رواية قصيره ؟؟؟ حين أُكِل الثور الأبيض

 بقلم: المحامي علي أبو حبلة

في مرجٍ فسيح، حيث تتعانق خضرة العشب بزرقة السماء، عاش ثلاثة ثيران: الأبيض، والأحمر، والأسود. كانت أجسادهم متجاورة، وقلوبهم متحدة، فإذا ما خطر الأسد ببال الهجوم عليهم، أدرك أن وحدتهم أشد من مخالبه، وأن اجتماعهم أصلب من أنيابه.

لكن الجوع لا يرحم، والمكر لا يعرف حدودًا. جلس الأسد في عرينه يحدّق في السهل ويقول في نفسه:

“لن أقدر عليهم مجتمعين، لكنني سأغرس فيهم بذرة الشك، وحين ينقسمون سيُفتح لي الباب.”

تقدّم نحو الثورين الأحمر والأسود وقال:

– “يا أصدقائي، لا خلاف بيننا، إنما أريد الأبيض وحده. دعوني أشبِع جوعي به، ولن يمسّكما مني سوء.”

ساد صمتٌ طويل، ثم مالت نفوسهما إلى حب الراحة والخوف من المواجهة، فأقنعا نفسيهما: “فلنضحِّ بالأبيض كي ننجو نحن.”

وفي ليلة غاب فيها القمر، انقضّ الأسد على الثور الأبيض وافترسه، وظلّ صدى صرخته يتردد في أرجاء المرج.

مع بزوغ الفجر، نظر الأحمر إلى الأسود، وعيناه تقولان ما لم تنطق به شفتاه: لقد خسرنا أنفسنا يوم خسرنا الأبيض.

لكن كليهما ابتلع مرارة الصمت، فالصمت أهون من مواجهة الحقيقة.

مرت الأيام، فعاد الأسد بجوعه، وحاول الهجوم عليهما معًا. صده الثوران بقوة، فانسحب جريحًا. لكنه قال في سره:

“لن أفلح بالقوة، إنما بالمكيدة مرة أخرى.”

اقترب من الأسود هذه المرة وهمس له:

– “أنت الأقوى والأبقى. دعني أبتلع الأحمر، وأبقيك سيد المرج بلا منازع.”

ارتجف قلب الأسود، وتردد طويلاً، لكنه تذكر لحظة خيانة الأبيض، فقال لنفسه: “ربما أنجو وحدي.”

فكان أن افترس الأسد الأحمر كما افترس الأبيض من قبل، وبات الأسود وحيدًا على السهل، تحاصره الوحدة من كل جانب.

لم يطل الزمن حتى جاء يوم الحساب. عاد الأسد، لا مراوغة هذه المرة، وانقضّ على الثور الأسود. قاوم ما استطاع، لكنه وحيد. وحين غرز الأسد أنيابه في جسده، صرخ صرخة مدوّية:

– “لقد أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض!”

توقف الأسد لحظة وقال بابتسامة المنتصر:

– “ما كنت لأغلبكم بقوتي، بل بفرقتكم. أنتم من فتح لي الباب، وأنا دخلت.”

وخلا المرج من الثيران، وبقي زئير الأسد شاهدًا على مأساةٍ صُنعت بأيدي أصحابها، قبل أن يصنعها عدوهم

العظة والرسالة

هذه الحكاية ليست عن أسدٍ وثلاثة ثيران، بل عن أمةٍ تفرّط بأوصالها، وحكّامٍ يظنون أن التنازل لعدوهم سيجعلهم آمنين.

لكن التاريخ علّمنا أن العدو لا يكتفي بجزء، بل يبتلع الكل متى تهاوى الحصن الأول.

إن الذين تركوا القدس وحيدة، هم الذين سيكتشفون – بعد فوات الأوان – أن سقوط فلسطين كان مقدمة لسقوطهم جميعًا. ومن يفرّط في دمشق أو بغداد أو صنعاء أو طرابلس، لا يلبث أن يسمع زئير العدو على أبواب عاصمته.

 والرساله من الحكاية إلى الحكام العرب:

الوطن كلٌّ لا يتجزأ، ومن يظن أنه ينجو بالتنازل أو الحياد، إنما يكتب بنفسه شهادة نهايته.

لقد قال الثور الأسود كلمته الخالدة: “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”. فلتكن عبرةً لكم جميعًا، قبل أن يأتي يوم تقول فيه أوطانكم العبارة ذاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com