لقد فقدت عبارة “لن يتكرر هذا أبدًا” ثقلها الأخلاقي بشكل مأساوي

يجب أن تُنبّه حرب الإبادة الجماعية في غزة العالم أجمع إلى أن هذه ليست سوى حلقة أخرى من حلقات الإنهيار الأخلاقي لإنسانيتنا، إذ فقدت عبارة “لن يتكرر هذا أبدًا” ثقلها الأخلاقي.
منذ توليه السلطة قبل 30 عامًا، دأب نتنياهو على إحباط أي احتمال للسلام مع الفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين. بدأ بتفكيك اتفاقيات أوسلو، بينما شرع بشكل منهجي في تسميم الرأي العام الإسرائيلي، وغسل أدمغتهم لإقناعهم بأن الفلسطينيين يشكلون تهديدًا وجوديًا لتبرير الإحتلال الوحشي وحصار غزة بحجج واهية تتعلق بالأمن القومي. يُصوّر إسرائيل على أنها الضحية، بينما في الواقع تُسيء معاملة الفلسطينيين وتُعاملهم على أنهم دون البشر ويمكن الإستغناء عنهم وغير جديرين بالحياة. وقد أدى تشكيله في شهر ديسمبر/ كانون أول 2022 لأكثر حكومة فاشيةً ومسيانيّةً وتعصبًا في تاريخ إسرائيل إلى تسريع أجندته الوحشية. نتنياهو مجرم حرب أذهل هجوم نتنياهو على غزة المجتمع الدولي. لقد حيّرت قدرة حكومة إسرائيلية على ارتكاب هذه الفظائع التي لا توصف العالم الذي ينظر إلى إسرائيل الآن على أنها دولة فصل عنصري، دولة مفلسة أخلاقياً ضلّت طريقها، دولة منبوذة تتجاهل بشكل روتيني حقوق الإنسان والأعراف والسلوك الدولي، ويجب على المجتمع الدولي نبذها. وبفضل نتنياهو، تُلام إسرائيل على تأجيج التوتر الإقليمي وتنفير أصدقائها وحلفائها وجزء كبير من المجتمع الدولي، بينما تزداد عزلتها. خان نتنياهو شعبه وبلاده بإطالة أمد الحرب عمدًا من أجل بقائه السياسي، وذلك لتأجيل صدور حكم في محاكمته الجنائية الجارية، وتجنب لجنة تحقيق في هجوم حماس الذي شُنّ تحت إشرافه. لقد فاقمت جرائمه الحربية معاداة السامية إلى مستوى غير مسبوق وشوّهت سمعة اليهود ومكانتهم حول العالم، في حين برّرت أحكام معاداة السامية المسبقة القائلة بأن اليهود استغلاليون وأصحاب دسائس ومُكدّسون للأموال ولا يسعون إلا لمصلحتهم الشخصية. وبالنسبة لنتنياهو، فإن عبارة “لن يتكرر هذا أبدًا”، التي صيغت في أعقاب المحرقة تنطبق حصريًا على اليهود دون غيرهم، أما هم فلا تُحتسب في حقهم جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. ترامب متواطئ في الإبادة الجماعية في غزة تُقتل آلاف النساء والأطفال الفلسطينيين، ويتضور مئات الآلاف جوعًا. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، توفي 185 شخصًا بسبب سوء التغذية في شهر آب / أغسطس لوحده. دعوا الأمر لأولئك الإنجيليين “المتدينين” ليتلذذوا بأرض غارقة في دماء الفلسطينيين. ترامب، المهووس بعظمة نفسه، يُدبّر أفظع الخطط لإنشاء ما يُسمى “ريفييرا الشرق الأوسط” التي تتضمن التطهير العرقي لغزة من خلال تشجيع الفلسطينيين على المغادرة إلى بلد آخر “طواعية”، سواءً مؤقتًا أو بشكل دائم. ولكن، إلى أي مدى طوعية؟ حسنًا، كما ينوي شركاؤه الإسرائيليون، هدم ما تبقى من منازلهم وتهجيرهم وتجويعهم حتى الموت وحرمانهم من الرعاية الطبية والضروريات الأساسية وقتل كل من يقف في طريقهم. هكذا سيغادرون طواعية. هذا تحديدًا ما يهدف إليه نتنياهو وعصابته الإجرامية: تطهير غزة من كلّ فلسطيني، رجلًا وامرأة وطفلًا، باستخدام أقسى الوسائل الممكنة، وبناء إسرائيل الكبرى على أنقاضهم. يجب أن تتوقف الحرب! دور الإسرائيليين بل على العكس من ذلك، قرر نتنياهو، مُخالفًا قيادته العسكرية العليا، استدعاء عشرات الآلاف من جنود الإحتياط للمشاركة في إعادة الإحتلال الوحشي لمدينة غزة ، مما سيؤدي إلى تدمير المدينة ومقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين وعشرات الجنود الإسرائيليين. يجب على الإسرائيليين الآن رفع مستوى التحدي باتخاذ عدة إجراءات حاسمة: • الإحتجاج بلا هوادة بمئات الآلاف، والتدفق إلى الشوارع يوميًا لإجبار نتنياهو على التراجع. • ممارسة كل الضغوط اللازمة على أمنون بار ديفيد، رئيس منظمة الهستدروت، النقابة العمالية الرئيسية في • المشاركة في العصيان المدني، وخاصةً من قِبل جنود الإحتياط، الذين يجب عليهم رفض الإلتحاق فرض عقوبات على إسرائيل من قِبل القوى الغربية هناك العديد من الإجراءات العقابية العملية التي يمكن للإتحاد الأوروبي اتخاذها: • فرض قيود على الواردات والصادرات؛ ومع أن هذه الإجراءات قد تُعطل العديد من الشركات، إلا أنها جميعها قادرة على الصمود لبضعة أشهر. على الدول العربية اتخاذ إجراءات عقابية فبينما ركزت مصر على الوساطة، اكتفت بقية الدول باستدعاء سفرائها من إسرائيل للتشاور وإصدار بيانات تدين إسرائيل والعمل على جبهات دبلوماسية من خلال جامعة الدول العربية للضغط على إسرائيل دوليًا. ورغم أهمية هذه الإجراءات، إلا أنها بعيدة كل البعد عما يجب على الدول العربية فعله لإجبار نتنياهو على تغيير خططه الشريرة ضد الفلسطينيين في غزة. ومن بين الإجراءات الحاسمة التي يجب عليهم اتخاذها: • استدعاء سفرائهم حتى تُنهي إسرائيل الحرب، والتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إذا نفّذت يُلزم الرأي العام الإسرائيلي والإتحاد الأوروبي والدول العربية أخلاقياً بوقف حرب نتنياهو الإبادة الجماعية قبل أن ينجح في خلق ظروف لا رجعة فيها تُنهي مصير الفلسطينيين في غزة بالنفي، أو في أحسن الأحوال، العيش تحت أقسى حكم عسكري إسرائيلي. يجب عليهم جميعاً أن يتذكروا أن التقاعس لن يُحكم على الفلسطينيين في غزة بنهاية محفوفة بالمخاطر فحسب، بل سيجعل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أكثر فتكاً واستعصاءً على الحلّ لعقود قادمة. مقولة”لن يتكرر هذا أبدا” لن يحمل أي وزن أخلاقي بعد الآن، ولن يُلام أحد على الإبادة الجماعية في المستقبل سوى تلك البلدان التي كان بإمكانها منع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة ولكنها اختارت عدم القيام بذلك، لأنها هي أيضا فقدت نهجها الأخلاقي. |