نبض الحياة.. فتح وحصانها الأسود.. عمر حلمي الغول

في ظل اشتداد حدة التباينات داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح بين أزمتها البنيوية، والطموح لترميم الوضع الداخلي، وكسر حدتها، والتجديف للخروج من شرنقة التآكل، لعب الحصان الأسود والرابح دورا مهما في فتح آفاق جديدة للنهوض والخروج من الكبوة وحالة الترهل المزمنة، ولم يكن سوى حصان الانتخابات الديمقراطية للنقابات الفلسطينية المختلفة،  التي شكلت واحدة من أهم روافع النضال الوطني تاريخيا، وقبل انطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة مطلع العام 1965، وركن أساسي من اركان منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وحتى بعد صعود دور ومكانة الكفاح المسلح الفلسطيني، كشكل رئيسي في النضال الوطني التحرري بعد انطلاقة الثورة، وحتى عام اشتعال شرارة الانتفاضة الكبرى – ثورة كانون في 8 كانون اول / ديسمبر 1987، عندما تسيد شكل المقاومة الشعبية على غيره من اشكال النضال، كانت ومازالت الحركة النقابية الفلسطينية على امتداد النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية ركيزة مركزية، رغم ما شهدته من تعثر وتراجع وتقوقع بعد العودة للوطن، وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، الا أنها أخذت في العام 2025 تستعيد عافيتها النسبية.
نعم شكل العام الحالي قفزة نوعية في استنهاض الاتحادات والنقابات، حيث تمكنت مفوضية المنظمات الشعبية في حركة فتح بالتعاون مع دائرة المنظمات الشعبية في منظمة التحرير والاتحادات والمنظمات والنقابات من ولوج محطة إيجابية في سيرورة تطورها، وتأكيد حضورها، واستعادة دورها التدريجي في المشهد الفلسطيني العام، وانتقلت من مرحلة المراوحة والموت الاكلينيكي الى مرحلة التعافي النسبي، وكان لفوز كتل حركة فتح في النقابات المختلفة، وآخرها يوم الجمعة 31 تشرين اول / أكتوبر الماضي الفوز في انتخابات نقابة أطباء الاسنان بأغلبية مقاعد النقابة ال7، وحصولها على 6 مقاعد، وقبلها فوز كتلها في نقابة الأطباء، واتحاد العمال، ونقابة المهندسين، ونقابة المحامين، ونقابة الأطباء البيطريين، ونقابة هيئة المكاتب الهندسية، كما انها تعد العدة لانتخابات الاتحاد العام للطلاب الفلسطينيين قبل نهاية العام، وتمهيدا لذلك تم تشكيل لجنة تحضيرية لانتخابات الاتحاد، ويشمل المؤتمر القادم فروع الاتحاد في الوطن والشتات.
هذه النجاحات للكتل النقابية لحركة فتح والقوى المتحالفة معها، عكست الدعم الشعبي للحركة وخيارها الوطني، في اعقاب تمكن المفوضية من جمع شمل قوى الحركة في بوتقة واحدة، بعيدا عن التشرذم والتنافر، والصراع بين أصحاب وجهات النظر المتباينة حول تشكيل قوائمها في النقابات والاتحادات المختلفة، وحشدت جهود المؤسسات الشعبية والرسمية خلف برنامج الحركة النقابي المهني والمطلبي، وبرنامج الحركة السياسي الوطني، وأيضا نتاج التكامل والتعاضد بين جهود المفوضية والكتل النقابية الشعبية في المؤسسات الشعبية، الذي شكل رافعة للإنجازات جميعها، ولتمسك الحركة ومفوضية المنظمات الشعبية بخيار صناديق الاقتراع، كأساس ناظم لتعزيز العملية الديمقراطية في الاتحادات والنقابات والمجتمع الفلسطيني ككل، وتأصيلا لمكانة الانتخابات في حياة الشعب الفلسطيني، باعتبارها ركيزة أساسية في اختيار المؤسسات المختلفة لممثليها، ورفضا لسياسات التعيين وفرض وجوه غير مرغوب فيها، أو لا تمثل صوت الأغلبية الشعبية النقابية.
ومن المؤكد أن العملية الديمقراطية في الاتحادات والنقابات تعتبر جسرا هاما واساسيا لبلوغ محطة الانتخابات البرلمانية العامة والرئاسية، التي باتت أكثر من ضرورية للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ولقطع الطريق على القوى المعطلة للانتخابات.
وستبقى العملية الديمقراطية ناقصة ومجتزأة، إن لم تشمل نصفها الاخر في قطاع غزة، الذي لم تسقطه المفوضية وحركة فتح من حساباتها، ولكنها تنتظر الظروف المهيأة في المستقبل المنظور لإجرائها في القطاع، حتى يكتمل عرس الديمقراطية الفلسطينية في جناحي الوطن والشتات في آن، حيث لا يمكن لوطني فلسطيني قبول الفصل بين الضفة بما فيها القدس العاصمة والقطاع، ولا الفصل بين أبناء الشعب في الوطن عن الشتات والمهاجر والمغتربات الفلسطينية في الشروط الموضوعية التي تسمح بإجراء الانتخابات، والاهم اجراء الانتخابات التشريعية العامة والرئاسية لاختيار الشعب ممثلوه عبر صناديق الاقتراع، ولتحقيق الخطوة الأخيرة، على القيادة السياسية للشعب الشروع بالإعداد والتحضير للمحطة المركزية التي تاق لها الشعب بعد نحو عقدين من الزمن بانتظارها، وتجاوز كل التعقيدات والعقبات الذاتية والموضوعية، وخلق الشروط المناسبة لإجرائها.

مبروك كبيرة لحركة فتح ومن معها من القوى التي حالفها الحظ في الفوز، وكسب الرهان على الحصان الأسود، بفضل جهود مفوضية المنظمات الشعبية في حركة فتح وفريقها الذي أدار المعركة وواصل الليل مع النهار لبلوغ الهدف ولدائرة المنظمات الشعبية في منظمة التحرير، وبالنتيجة مبروك للشعب الفلسطيني المسكون بالديمقراطية وحرية اختيار ممثليه.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com