نبض الحياة.. نوبل لصناع السلام لا لمنتجي الحروب.. عمر حلمي الغول

من المؤكد ان تلعب السياسة دورا مقررا في منح جائزة نوبل للسلام للإنسان، أو لمجموعة بشرية دافعت عن السلام، ودفعت ثمنا باهظا من دمها ودم أبنائها ذودا عن الحرية والاستقلال وبناء ركائز التسامح والتآخي والعيش المشترك بين الشعوب، ورسخت أسس العدالة بين بني الانسان في دولة أو إقليم محدد، لكن يبدو ان القائمين على جائزة نوبل للسلام حادوا عن الاسس الناظمة لمنح الجائزة لمستحقيها، كما أراد مؤسس وصاحب الجائزة السويدي الفرد نوبل، الذي انشأها تعويضا وتكفيرا عن خطيئته باختراع الديناميت، وباتت تمنح كل عام في العاشر من كانون اول / ديسمبر لمستحقها، ذكرى وفاة المخترع السويدي، ويعلن عادة عنها في العاشر من تشرين اول / أكتوبر قبل شهرين من تسليمها للفائز.
وهذا العام 2025 شهد جدلا واسعا حول الشخص او المجموعة البشرية التي تستحق الجائزة، وكان للرئيس دونالد ترمب نصيبا كبيرا من الجدل بشأنها، لأنه كان مسكونا بهاجس الحصول عليها، وأطلق ألف تصريح وتصريح عن احقيته بالجائزة، مدعيا انه أوقف سبعة حروب في العالم، وسيتابع وقف الحرب على الجبهة الروسية الأوكرانية، وتم ترشيحه من بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الصادر بحقه مذكرة اعتقال من محكمة الجنائية الدولية، المتهم بارتكاب ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، كما رشحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيرهم، لكن اللجنة المقررة اسقطتها عن الرئيس الأميركي، ومنحتها لامرأة لا تقل اجراما وعداءً للسلام، وكان يفترض ان يصدر بحقها مذكرة اعتقال من محكمة الجنائية الدولية اسوة بحليفها نتنياهو، لا ان تمنح جائزة نوبل، لإن منحها الجائزة عار على من صادق على القرار، وعكس نكوصا جادا عن السلام، وغلب القائمون على الجائزة خلفياتهم الفكرية والسياسية اليمينية المناصبة العداء للسلام وقيم اخلاقهم الصفراء، وتساوقهم مع نهج الإرهاب والعنف والحروب.
والموقف من ماريا كورينا تشادو، أحد أقطاب المعارضة الفنزويلية ليس شخصيا، أو كونها حليفا لإسرائيل، ووصفت الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، بأنها حرب على “الإرهاب”، ولا لتمثلها وتشابه تجربتها مع القيادات الإسرائيلية وخاصة نتنياهو، ولا لاعتبارها إسرائيل “نموذجا” للديمقراطية في الشرق الأوسط، ولا لتوقيعها اتفاقية تعاون بين حزبها “فينتي فنزويلا” وحزب الليكود عام 2020، وانما لمطالبتها نتنياهو بالتدخل المباشر في بلادها لإسقاط نظام الرئيس مادورو المنتخب بأغلبية من الشعب الفنزويلي.
ولأن لديها سجل طويل في الترويج لأعمال العنف، والتحريض على الانقلاب على النظام الشرعي، وبحكم نهجها المعادي للديمقراطية، والمشجع على الحرب، ومناداتها بإشعال نيران الحرب الاهلية في فنزويلا، والموقف الأخير تتبناه منذ انتصار الثورة البوليفارية في فنزويلا عام 1999، وشاركت بقوة في خطط الانقلاب على النظام السياسي بزعامة الرئيس الراحل هوغو تشافيز في نيسان / ابريل 2002. ودعمت وايدت الحكومة غير الشرعية في بلادها لرجل الاعمال بيدرو إستانغا، كما انها تمثل لسان حال الاوليغارشية الفنويلية، كونها تنتمي لأسرة كانت تمتلك الصناعة الفولاذية في البلاد، التي اشترتها الدولة عام 2010. ولم تكتف بمطالبة نتنياهو بالتدخل في بلادها، انما طالبت الولايات المتحدة بتدخل عسكري في بلادها، وغيرها الكثير من الممارسات والانتهاكات الخطيرة التي شاركت فيها أو قادتها ومست بسيادة واستقلال فنزويلا.
هكذا انسان لا يجوز قبول ترشحه، أو ادراجه في قائمة المتنافسين على الجائزة من حيث المبدأ، لأنها هددت السلم الأهلي الفنزويلي، وعملت بالوسائل كافة على تمزيق وتفتيت وحدة البلاد، ولانتهاجها سياسات داعمة ومؤيدة للإرهاب، وشكلت خطرا دائما منذ بروزها في المشد السياسي الفنزويلي على الديمقراطية، وبالتالي فإن لجنة نوبل للسلام ارتكبت خطيئة كبيرة في منحها جائزة استحقها عن جدارة أبناء الشعب العربي الفلسطيني وخاصة الأطفال والنساء الذين دفعوا ثمنا باهظا نتاج الإبادة الجماعية الإسرائيلية، أو لقضاة محكمة العدل الدولية، أو قضاة محكمة الجنائية الدولية الذين تمثلوا روح القانون الدولي ، وانحازوا للعدالة وللقانون الإنساني الدولي في احكامهم، وخاصة في اصدارهم استشارات وأحكام بوصف دولة إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في نيل حريته واستقلاله وسيادته على ارض دولته على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإصدار مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، ولم يخضعوا لابتزاز الإدارة الأميركية ولا غيرها من الدول الداعمة لإسرائيل، أو منحها لغير الشعب الفلسطيني من شعوب الأرض أو المؤسسات او الأشخاص الذين دافعوا عن حرية الانسان وكرامته وساندوا التعايش السلمي وساهموا بالقدر المتاح لبناء منظومة عالمية عادلة نسبيا. لكن اللجنة وقعت أسيرة الضغوط والحسابات الشخصية والنفعية الضيقة بمنحها الجائزة الأهم دوليا لامرأة ليست اهلا لها، وهذا عار عليها.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com