أسطول الصمود العالمي: حين كُسر الحصار إعلاميًا قبل أن يُكسر ميدانيًا.. المحامي علي أبو حبلة

في سابقة إنسانية وسياسية لافتة، نجح أسطول الصمود العالمي في تحويل محاولته لكسر الحصار البحري المفروض على غزة من مجرد رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر إلى معركة وعي عالمي كسرت الحصار إعلاميًا، وأيقظت ضمير العالم تجاه واحدة من أطول الجرائم الإنسانية في العصر الحديث.
فعلى الرغم من اعتراض البحرية الإسرائيلية لقوارب الأسطول واحتجازها، إلا أن الرسالة وصلت بوضوح إلى كل ركن من أركان العالم: غزة ليست وحدها، والحصار بات مرفوضًا إنسانيًا قبل أن يُدان قانونيًا.
الكاميرا كسلاح والوعي كجبهة مقاومة
منذ لحظة إبحار الأسطول الذي ضم أكثر من 40 قاربًا مدنيًا تقل نحو 500 ناشط وبرلماني ومحامٍ وشخصيات دولية، بينهم حفيد نيلسون مانديلا والناشطة السويدية غريتا تونبري، أدرك المنظمون أن المعركة لن تُخاض بالسلاح، بل بالصورة والكلمة والبث المباشر.
فقد وثّقت الكاميرات المثبتة على متن القوارب لحظات الاقتحام الإسرائيلي ونقلتها للعالم عبر بث مباشر شاهده الملايين، بينما تولّى مطورون من غلاسكو تتبع حركة السفن لحظة بلحظة على موقع إلكتروني تفاعلي سجّل أكثر من ستة ملايين زيارة في يومين.
وبينما كانت الزوارق الإسرائيلية تصعد على متن القوارب بالقوة، كانت ملايين العيون في مختلف القارات تتابع مشاهد الاعتراض، لتتحول اللقطات إلى شهادة حيّة على قرصنة بحرية موثقة بالصوت والصورة.
التحول من الميدان إلى الفضاء العام
لقد نجح أسطول الصمود في توظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتحويل الحدث من واقعة بحرية محدودة إلى قضية ضمير عالمي.
فالتحديثات المستمرة عبر منصات إكس وتليغرام وإنستغرام، إلى جانب المؤتمرات الصحفية التي عُقدت عبر تطبيق زوم مع النشطاء على متن القوارب، صنعت حالة تفاعل غير مسبوقة وجعلت من الحصار على غزة قضية رأي عام دولي تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.
وتزامن هذا الحراك مع تحول سياسي ملحوظ في أوروبا تمثل في اعتراف فرنسا وبريطانيا بدولة فلسطين، وهو ما رآه الأكاديمي البريطاني دان ميرسيا انعكاسًا لتأثير الأسطول في تشكيل الوعي السياسي الغربي وتغيير المزاج الشعبي تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
رمزية الصمود في مواجهة العزلة الإسرائيلية
قد لا يكون الأسطول قد وصل إلى شواطئ غزة، لكنه وصل إلى قلوب الملايين وضمائرهم، وكشف هشاشة الرواية الإسرائيلية أمام الحقيقة العارية.
فالاحتلال الذي حاول إخفاء جرائمه وراء الحصار فوجئ بأن الصورة أصبحت أقوى من الرقابة، وأن العالم لم يعد يصدق تبريرات “الأمن القومي” حين تُوجَّه البنادق إلى متضامنين مدنيين يحملون الدواء والغذاء.
لقد تحوّل الأسطول إلى رمز عالمي للصمود الإنساني، وأعاد إحياء فكرة المقاومة السلمية العابرة للحدود، بينما تعرّت إسرائيل أمام الرأي العام الدولي ووجدت نفسها في مواجهة عزلة سياسية وأخلاقية متصاعدة.
أمل يتجدد
أثبتت تجربة أسطول الصمود أن إرادة الشعوب أقوى من جدران الحصار، وأن التضامن العالمي مع غزة لم يعد شعارات بل أفعالًا ملموسة.
فالاحتجاجات التي عمّت شوارع العواصم الأوروبية، والإضرابات التي نفذتها النقابات تضامنًا مع المتضامنين، أكدت أن القضية الفلسطينية استعادت بريقها الإنساني والسياسي في الضمير العالمي.
إن الأسطول الذي انطلق لكسر الحصار، وإن لم يصل إلى وجهته، نجح في كسر الصمت، وفتح صفحة جديدة في نضال الشعوب ضد الظلم، ليؤكد أن الحق حين يُحمل على أشرعة الحرية لا يغرق، بل يعبر إلى العالم أجمع.
إن اعتراض إسرائيل لأسطول الصمود يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي البحري ولأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تكفل حرية الملاحة في البحار الدولية وتمنع أي دولة من فرض حصار غير مشروع على إقليم محاصر بالسكان المدنيين.
كما أن المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر العقاب الجماعي، وتؤكد عدم جواز تعريض المدنيين للحصار أو التجويع كوسيلة من وسائل الحرب. وبالتالي، فإن استمرار الحصار على غزة منذ عام 2007، وما يرافقه من منع دخول الغذاء والدواء، يُعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
أما اعتراض الأسطول المدني المتجه لكسر الحصار الإنساني، فيقع في إطار القرصنة البحرية المحظورة دوليًا، لكونه يستهدف سفنًا مدنية غير مسلحة في المياه الدولية، وهو ما يُعد انتهاكًا مباشرًا للمادة 101 من قانون البحار.
إن أسطول الصمود لم يكن عملًا عدائيًا، بل مبادرة إنسانية مشروعة تستند إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني وحق الشعوب في الحياة والكرامة.
ومن هذا المنطلق، فإن مسؤولية المجتمع الدولي اليوم لا تقتصر على إدانة الاعتراض، بل على التحرك الجاد لإنهاء الحصار، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكها المتواصل للقانون الدولي ولقيم العدالة الإنسانية.
> فالقانون، كما الضمير، لا يمكن أن يبقى محايدًا أمام جريمة تتكرر كل يوم على شواطئ غزة.
وحقيقة القول إن الرسالة وصلت… والحصار بدأ يتهاوى في عقول وضمائر الأحرار قبل أن يسقط على أرض الواقع.
رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة