مركز “شمس”: (732) يوماً من الإبادة الجماعية في قطاع غزة… جرائم متواصلة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في ظل صمت دولي رسمي مريب

رام الله- البيادر السياسي:ـ قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” في الذكرى السنوية الثانية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتجدد المأساة وتتعالى الأصوات التي ترفض أن تُختزل القضية في أرقام الشهداء والمنازل المدمرة، فغزة لم تكن يوماً ساحة حربٍ عابرة، بل مرآة كاشفة لجوهر الصراع بين الحرية والاحتلال، بين الكرامة والعدوان. عام مضى على المجازر التي هزت ضمير الإنسانية، وما تزال السماء نفسها تشهد على الدم المراق بلا حساب، وعلى عالمٍ تواطأ بالصمت أو بالمصالح .
لقد شكّل هذا العدوان محطة سوداء في التاريخ المعاصر، حيث استخدم الاحتلال أعتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين، مستبيحاً كل القيم التي قامت عليها الشرعية الدولية، في انتهاك فاضح لاتفاقيات جنيف ولاهاي، ونسفٍ كامل لمبادئ حقوق الإنسان التي أكدت أن الحياة حق مقدس لا يمس.لم يكن ما جرى مجرد معركة عسكرية، بل جريمة مكتملة الأركان استهدفت الإنسان الفلسطيني في وجوده وهويته وحقه في الحياة، وحولت المستشفيات والمدارس والمخيمات إلى مقابر جماعية وصور دامغة لعجز العالم عن حماية الأبرياء.وفي مواجهة هذا الخراب، بقيت غزة عنواناً للصمود ورفض الإبادة، إذ واجهت آلة القتل بإرادة الحياة، وحولت ركامها إلى شهادة على أن الشعوب قد تحاصر لكنها لا تهزم.إن مرور عام على العدوان ليس مناسبة لإحصاء الجراح فحسب، بل لحساب الضمير الإنساني والقانون الدولي أمام اختبار الحقيقة ، هل ما زالت العدالة قائمة أم سقطت أمام منطق القوة؟ إن إحياء هذه الذكرى هو نداء للعالم بأن السكوت جريمة، والتطبيع مع القاتل خيانة للإنسانية، وأن غزة – رغم الحصار والدمار – ما زالت بوصلـة الكرامة ومقياس الإنسانية في زمنٍ يتداعى فيه الضمير العالمي.
وقال مركز “شمس” أن قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما زال يعيش فصول أبشع حرب إبادة جماعية في التاريخ الحديث، يشنّها الاحتلال الإسرائيلي بكل ما تحمله الكلمة من وحشية ومعنى. فقد استخدم جيشه ترسانة عسكرية هائلة، مفرطة التدمير، تضم أسلحة محرّمة دولياً كالفسفور الأبيض، والقنابل العنقودية والمتفجرة، موجِّهاً نيرانه نحو الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة على حد سواء.هذه الحرب، الممتدة على مدار عامين متتاليين، والتي استهدفت كل ما هو فلسطيني. لم تفرّق بين طفل وشيخ، ولا بين مسجد وكنيسة، بل استهدفت الإنسان الفلسطيني في حياته وكرامته ومأواه، لتجسّد سياسة معلنة تقوم على الإبادة والعقاب الجماعي والتطهير العرقي.ولم يكتفِ الاحتلال بخرق مبادئ الإنسانية، بل انتهك صراحةً اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907، واتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980، واتفاقية حظر الذخائر العنقودية لعام 2008، في تحدٍّ صارخ للمادة (1) المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي تُلزم الدول الأطراف باحترام القانون الإنساني وضمان احترامه في جميع الأحوال.
