ما إلى إعلان المدارس الآمنة يعكس التزامها السياسي والأخلاقي بحماية التعليم، ويتضمن عدة إجراءات عملية، منها:
- مواءمة التشريعات الوطنية مع مبادئ الإعلان لضمان عدم استخدام المؤسسات التعليمية لأغراض عسكرية.
- تدريب القوات المسلحة وأجهزة الأمن على القوانين الدولية المتعلقة بحماية التعليم.
- جمع البيانات والإحصاءات عن الانتهاكات بحق المؤسسات التعليمية ونشرها بشكل دوري لضمان الشفافية.
- تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والمعلمين المتضررين من النزاعات.
- تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة ورصد الانتهاكات وتوثيقها وفق المعايير الدولية.
التحديات التي تواجه التنفيذ
رغم الأهمية الكبيرة لإعلان المدارس الآمنة، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات عديدة:
- غياب الإلزامية القانونية: الإعلان طوعي، مما يعني أن الدول غير مجبرة على تنفيذه ما لم تتوافر الإرادة السياسية لذلك.
- ضعف آليات المساءلة: غالباً ما يفلت مرتكبو الجرائم ضد المؤسسات التعليمية من العقاب بسبب عجز المجتمع الدولي عن فرض المحاسبة.
- استمرار النزاعات المسلحة: في العديد من المناطق مثل فلسطين وسورية واليمن، تعيق طبيعة النزاع المستمر تنفيذ التدابير الوقائية.
- نقص الموارد المالية: إعادة إعمار المدارس وتوفير الحماية لها يتطلب موارد كبيرة غالباً ما تكون غير متاحة في الدول المتأثرة بالنزاعات.
تعزيز التنفيذ في فلسطين
لتعزيز تنفيذ إعلان المدارس الآمنة في فلسطين، يمكن اتخاذ عدة خطوات عملية:
- إطلاق خطة وطنية شاملة تتضمن إجراءات لحماية المؤسسات التعليمية من الهجمات، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة بسرعة.
- تعزيز الضغط الدولي على إسرائيل لإجبارها على احترام مبادئ الإعلان ووقف استهداف التعليم.
- التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو واليونيسيف لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة والمعلمين، خصوصاً في المناطق التي شهدت اعتداءات متكررة.
- إدماج مبادئ الإعلان في المناهج التعليمية الفلسطينية لتثقيف الطلبة حول حقوقهم وحماية التعليم كقيمة أساسية.
التوصيات
أولاً: توصيات موجهة للمجتمع الدولي والمنظمات الأممية
- تفعيل آليات المساءلة الدولية:
- العمل على محاسبة إسرائيل كقوة احتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية عن استهدافها المتكرر للمؤسسات التعليمية، استناداً إلى المادة (8) من نظام روما الأساسي التي تصنف هذه الأفعال كجرائم حرب.
- إنشاء لجنة تقصي حقائق دولية خاصة بتوثيق الهجمات على التعليم في فلسطين، وتقديم تقارير دورية إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
- تعزيز الدعم السياسي لإعلان المدارس الآمنة:
- دعوة الدول التي لم توقع على إعلان المدارس الآمنة إلى الانضمام الفوري له.
- متابعة تنفيذ الالتزامات الواردة في الإعلان من خلال اجتماعات دورية بين الدول الموقعة.
- الدعم المالي واللوجستي:
- تخصيص موارد مالية لإعادة إعمار المدارس والجامعات المتضررة في غزة والضفة الغربية.
- دعم برامج الطوارئ التي توفر التعليم البديل للأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب النزاع.
- توفير معدات تعليمية حديثة، بما في ذلك الأجهزة التكنولوجية اللازمة لمواصلة العملية التعليمية عن بعد في حالات الإغلاق أو النزوح.
- تعزيز الحماية الميدانية:
- نشر فرق مراقبة دولية حول المدارس المعرضة للخطر، خاصة في مناطق التماس والمناطق القريبة من المستوطنات.
- الضغط على إسرائيل لضمان حرية حركة الطلبة والمعلمين وإزالة الحواجز العسكرية التي تعيق وصولهم إلى المدارس.
ثانياً: المجتمع المدني الفلسطيني والمنظمات غير الحكومية
- لا يمكن أن تبقى الانتهاكات دون توثيق، ولا ينبغي إهمال تدريب فرق محلية متخصصة ورفع تقارير دورية للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
- لا يجوز بقاء المجتمع دون وعي، ولا بد من عدم إهمال حملات التوعية وتعزيز المشاركة الشعبية في حماية المدارس.
- لا ينبغي أن يكون الضغط الدولي غائباً، ولا بد من عدم ترك الانتهاكات دون مواجهة عبر بناء تحالفات إقليمية ودولية وتنظيم فعاليات دولية.
- لا يمكن أن يبقى الطلبة المحتاجون دون مساعدة، ولا ينبغي إهمال تقديم الحقائب المدرسية والقرطاسية والمنح الدراسية لاستكمال تعليمهم.
ثالثاً: الجهات المانحة والشركاء الدوليون
- لا يجوز ترك مشاريع إعادة الإعمار بلا تمويل، ولا بد من عدم إغفال دعم بناء المدارس المدمرة وتطوير المناهج والبنية التحتية الرقمية.
- لا يمكن إهمال الدعم النفسي والاجتماعي، ولا ينبغي أن تبقى معاناة الأطفال والمعلمين دون معالجة نفسية متخصصة.
- لا يجوز أن تكون المساعدات غير موجهة، ولا بد من عدم إغفال التنسيق مع وزارة التربية والتعليم ووزير التعليم العالي لضمان وصولها للفئات المستهدفة دون عراقيل سياسية أو أمنية.
الخاتمة
تؤكد الوقائع والبيانات التي استعرضتها هذه الورقة أن استهداف التعليم لم يعد مجرد نتيجة عرضية للنزاعات، بل أصبح أداة ممنهجة تُستخدم لكسر إرادة الشعوب وتقويض قدرتها على النهوض. وفي السياق الفلسطيني، يتجلى ذلك بوضوح في الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف المدارس والجامعات والبنية التحتية التعليمية والطلبة والمعلمين، وهو ما يرتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. هذا الاستهداف لم يقتصر على تدمير المباني، بل امتد ليشمل محاولات لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية عبر فرض المناهج المحرفة وحرمان الطلبة من التعليم في بيئة آمنة، ما يهدد الأجيال القادمة بحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية.
لقد أظهر اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، منذ اعتماده في عام 2020، أنه أكثر من مجرد مناسبة رمزية، فهو يمثل منصة حقيقية لحشد الجهود الدولية، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، وإعادة وضع التعليم كأولوية على الأجندة العالمية. ولعل أبرز ما يميز هذا اليوم هو أنه يمنح الدول والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني أداة لرفع الصوت ضد هذه الانتهاكات وتسليط الضوء على المعاناة الإنسانية التي تنجم عنها، خصوصاً في مناطق النزاع الممتدة زمنياً مثل فلسطين وسوريا واليمن.
إن حماية التعليم ليست مسؤولية تقع على عاتق طرف واحد، بل هي التزام جماعي يتطلب تنسيقاً بين الحكومات، والمؤسسات الدولية، والمجتمع المدني. ومن هنا تأتي أهمية إعلان المدارس الآمنة الذي وفر إطاراً عملياً يمكن البناء عليه لضمان أن تبقى المؤسسات التعليمية بعيدة عن ساحات القتال، وأن يتم حمايتها وحماية الطلبة والمعلمين من العنف والاستغلال. غير أن التحديات التي تواجه التنفيذ، سواء على صعيد غياب الإلزامية القانونية أو ضعف آليات المساءلة، تُبرز الحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية وموارد كافية لتحقيق أهداف هذا الإعلان وترجمته إلى نتائج ملموسة.
كما أن التوصيات التي خلصت إليها الورقة توضح مسارات العمل المستقبلية، بدءاً من تفعيل آليات المساءلة الدولية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها بحق التعليم في فلسطين، مروراً بدعم برامج إعادة الإعمار والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين، وانتهاءً بتعزيز دور المجتمع المدني في الرصد والتوثيق والمناصرة. هذه الجهود مجتمعة تشكل أساساً ضرورياً لبناء نظام حماية شامل يضمن أن تبقى المدارس أماكن آمنة، وأن يستمر التعليم كحق أساسي لا يمكن التنازل عنه أو المساس به.
إن مستقبل أي مجتمع يبدأ من مقاعد الدراسة، وحماية التعليم تعني حماية هذا المستقبل. فالمجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ خطوات جادة وحاسمة تضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب، وتؤكد أن الهجمات على التعليم لن تمر دون محاسبة. وإذا كان النزاع يولّد الدمار واليأس، فإن التعليم هو الوسيلة التي تبني الأمل وترمم النسيج الاجتماعي وتفتح الطريق نحو السلام. إن الاستثمار في حماية التعليم ليس فقط واجباً أخلاقياً أو قانونياً، بل هو استثمار في أمن واستقرار العالم، وضمانة لأن تظل الأجيال القادمة قادرة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.
في الختام، تمثل هذه الورقة دعوة صريحة لجميع الأطراف المعنية، من حكومات ومؤسسات دولية ومنظمات مجتمع مدني، للعمل المشترك لحماية حق التعليم. فالتعليم هو الركيزة التي تقوم عليها المجتمعات، واستهدافه هو استهداف لوجودها ذاته. ومن هنا، فإن أي تقاعس في حمايته يعني المساهمة في إطالة أمد النزاعات، وحرمان الأجيال القادمة من حقها في الأمن والكرامة والتنمية المستدامة.