وقال مركز “شمس” أن الاحتلال ارتكب جريمة الإبادة ضد المدنيين، بقتله(67,139 ) مواطناً فلسطينياً ، و(9,500 ) مفقوداً ما زالوا تحت الركام، بينهم (20,000 ) طفلاً وأباد (2,700) أسرة بالكامل، بينما سقط مئات الضحايا جوعاً ومرضاً بسبب الحصار المفروض. إن هذا القتل الواسع والمنهجي يمثل انتهاكاً للمادتين (27) و(32) من اتفاقية جنيف الرابعة اللتين تحميان المدنيين من القتل والتعذيب والمعاملة المهينة، كما يشكل خرقاً للمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن الحق في الحياة باعتباره حقاً ملازماً لكل إنسان. كذلك فإن استهداف الأطفال والنساء يشكل انتهاكاً للمادتين (6) و(24) من اتفاقية حقوق الطفل، وللمادة (2) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
وأشار مركز “شمس” إلى الجرائم التي اقترفها الاحتلال بحق القطاع الصحي وكوادره ، حيث لم يسلم القطاع الصحي من هذا الدمار، إذ دمّر الاحتلال (38) مستشفى و(96) مركزاً للرعاية الصحية، واستهدف (197) سيارة إسعاف، وارتكب (788) اعتداءً على المرافق الطبية، ما أدى إلى استشهاد(1,670) من العاملين الصحيين. كما أدت إجراءات الاحتلال وسياساته نتيجة منع العلاج ومنع إدخال الدواء، إلى وفاة وفات المئات من المواطنين في قطاع غزة ، حيث واجه (12,500 ) مريض سرطان خطر الموت، ومنع (22,000 ) مريض من السفر لتلقي العلاج، بينهم (5,200) طفل بحاجة إلى تحويل طبي عاجل. ووفق الإحصائيات، فإن (350,000) مريض مزمن حُرموا من الدواء، كما أُجبرت(107,000) سيدة حامل ومرضعة على مواجهة الخطر دون رعاية صحية. إن هذه الأفعال تشكل انتهاكاً جسيماً للمادتين (18) و(19) من اتفاقية جنيف الرابعة اللتين تضمنان حماية المستشفيات والعاملين الصحيين، وللمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تكرّس الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية. كما تُعد هذه الممارسات خرقاً للمادة (8/2/ب/9) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تصنف مهاجمة المنشآت الطبية كجريمة حرب.
كما ويُعدّ منع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية واستخدام الحصار وسيلة للتجويع جريمة مزدوجة، إذ تنتهك المادة (23) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تفرض السماح بمرور الأدوية والمواد الطبية إلى المدنيين، والمادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر تجويع السكان كأسلوب من أساليب الحرب. كما أن منع المرضى من السفر يتناقض مع المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تكفل حرية التنقل، ومع المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حق كل فرد في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، لتلقي العلاج أو الحماية.
كما استهدف الاحتلال محطات المياه والكهرباء والمرافق العامة، حيث دمر (725) بئراً مركزياً و(700,000) متر من شبكات المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. وأصيب جراء ذلك عشرات الآلاف من المواطنين بأمراض مختلفة بسبب النزوح القسري، فيما سُجلت (71,338 ) حالة كبد وبائي نتيجة التلوث وانعدام النظافة. إن هذه الانتهاكات تمس جوهر الحق في الصحة المنصوص عليه في المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتؤكد على مسؤولية دولة الاحتلال في تأمين الرعاية الصحية للسكان الواقعين تحت احتلالها كما تفرض المادة (56) من اتفاقية جنيف الرابعة.
وأوضح مركز “شمس” أنه في موازاة استهداف الحق في الحياة، استُهدفت دور العبادة ، فدمر الاحتلال(835) مسجداً بالكامل و(180) جزئياً، واستهدف(3) كنائس مراراً، ودمر(40) مقبرة وسرق (2,450) جثماناً من الشهداء. إن المساس بدور العبادة والمقدسات انتهاك صارخ للمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن حرية الدين والعبادة، وللمادة (18) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما يشكل خرقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية والدينية في النزاعات المسلحة.
ولم يتوقف العدوان عند هذا الحد، بل استهدف العقل والهوية، فدمّر (165) مؤسسة تعليمية وجامعية كلياً و(392) جزئياً، وتضررت95% من المدارس، واستُشهد(18216) طالب و(786) معلماً ، وجرح ( 26479) طالب ،و (3239) معلماً، كما أستشهد (237) أستاذاً جامعياً، وجرح ( 1456) من كوادر مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة . إن هذا التدمير المتعمد للبنية التعليمية ينتهك المادة (50) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بضمان تعليم الأطفال، كما يخالف المادة (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتين تكرسان الحق في التعليم دون تمييز.
وقال مركز “شمس” أن الاحتلال أمعن في جرائمه عندما استهدف العاملين الإنسانيين والإغاثيين، فقتل (540) من موظفي الإغاثة والمتطوعين، ومنع(120,000) شاحنة مساعدات من الدخول إلى القطاع، واستهدف (61) مركز توزيع غذاء و(47) مطبخاً خيرياً، وأعدم عشرات المدنيين أثناء بحثهم عن المساعدة. إن قتل الإغاثيين وعرقلة إيصال المساعدات يخالف المادتين (23) و(59) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (71) من البروتوكول الإضافي الأول، وهو أيضاً خرق للحق في الغذاء والكرامة المنصوص عليه في المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وشدد مركز “شمس” على أن استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني يشكل تهديداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، ويقوّض الأسس التي قام عليها النظام القانوني الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والذي وُجد لمنع تكرار المآسي الجماعية والإبادة المنظمة. فالصمت الدولي إزاء ما يجري في غزة والضفة الغربية يُعد تواطؤاً ينسف قيم العدالة وحقوق الإنسان، ويفتح الباب واسعاً أمام انهيار منظومة القانون الدولي الإنساني. وأكد المركز أن ما يرتكبه الاحتلال من قتل جماعي وتهجير قسري وحصار وتجويع ليس مجرد خروقات معزولة، بل سياسة ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستوجب تحركاً فورياً من الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. كما دعا “شمس” المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ووقف ازدواجية المعايير التي تشجع الجلاد على مواصلة جرائمه، مؤكداً أن غياب المحاسبة يعني شرعنة الإبادة واستباحة القانون.
كما وتقدم مركز “شمس” بالتحية وبالشكر إلى الشعوب الحيّة، والتي تقف إلى جانب الحق الفلسطيني ، وقال المركز أن نور أحرار العالم ، أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات في عواصم الأرض كافة، حاملين الأعلام الفلسطينية، ومرددين هتافات الحرية والكرامة. إن هذه الشعوب الحرة، من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، ومن إفريقيا إلى آسيا والعالم العربي إلى استراليا، تؤكد أن الضمير الإنساني لم يمت، وأن العدالة لا تزال تجد من يدافع عنها رغم محاولات إسكاتها. فهؤلاء المتظاهرون الذين يرفعون صور الشهداء ويهتفون من أجل وقف الإبادة والحصار، يُعيدون الاعتبار لقيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان التي تأسس عليها النظام الدولي. لقد أثبتت الجماهير العالمية أن فلسطين ليست قضية حدود أو صراع سياسي، بل قضية ضميرٍ إنساني عالمي، وأن الكلمة الصادقة والصرخة الحرة يمكن أن تكون أقوى من رصاص الاحتلال ودباباته. إنّ مركز “شمس” يحيي هذه الشعوب ويعبر عن تقديره العميق لكل من خرج نصرةً للحق ورفضاً للظلم، ولكل من حوّل شوارع العالم إلى منصات تضامن مع غزة والقدس وكل فلسطين. إنّ تلاحم هذه الأصوات الحرة يُعطي الأمل بأن العدالة وإن تأخرت لن تُهزم، وأن إرادة الشعوب هي السلاح الأخلاقي الذي سيكسر جدار الصمت ويعيد لفلسطين مكانتها في ضمير الإنسانية الحيّ.
وطالب مركز “شمس” بضرورة العمل الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وضمان دخول المساعدات الطبية والغذائية دون قيد أو شرط. وإلى تفعيل آليات المساءلة الدولية من خلال المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان، لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ، وإلى دعوة الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف إلى ممارسة ولايتها القضائية العالمية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الجرائم الجسيمة، التزاماً بمبدأ عدم الإفلات من العقاب. وإلى فرض حظر دولي على تصدير الأسلحة لإسرائيل، ووقف أي شكل من أشكال الدعم العسكري أو السياسي الذي يسهم في استمرار الإبادة.وإلى تأسيس صندوق دولي لإعادة إعمار قطاع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية والأهلية والقطاع الخاص . وإلى تجديد الالتزام الأممي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله باعتباره الجذر الرئيس للانتهاكات، وضمان استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس.